بمجرّد أن اندلعت ثورة البوعزيزي في تونس وامتدّ لهيبها إلى باقي الدول العربية، كان المواطن العربي ينتظر من أنظمته أن تستيقظ على الأقلّ من سباتها وتتّعظ ممّا يحدث وتُسارع لتدارك كلّ ما فاتها ومعالجة كلّ ما يُمكنه أنْ يقذف بها إلى غياهب المجهول الرهيب، لكنه تأسّفَ كالعادة عندما شاهد أنّ أنظمته عوَض أن تسابق الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بقيت مشدوهة كمن غاب عن وعيه، وعندما استفاقت من غفلتها، لم تجد غير اللهث في الفراغ لمحاولة فكّ الرموز و فهم ما يحدث حولها.
مثل هذه المواقف السلبية، ليست غريبة عن المواطن العربي بشكل عام وليست بالجديدة على المواطن الجزائري بشكل خاص، فهذا العجز نابع من عقم سياساتنا الداخلية والخارجية، فنحن لم نتعوّد أبدًا على خلق الأحداث، بل نكتفي بتتبّعها من قريب أو بعيد أو حتى عن كثب، ونرضى فقط بلعب دور الملاحظ.
quot;بن علي هربquot;، كلّ العالم شاهد ذلك المواطن التونسي وهو يجول ويصول فرحًا مبتهجًا في شارع من شوارع تونس يبشّر التونسيين بتحقّق شعار (الشعب يريد إسقاط النظام) الذي كُتب بلهيب النار التي أحرقت البوعزيزي، لهيب انتقل من جسد البوعزيزي إلى تونس إلى مصر ثم ليبيا ليشقّ طريقه إلى البحرين فاليمن ليحطّ الرحال بعدها في سوريا ويهدّد باقي الأنظمة العربية.
تمرّد، عصيان، تغيير، مؤامرة، ثورة، مفاهيم تتقاذفها الكثير من الأطراف وتتداولها العديد من وسائل الإعلام الجزائرية والعربية وغير العربية في محاولة منها لفهم ما يحدث في دول الوطن العربي، وهذا الخلط أو الغموض نلحظه حتى في الوسيلة الإعلامية الواحدة التي تصف أحيانًا الشعب بالمتمرّد، وأحيانًا بالثائر، وأحيانًا تكتفي بوصفه بالمتظاهر. فهل ما حدث في تونس ومصر وليبيا حقًا ثورة؟
ثورة لا ربيعا
يُجمع التونسيون والمصريون والليبيون أنّ ما قاموا به هو ثورة حقيقية، الهدف منها تغيير النظام بعد إسقاط الذي كان قبله، وقصد التحقّق من طبيعة هذا الفعل وحركة التغيير التي قاموا بها، علينا بالعودة إلى مفهوم الثورة حتى نتبيّن إنْ كان ما قاموا به هو أصلاً ثورة.
الثورة كمصطلح سياسي، لا يختلف عن غيره من مفاهيم علم الاجتماع التي تشهد تعريفات كثيرة ومتنوّعة، إلاّ أنّها تتّفق على أنّها تعني تغيير وضع قديم بوضع جديد سواء كانت نتائجه أفضل أو أسوأ من الذي قبله، وهذا رغم أنّ الجميع يُحبّذ إطلاق مفهوم الثورة على كلّ تغيير إيجابي، لهذا فهم يستعملون عبارة الثورة الثقافية، والثورة التكنولوجية والثورة المعلوماتية.
إرتبطت الكثير من تعاريف الثورة بمسألة قيام الشعب بتغيير نظام الحكم تحت قيادة نخبة مثقفة أو طبقة برجوازية أو بروليتارية، إلاّ أنّ هذا المفهوم تطوّر بتطوّر أشكال الثورات بعدما أمست الشعوب تستغلّ أدوات أخرى لإحداث التغيير في بنية النظام قصد تحقيق أهدافها المتمثلة بالأخَصّ في التحرّر والانعتاق من قيود الظلم والاستبداد وتجسيد القدر الكافي من الانجازات التي بإمكانها توفير الحياة الكريمة للمواطن في ظلّ عدالة اجتماعية تكفل أدنى الحقوق الأساسية.
