آخر الفضائح القادمة من المنطقة الخضراء في بغداد، أن وزير الكهرباء رعد شلال، ونائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني، قد وقعا وبعلم رئيس الوزراء نوري المالكي، عقوداً مع شركتين، واحدة كندية وأخرى ألمانية بمبلغ مليار ومائتي مليون دينار، ثم اكتشفوا أن الشركتين وهميتان، ما دعا المالكي لإلغاء العقود، ورفع دعاوى على الشركتين، وتقديم وزير الكهرباء للبرلمان لأقالته!

ليت الوهم توقف عند الشركات الأجنبية الوهمية، وليت خسارة العراق انحصرت بهذه الأموال المهدورة،مصيبة العراق أنه مبتلى بجبال من الأوهام، ونظام حكم قائم كله على الوهم، وشعب عريق ما زال يعيش على الوهم!

فمن المعروف لكل ذي عقل، أن الحقيقي هو من يتحرك ويفكر ويعمل ويحس ويلتزم ويحقق وجوداً محسوساً على الأرض، والوهمي عكس ذلك،أي هو من لا يتحرك ولا يفكر ولا يعمل ولا يحس ولا يلتزم ولا يحقق وجوداً محسوسا على الأرض!

والمالكي والشهرستاني وشلال وبقية الأخوة والأخوات من رجال الحكم، منذ دخولهم المنطقة الخضراء وهم يعدون الناس بالكهرباء، وها قد مرت ثمانية أعوام وهدرت عشرات المليارات من الدولارات ولم يحصل الناس على الكهرباء، ولا تسمع بوجود الكهرباء إلا حين يحصل ما يسمونه بالتماس الكهربائي لتندلع الحرائق الخاصة بإتلاف سندات وأوراق حسابات في وزارات أو بنوك ومؤسسات،أي هي إنارة من أجل ممارسة هواية السرقة! وما عداها فإن الناس يحصلون على كهرباء شحيحة بجهدهم الخاص، أو ينسونها تماما، يقلبون أرواحهم على جمر الصيف، مستعينين بالمراوح اليدوية، ألا يعني هذا أن هؤلاء الحكام لا وجود لهم، وهم مجرد شركات وأسماء وأحزاب، وهمية افتراضية تسبح في المخيلة وليس في الواقع؟

الحكام ملزمون بشتى الخدمات الضرورية للشعب ولم يحققوها، ألا يعني هذا أنهم حكام وهميون ولا وجود لهم؟

وهم ملزمون بأمن الناس واستقرار البلاد وحماية الحدود، وضمان حق البلاد بالمياه من تركيا وإيران، ولم يحققوا شيئاً من ذلك، ألا يعني هذا أنهم شركات وهمية؟

وبينما المخابرات الإيرانية تتناوب اللعب بالعراق، تتقاذفه كالكرة مع الأمريكان ودول الجوار الأخرى،ولا أحد يسمع كلمة من هؤلاء الحكام حول ذلك، ألا يعني هذا أنهم وهميون ولا وجود لهم؟

وهم ملزمون بإعادة بناء ثقافة العراق الإنسانية، وروح العراق الوطنية، وتصفية الطائفية، واستعادة الأمل وحب الحياة والمستقبل لدى العراقيين،وحتى الآن لم يحققوا شيئاً من ذلك، فهم لم يعيدوا فتح سينما ولا ترميم مسرح، ولا إسعاف نشاط ثقافي، ولا دعم حركة إبداعية، ولا تنشيط فكر علمي إنساني. على العكس انطلقت في ظلالهم ثقافة الأوهام وتصاعدت وانتشرت طاردة كل ما تبقى من ثقافة علمية أو مادية، وجندوا ملايين الناس في مسيرات تكاد تكون أسبوعية تحت شعارات وهمية تؤجج النعرات الطائفية، وتعطل اقتصاد البلاد وتستنزفه، وكل شيء في البلاد دخل الغيبة الكبرى! وإذا تصادف وشاهد أحد المالكي في اجتماع عام، فما أن تعزف نغمة موسيقيه، حتى يتبخر من القاعة على الفور، كل هذا ولا يقرون أنهم مجرد أشخاص وهمين، وأحزاب وكتل وهمية، تنتج الأوهام حتى دون أغلفة، ثم يشتكون على شركات أجنبية يقولون أنها وهمية!

الذين لديهم وجود حقيقي هم عقلاء واعون يفكرون، لا تخدعهم شركات وهمية أو حقيقية عبر الإنترنيت، من تخدعه شركات وهمية لا بد أنه هو أيضا وهمي، لا يفكر ولا يمتلك خبرة، ولا يستعين بمن يفكر أو صاحب خبرة،وإنما هم أشباح أوهام، تلعب وتتعاقد مع أشباح أوهام!

الحقيقي يحس ويخجل ويستحي،وهم قد أثبتوا أنهم لا يحسون ولا يخجلون ولا يستحون، كل هذه الأموال هدرت وسرقت في ظلالهم، وما يزالون يتشبثون بسلطة وهمية،ويدعون أنهم بناة العراق الجديد، بينما هم وهم يتشبث بوهم!

قبل أيام تحدثوا في السويد عن صبي حاول الانتحار وكاد يموت لو لم يسارع أهله بنقله إلى المستشفى، والسبب هو أنه تبرع بكل ما يملك من نقود لامرأة محتالة عبر الإنترنيت ادعت في أحدى رسائل الاحتيال المعروفة أنها أضاعت نقودها، الصبي حاول أن ينتحر نادماً، إذ لم يعط نقوده تبرعا للصليب الأحمر!

بالطبع لا أحد سينتحر من حكام العراق هذه الأيام حتى لو أكتشف إنه وحزبه ومبادئه كائنات وهمية، وبسبب أوهامه تبددت المليارات من أموال العراقيين بأيدي الفاسدين بينما لو سلمت للهلال الأحمر،أو الصليب الأحمر الدولي، كانت ستكفي لكي يشتري بها لكل عراقي سيارة إسعاف مكيفة يأوي إليها ريثما تمر قافلة الأوهام هذه!

ألا يحق للعراقيين أن يرفعوا دعوى لدى الأمم المتحدة، على هؤلاء الحكام الذين أحزابهم ليست أكثر من شركات لبيع الأوهام والخرافات وأساطير الأولين، وأنهم قد ابتلعوا أموالهم، ولم يمنحوهم سوى الوعود والأكاذيب؟