عرف تاريخ البشرية الكثير من الثورات، أشهرها الثورات الثلاث التي غيّرت من تاريخ البشرية وهي الثورة الانجليزية والأمريكية والفرنسية، كما حدثت ثورات أخرى لا تقلّ أهمّية، منها الثورة الشيوعية في روسيا والثورة الهندية التي تبنّت لأوّل مرّة في تاريخ البشرية أسلوبًا مغايرًا في التغيير بقيادة الزعيم غاندي الذي سلك سبيل اللاعنف والوسائل السلمية، كما ظهرت ثورات أخرى تركت بصماتها في سجل التاريخ مثل ثورات الصين، وكوبا ومصر والجزائر وإيران.
الثورة، ظاهرة مهمّة جدًا في التاريخ السياسي، فهي حركة يحاول الشعب أو الجيش أو مجموعات أخرى في الحكومة من خلالها إخراج السلطة الحاكمة، باستخدام العنف في أغلب الأحيان، ليؤسّس الشعب أو الجيش بعد نهاية الثورة حكومة جديدة، ويسمّى هذا التغيير ثورة لأنّه يعمل على اجتثات كلّ جذور النظام السابق ويعمل على إزاحة كلّ آثاره ومحو كلّ بقاياه.
باعتبار أنّ الظلم والاستبداد والقهر سمات تلازم البشرية، فإنّ تاريخنا يبقى مليء بالثورات، كانت آخرها تلك التي واكبت نهاية القرن الماضي وكانت دول أوربا الشرقية مسرحًا له، لتظلّ الثورة ظاهرة مهمّة في تاريخنا وحاضرنا السياسي، وحدثًا بارزًا يعمل من خلاله الشعب بمعونة أطراف مختلفة على إسقاط الحكم لتولّي زمام سلطة جديدة.
يختلفُ مفهوم الثورة عن بعض المفاهيم التي تهدف أحيانًا لتحقيق نفس المقصد مثل الانقلاب، وهو عملية تغيير يقودها قادة الجيش للاستحواذ على السلطة من خلال قلب نظام الحكم لتحقيق مكاسب شخصية، كما يختلف عن العصيان السياسي الذي يعني الخروج عن الطاعة لكنّه لا يحمل الرغبة في تغيير النظام بشكل جذري مثل الثورة رغم أنّ الثورة عادة ما تنطلق بشكل عصيان سياسي، كما أنّ الثورة تختلف عن مفهوم العصيان العسكري الذي ينطبق عليه مفهوم التمرّد والذي يمكنه أحيانًا أن يتحوّل مع شدّة التصعيد إلى ثورة، وأهم نقطة اختلاف بين هذه المفاهيم والثورة، هي أن الثورة تهدف أساسًا إلى تغيير النظام تغييرًا جذريًا، عكس بقية المفاهيم التي تهدف أساسًا إلى عدم التعاون مع النظام ومقاطعته، وكلّ هذا يعتبر شكلًا من أشكال المقاومة السلبية.
بعد هذا الشرح المبسّط لمفهوم الثورة، هل يحقّ لنا عدم اعتبار ما حدث في بعض الدول ثورة؟
هل الشعوب العربية لها قابلية للتغيير؟ الإجابة : نعم، لأنّها فعلًا قامت بأهمّ خطوة وأزاحت أكبر عقبة. سؤال آخر : هل تملك الشعوب العربية إمكانات إنجاح هذه الثورات؟ أجيب أيضًا بنعم، لأنّ الثورة الانجليزية والفرنسية والأمريكية والشيوعية قام بها أناس فقراء وجيّاع من الفلاحين، وربّ قائل أنّ تلك الثورات كان وراءها مفكّرين، أقول أنّ نسبة الأمية آنذاك كانت جدّ متفشّية، ولم يكن بوسع أيّ فرنسي أن يقرأ لمونتسكيو حتي يفقه كتاباته.
الملاحظ أنّ هناك، وقصد الرفع من شأن الثورات العربية، لم يجد غير إطلاق عليها تسمية (الربيع العربي)، ومثل هذه التسمية تقزّمها أكثر ممّا تضخّمها، والأدهى والأمَرّ، أنّ هناك من رحّب واغتبط باسم (ثورة الياسمين) التي ألصقت بالثورة التونسية، وكأنّها ثورة في الرومانسية أكثر منها ثورة في السياسة، وهي مسمّيات لها أسبابها التاريخية كما لها مرجعيات مثل ثورات الربيع التي اندلعت في دول أوربا الشرقية لوقف الزحف الشيوعي، و مثل اختيار الغرب تسمية (الثورة البرتقالية) على ثورة الأوكرانيين، وإطلاق صفة (الثورة المخملية) على ثورة تشيكوسلوفاكيا.
أمّا عن الأسباب الحقيقية لرفض أكبر الدول الغربية منح صفة الثورة للشعوب الثائرة، فهذا لأنّ كلّ من إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ترى أنّها الوحيدة التي قامت بأهمّ ثورة في تاريخ البشرية، بل أنّها تتصارع فيما بينها في السرّ والعلنية لتؤكّد كلّ واحدة أنّ ثورتها هي الأولى في العالم التي قامت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأنّ كلّ الثورات ليست إلاّ صدى لثوراتها، وتجزم أنّ كلّ حركة تغيير في العالم لا تتبنّى قيَمها، ولا تنتهج أسلوبها، ولا تعتقد بأفكارها، لا تستحقّ أن تحمل صفة ثورة، وليس هذا بالغريب عنّا في الجزائر، ونحن ما زلنا لحدّ الساعة نعيش عدم اعتراف فرنسا بالثورة الجزائرية، ومازال الفرنسيون يطلقون على الأحداث التي عاشوها من 1954 إلى 1962 تسمية (حرب الجزائر)، لأنهم يصرّون وبشدّة على رفض فكرة أن يثور أيّ شعب على الثورة الفرنسية التي حرّرت البشرية من الظلم والاستبداد والقهر ورفعت شعار الحرية والمساواة والإخاء.
ثورة رغم أنف الجاحد
أنْ تأتي مثل هذه المسمّيات والألقاب من الغرب، فهذا نقبله وبرحابة الصدر لأنّنا ننتظر أي شيء من جهة تناصبنا العداء وتضمر لنا الأحقاد وتكيد لنا الدسائس، لكن أن يبلغ بأذناب أعدائنا أن يختصروا ثوراتنا إلى مجرّد (غليان)، فهذا قمّة الخيانة والجهل، خيانة لأهداف بني أمتهم بعدما أرادوا أن ينتهي هذا الغليان الشعبي إلى مجرّد بخار، وقمّة الجهل لأنّهم لا يعلمون أنّ الغليان هو حالة تمسّ كلّ الجزيئات التي تكمن فيها الحرارة اللازمة للتغيّر، كما يجهلون أنّ نقطة الغليان هي النقطة التي تكتسب فيها جزيئات السائل الطاقة اللازمة للتغلّب على قوى الجذب البين جزيئية المختلفة والتي تربط الجزيئات بالسائل، كما يجهلون أن غليان البركان يؤدّي في الأخير إلى قذف حمم وغازات تحرق الأخضر واليابس.. شأنه شأن الثورة.
مثلما هناك من يزرع بذرة الأحلام لحصد الثورة، هناك من يزرع خبث الأوهام لخنق نتائج الثورة واستغلال ثمارها وحده والاستئثار بها بتثبيط العزائم، مثلما هناك من أراد وضع لهذه الثورات برامج ومراحل، وأراد فرض عليها ضرورة اجتياز كلّ هذه المراحل بنجاح، وكأنّ سقوطها في أي امتحان معناه إعادتها إلى نقطة الصفر، وكأنّه أيضًا يهدف أن يضعها في امتحان مع تحقيق المستحيل، وعندما شاهدوا إصرار الثوار على الذهاب بعيدًا بثورتهم، لم يتردّدوا لحظة في محاولة غرس الروح التشاؤمية بالقول أّن نتائج الثورة جاءت مخيّبة للآمال، والادّعاء بأنّ الثورة فشلت في أوّل امتحان لها.
هناك كذلك من بحث وشاء الحصول على نتائج عميقة وواقعية في أيام معدودات، وكأنّ الثورة هي سباق ضدّ الساعة، وهناك من نصّب نفسه ليحسبَ عقارب الساعة ويعدّ الدقائق والثواني ليس من أجل الاحتفال بانتصارها، لكن لإعلان فشلها، لن أقول أنّ هؤلاء غاب عنهم الكثير، أو أنهم يجهلون أنّه يستحيل على أيّ ثورة تحقيق مكاسب في أيام أو أسابيع أو أشهر أو حتى في سنوات قليلة، لكن أشدّد أنّ هدفهم كان إجهاض هذه الثورات، فالذي يجهل يضرب خبط عشواء، لكن مواقفهم كانت رصاصات مباشرة إلى قلب الثورة.
الذين يرفعون سقف المطالب أمام الثورات العربية، وحتى نعيدهم إلى رشدهم، نذكّرهم فقط أن الثورة الانجليزية التي قامت في عام 1642 وامتدت إلى غاية عام 1689، إكتفت في مرحلتها الأولى فقط بعزل الملك جيمس الثاني، وتنصيب في مكانه ابنته ماري وزوجها وليام أورانج، ومع ذلك أطلق عليها الانجليز اسم (الثورة المجيدة)، لكن النجاح الحقيقي لم يجنه الشعب الإنجليزي إلاّ سنة 1689 بعد إصدار برلمانه (إعلان الحقوق)، الذي اشترط فيه على الملك الجديد عدم القيام بأي عمل يؤدّي إلى الانتقاص من حقوق الشعب.
الثورة الانجليزية اعتُبرت ثورة مجيدة لأنها ساهمت في اندلاع ثورات وإحداث تحوّلات سياسية في أوربا، إلاّ أنّ هناك من يريد اختصار ثورة البوعزيزي في شاب أحرق نفسه؟ و عندما يريد البعض المقارنة بين الثورات العربية والثورات (العظيمة)، لا يذكرون أن الثورة الانجليزية التي اندلعت سنة 1642 لم تضع أوزارها إلاّ سنة 1689، أيّ بعد أكثر من أربعين سنة من الكفاح الدامي والمستميت ضدّ الظلم والفساد.
ثورة أخرى عظيمة، لم تندلع لتغيير نظام لكن لتتحرّر من احتلال نظام آخر، هي الثورة الأمريكية التي امتدّت من سنة 1775 إلى سنة 1783، أيّ أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لم تستقل عن التاج البريطاني إلا بعد ثورة دامت ثماني سنوات عند توقيع معاهدة باريس.
ثورة أخرى غيّرت من وجه التاريخ ودامت من سنة 1789 إلى سنة 1799، وهي الثورة الفرنسية، التي عرفت هي الأخرى عدّة مراحل، فالمرحلة الأولى وحدها تطلّبت ثلاث سنوات لتأسيس الجمعية الوطنية وإسقاط سجن الباستيل، وإلغاء الحقوق الإقطاعية ووضع أول دستور في البلاد، ولم يبدأ النظام الجمهوري إلاّ في المرحلة الثانية (1792 - 1794) بعد إعدام الملك، لكن انتهت المرحلة الثالثة (1794 - 1799) بتراجع التيار الثوري وعودة البورجوازية المعتدلة التي سيطرت على الحكم ووضعت دستورًا جديدًا وتحالفت مع الجيش، كما شجّعت الضابط نابليون بونابرت للقيام بانقلاب عسكري ووضع حدّ للثورة وإقامة نظامًا ديكتاتوريًا توسّعيًا.
كما أنبّهُ كلّ من يريد تحويل الثورات العربية إلى ثورات ملائكية، إلى قراءة التاريخ جيّدًا حتى يفقه حقيقة الثورات، فالثورة الإنجليزية، وخلال الأربعين سنة التي عاشتها، وقعت تمرّدات في كلّ الأراضي البريطانية (إيرلندا واسكتلندا) وحُلّ البرلمان مرّات عديدة، ووقعت حروبًا أهلية، وأعلنت الجمهورية، وأعدم الملك شارل، وحصلت عمليات اعتقال واسعة، وانقسامات عميقة بين الثوار وصلت إلى حدّ التناحر انتهت في الأخير بالعودة إلى جمهورية السلطة المطلقة التي أعادت في الأخير مقاليد الحكم إلى الملك شارل، ولم يفز الشعب بأيّ شيء، لكن انتصرت الطبقة البرجوازية التي حصلت على أن يبقى اختيار أعضاء البرلمان حرًا دون أن يتدخّل الملك في شؤونه.
أمّا الثورة الأمريكية التي أعلنت تبنّيها حقوق الإنسان، فهي لازالت لا تنظر لحدّ الساعة إلّا لحقوق الإنسان الأمريكي الأصل، فالتاريخ سجّل كيف أبيد الهنود الحمر، وأن ظاهرة استعباد الأفارقة بقيت تلاحق الزنوج أكثر من قرنين، بالإضافة إلى جرائم معاملة الأمريكي للجنس الأصفر.
بخصوص انحرافات الثورة الفرنسية، حدّث ولا حرج، فبمجرّد إعدام الملك في جانفي 1793، سيق الآلاف من الفرنسيين إلى المقصلة بتهمة معاداة الثور، وانقسم الثوار إلى قسمين : (الجيروند) الذين قادهم بريسو وبيزو وفرنيو ورولان، و(اليعاقبة) بزعامة روبسبيير ومارا ودانتون. ودخل الطرفان في اقتتال دموي، وتمكّن اليعاقبة الذين وُصف عهدهم بالإرهاب من تعقّب الجيرونديين وإرسالهم إلى المقصلة، ومن مشاهد عنف الثورة الفرنسية أنّ مصاص الدماء روبسبيير الذي حكم على الدموي دانتون بالمقصلة، إنتهى به الأمر إلى نفس المصير.
مصائب قوم
يحلو للكثير ممّن تشابهت عليهم الأشياء أن يختفوا وراء التدخّل الأجنبي في هذه الثورات حتى يُنقصوا من قيمتها وينالوا من مصداقيتها، وأرفض الخوض في التاريخ لأجلب لهم أمثلة عن مدى تدخل الدول في كلّ ثورة، لكنّي أريد الحفر قليلاً في ذاكرتهم حتى يسترجعوا بعض الحقائق التاريخية التي تؤكّد أنّ الولايات المتحدة نفسها عرفت ثورتها تدخلاً أجنبيًا، ولا أقصد هنا ثورتها التحريرية فقط، لكن أرمي أيضًا إلى الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) التي اندلعت بين الشمال والجنوب والتي تدخلت فيها كلّ من فرنسا وبريطانيا بشكل سرّي وعلني.
هل ينبغي علينا أن نقبر الثورات العربية لأنّ دولاً أجنبية تدخّلت في مسارها؟ إجابتي ليست لها أيّ قيمة لأنّ الثورة طوفانًا جارفًا لا يعيق طريقه أي حجر أو صخر، وهي صمّاء لا تستمع إلى أيّ إملاءات ولا تصغي آذانها حتى إلى تلك النصائح التي تقدّم لها لتفادي الوقوع في فخ السقوط في نفس المتاهات التي وقعت فيها دول أوربا الشرقية بقبولها مساعدات الدول الغربية التي احتوت كلّ حركات التغيير في تلك الفترة، لتجد دول أوربا الشرقية بعد تحرّرها من قبضة الكرملين في وضع أسوأ ممّا كانت عليه في عهد الحزب الواحد، وأمست تترحّم على النظام الشيوعي.
هذه هي الثورة، وهذا هو مسارها، نيران ودخان ورجال من كل جهة، ومن شدّة ضبابية المواقف يستحيل عليك أن تفرّق بين من يشعل النار وبين من يقذف بنفسه داخلها لإخمادها، لكن هذه الضبابية التي تحجب الوضوح عن الأعين يستحيل أن تحجب الحقائق عن العقل، فنحن العرب الذي تربينا على المثل القائل (مصائب قوم عند قوم فوائد) لا يغيب عن إدراكنا أن الدول الغربية التي أمست تتنافس فيما بينها على مساعدة الثورات العربية، هي نفسها من كان يساند ومازال يساند نظام الحكم الفردي المستبد، والكلّ يتذكر كيف أن أمريكا فعلت المستحيل لمساعدة حسني مبارك على البقاء في الحكم، وكيف أنها كانت تصف زين العابدين بن علي بأنه نموذجًا للديمقراطية الحقة في الوطن العربي. أمّا شجاعة فرنسا واستبسالها في ليبيا، فحتى الفرنسيين لم يستطيعوا لحدّ الآن نسيان مهازل وعار دبلوماسيتهم مع الثورة التونسية.
تدخلات الغرب في الثورات العربية مفضوحة ولا يحتاج كشف مصالحها إلى أي تأكيد، فالغرب الذي استغلّ الإسلاميين بالأمس لقضاء حاجاته يعيد علينا نفس الخطاب، وهذا بعدما أبدى كلّ استعداده للتعامل والتعاون معهم عندما وجه إليهم عدّة رسائل مفادها أنّ الثورات العربية لا يمكن الخوف منها طالما أنّها تحمل في طياتها نفس القيم الغربية، وأنه لا يخشى مستقبلاً من أيّ تصادم حضاري بين الإسلاميين والغرب، وهذه أكبر أكذوبة، لأنّ الغرب الذي انتهك نفسه هذه القيم، لا يُبالي بمن يصل إلى السلطة، ولا يهمّه أي طريق سينتهج، فالغرب مستعدّ أن يتحالف مع الشيطان شريطة أن يضمن له هذا الشيطان مصالحه.
في الدول العربية التي اندلعت فيها الثورات، كانت الدول الغربية بالأمس الأشدّ محاربة للإسلاميين، وهي اليوم من يدعو بقوّة إلى السماح لهؤلاء الإسلاميين بالعودة إلى الساحة السياسية، وهذا ليس حبًا في الإسلاميين، لكن رغبة منها في فتح مستقبل هذه الدول أمام كلّ الاحتمالات، فهي تعلم أنّ مساحة المناورة تضعف كلّما استتبّ الأمن والاستقرار، ومتأكّدة أن إفساح المجال أمام تيارات راديكالية معناه خلق أكبر الفرص للتصادم بين هذه التيارات المتطرّفة، الأمر الذي يسمح لها بالتدخّل تحت أي غطاء تشاء. كما لا يخفى على كل متتبّع لما يجري في هذه الثورات، كيف تعمل الدول الغربية على زرع في كلّ طرف عربي الرعب من الأطراف الأخرى حتى تكسبهم إلى صفها كحليف وتضع الجميع تحت إبطها، فهي تخيف الجيش بالشعب، وتخيف الشعب بالإرهاب، وتخيف الليبراليين بالإسلاميين، وتخيف الإسلاميين باللائكيين، لتكون في الأخير الضامن للجميع، وتخلق بذلك مساحات شديدة الاضطراب تهبّ عليها تيارات الرعب من كل جهة بعدما تنزع من أيدي الجميع كلّ المجادف.
مصالح الدول الغربية من الثورات العربية لا تحتاج إلى أي توضيح، فبعدما أكّدت الثورة التونسية للعالم أن الشعوب ليست بحاجة إلى أي مساعدة خارجية لكي تلتهب وتغيّر النظام، أسرعت الدول الغربية لتصحيح أخطائها في تونس، وعملت على تدارك نفسها مع الثورة المصرية، فبعدما عملت كلّ ما بوسعها لدعم حسني مبارك تخلّت عنه لدرجة أن بني إسرائيل اتّهموا الغرب بالخيانة، وهرولت أوربا وأمريكا إلى الكعكة الكبيرة ليبيا لالتهام ثورتها، ليس لتوجيهها أو مساندتها، فهذا لا يهمّ، لأن المفيد هو تحطيم كل ما بناه معمر القذافي وتحويل ليبيا إلى خراب كبير يسمح لشركاتها المهدّدة بالإفلاس والغلق إلى بعث الروح فيها بإعادة بناء كلّ الدمار، فالغرب لم يكن عسيرًا عليه هدم باب العزيزية على آخره لطرد العقيد معمر القذافي منه، لأنّه كان بحاجة إلى حكومة ليبية شرعية تمضي معه العقود والمواثيق، وفضّل أن يبقى تهديد القذافي من بعيد حتى يمهّد الطريق لشركاته بعدما تعهد وزراء مالية مجموعة الثماني بتقديم الملايير من الدولارات للدول العربية التي شهدت ثورات، ويكون هذا الدعم على شكل قروض لإعادة بناء مخلفات الحرب، وإذا كانت بريطانيا هي من سيبني مستقبلا المستشفيات في ليبيا، فإن الليبيين لن ينسوا أبدًا أنّ قناصة القذافي استخدموا الأسلحة التي باعها رئيس الحكومة دافيد كاميرون للعقيد.
أمّا الثورة في اليمن والبحرين، فالغرب أعمى تجاهها، فاليمن دولة ضعيفة وفقيرة ويمكن لرئيسها ربح قليل من الوقت حتى ينظّم انتخابات رئاسية مقبلة ويخرج من الباب الواسع في انتظار تحضير خليفته، والبحرين قوّة شرائية للمنتجات الغربية وعامل استقرار في منطقة تدفع الكثير لشراء أمنها وأي هزة يمكنها إدخال المنطقة من باب المجهول. في حين يبقى الشعب السوري ضحية نظامه وضحية تقاعس بقية الدول العربية وترقب الغرب الذي يرفض التدخل بغية أن تتعفن الأوضاع في سوريا بشكل يدخل السوريين في حرب أهلية لا نهاية لها، حرب أهلية تقدم أكبر خدمة لبني إسرائيل، فالجيش العراقي أصبح في خبر كان، والجيش المصري ضعيف بسبب إفقار مصر وتشتيت قواته وتحويلها إلى قوات لمكافحة الإرهاب وحفظ الأمن، ولم يتبقّ في المنطقة إلاّ الجيش السوري، وبعدها تعود إسرائيل إلى حلمها القديم الرافع لشعار أنّ حدودها تقف عند آخر دبابة لها.
من أين تؤكل الكتف
مثلما تيقّن الغرب أنّ الديمقراطية هي أقلّ أنظمة الحكم سوءًا، متيقّن كلّ اليقين أن الديمقراطية كفر في فكر الإسلاميين، وقد عمل على فتح كل الأبواب أمام نفسه بعدم إغلاق أي باب أمام أي جهة، و أراد أن يُفهم العالم أيضًا أن الثورات العربية بتبنّيها الحضارة الغربية والقيم الديمقراطية حسّنت كثيرًا من صورة العربي في عيون العالم، وأنا أتساءل بدوري : هل الثورات العربية عاقر وعاجزة أن تلد لنا نظامًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا أرقى ممّا هو موجود؟
الذين يعتقدون أنّ العرب يعيشون عصرا منحطًا، أقول لهم أنّني أشاركهم الرأي، لكنّي ألفت نظرهم أنّ عدوّنا يمرّ أيضًا بفترات أصعب، فالولايات المتحدة الأمريكية تعيش عجزًا قاتلاً في ميزانيتها لا يسمح لها بالتهوّر بتحمّل أعباء جديدة، خاصة وأنها مشغولة بعدوّ أكبر لا يرحم إسمه الصين، وأوربا تريد أن تجعل من ثوراتنا مكسبًا للخروج من أزمتها المالية الخانقة وهي لم تصدّق الفرصة التي منحتها لها هذه الثورات بفتح لها أسواق جديدة لم تكن تحلم بها قبل أن يحرق البوعزيزي نفسه.
أمريكا تعيش بداية انحطاطها، وفقدت الكثير من ذلك البريق الذي تمتّعت به مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والملاحظ أن مواقفها بدأت تتقهقر سنة بعد أخرى، ونحن لم ننتبه إلى ذلك، وخير دليل على ذلك، أن أمريكا لم تستطع حماية الأنظمة العربية المطيعة التي كانت تخدمها خدمة عمياء، لكن رغم هذا استطاعت استغلال خبرتها السياسية التي نفتقدها نحن.
لستُ من المنبهرين بسياسة أمريكا الخارجية، فانتكاساتها في السنوات الأخيرة لا تخفى عن الأعمى والبصير، لكن لا يمكن لأيّ سياسي واقعي أن يخفي إعجابه بليونة هذه السياسة وشجاعتها في تبنّي مواقف تنقلها من النقيض إلى النقيض، فساعات فقط بعد إحيائها لأحداث 11 سبتمبر لتذرف دموع الحزن والحسرة على جثث بن لادن أعلنت عن استعداداها لفتح مكتب سياسي لطالبان، ونحن مازلنا في حيرة من أمرنا في مسألة التعامل مع هذه الثورات : هل نقف إلى جانبها أم ضدّها؟
من حقّ أيّ دولة أن تستثمر في أيّ دولة أخرى، لكن العيب ألا تستثمر في أي شيء، فنحن ولدنا وكبرنا وحفظنا المثل القائل (مصائب قوم عند قوم فوائد)، فلماذا نلوم الدول الأخرى التي تعرف جيّدًا من أين تؤكل الكتف؟
ثورات جاهلة
من مصائبنا نحن العرب، أننا جدّ أقوياء في البحث عن عيوبنا وإيجاد مبرّرات فشلنا، ففي الوقت الذي تتكالب فيها القوى الغربية على اقتسام غنائم الثورات في الدول العربية، إجتهدنا نحن لإفشال هذه الثورات في مهدها بعد اتهامها بأنها تفتقر إلى مرجعية فكرية تقوم عليها وتوجّهها وتأخذ بيدها، شأنها شأن الثورات الكبرى التي اعتمدت بالأخص على فكر التنوير القائم على العقل والمعرفة مثل أفكار مونتسكيو وفولتير وجون جاك روسو وجون لوك وتوماس هوبز وغيرهم.
رغم أن لا أحد ينكر على مثل هؤلاء المفكرين إسهاماتهم في بلورة فكر سياسي جديد لنظام حكم جديد، إلاّ أن هناك مآخذ كثيرة على هؤلاء المفكرين، أهمّها أنها كانت أفكار أثّرت في الطبقة الاقطاعية أكثر مما أثرت في الطبقة الشعبية مما نتج بعدها تزايد نفوذ البرجوازية في حين بقيت الطبقة الفقيرة غارقة في أوحال فقرها، فمحافظة الأثرياء والنبلاء على امتيازاتهم لم يغيّر من الأوضاع شيئا، فوسائل الإنتاج هي التي عرفت السرعة في التغيير، أمّا التعليم فقد بقي حكرًا على الأمراء والنبلاء والإقطاعيين، لهذا لم يتبنّ أفكار توماس هوبز وجون لوك، وجون جاك روسو، ومونتسكيو إلاّ النبلاء والاقطاعيين، لأن فرص فهم مبادئ هذه الأفكار كان مقتصرًا فقط على من يعرف القراءة على الأقلّ، لهذا كانت الثورات ثورات الطبقة البرجوازية.
مثل تلك الأفكار، لم ترفع أبدًا مصالح الطبقات الشعبية ولم تدافع أبدًا عنها، فهي كانت تطالب بضرورة بقاء الحكم بيد الطبقة الإقطاعية مما ساعد كثيرا على تزايد النفوذ الاقتصادي والاجتماعي للطبقة البرجوازية، ودليل بطلانها أنها أمست شبيهة بأفكار جمهورية أفلاطون التي تغنت بالقيم الإنسانية والحرية دون كسر أغلال العبودية، والعالم اليوم لا يعيش بأفكار هؤلاء الفلاسفة والمنظرين، لأنّ التحوّلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أعمق بكثير من أفكار هؤلاء الفلاسفة، فالمذاهب السياسية تطوّرت كثيرًا في بحثها عن نظام سياسي أكثر حرية، ونظام اقتصادي أكثر عدلاً، ونظام اجتماعي أكثر مساواة. كما أن الثورة الأمريكية لم تسجّل في تاريخها مفكّرين عظام، بل تأثرت فقط ببعض مفكري أوربا، ومع ذلك أنتجت لنا دستورا بقي حيا إلى يومنا هذا، دستور لم يظهر للوجود إلا بعد ثلاث سنوات من استقلالها، ويبقى توماس جيفرسون الذي شغل منصب ثالث رئيس للولايات المتحدة العقل المفكّر والمدبّر الذي شكّل الفكر السياسي الأمريكي في تلك الحقبة الزمنية.
المفاهيم السياسية موجودة لفهم ما يحدث في البلدان العربية، فكلّ دولة عربية تتغنّى بالديمقراطية، وهذا لا يمكن أن ينكره أحد، فكلّ شيء في الدول العربية يتم بالانتخابات وعبر صناديق الاقتراع، لكن هذا لم يمنع أبدًا من تواجد نظام شمولي مهيمن على كلّ مقاليد الحكم، وهذا النوع من الأنظمة يعيش حياة الفوضى وانعدام الاستقرار لوجود حالة من العداوة بين الشعب والسلطة، لأن الجميع يعيش في نظام ينعدم فيه النقاش وحرية الفكر، لأننا مازلنا نتخبط بين إشكالية السلطة داخل الدولة وإشكالية سلطة الدولة، رغم أنها مسألة تمّ تجاوزها فكريًا، إلاّ أن المصالح وللأسف هي التي مازالت تعمي الأبصار عن القراءة والفهم، ولسنا بحاجة لقراءة النظريات السياسية الغربية لنفهم أنّ الانتقال من سلطة إلى سلطة ممكن أن يحدث في حالة ما إذا ذابت المصالح وزالت الروح القبلية وتغلّبت المصلحة العليا على المصالح الخاصة، ويكفينا فقط الاطلاع على أفكار محمد عبده ورشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي ورفاعة الطهطاوي وعبد الحميد بن باديس وغيرهم من رواد النهضة العربية الذين أثروا إرثنا الفكري لنعلم أن عمر الاستبداد قصير وأنّ ظل السلطان سريع الزوال، إلاّ أنّ هناك من يحاول أن يسجننا في فكر معين، ويفرض علينا مسارًا خاصًا ينبغي عبور جسره لبلوغ أهدافا خاصة، و أن يجعل من الثورات العربية صورة طبق الأصل لباقي الثورات أو صورة مصغّرة لها على الأقل حتى تضمن أقل وأبسط نتائجها، وفي هذا حكم مسبق على أن الثورات العربية عاجزة عن الذهاب أبعد مما حققته الثورات التي سبقتها.
لقد غاب عن هؤلاء (الفلاسفة الجدد) الذين رموا الثورات العربية بالجهل، أنه حين تتقابل إرادة الفساد مدجّجة بالأسلحة والدبابات مع إرادة التغيير المسلّحة بأفكار الثورة، يستحيل على القنابل المسيلة للدموع خنق أفكار التغيير، أو أن تجعل الدموع تجري من أعين جفّت من شدّة ذرف دموع القهر والخوف والظلم، بعدما لم يبق لها ما تسكبه سوى دماء تقدّمها قربانًا لأفكار لا يؤمن بها النظام ويكفر بها كفر فرعون لموسى. هؤلاء (الفلاسفة الجدد) الذين يُطلقون على أنفسهم تسمية (محللين سياسيين)، لا يختلف شأنهم عن شأن المشاهد لفيلم حربي الذي رغم كلّ القتل والدمار الذي يقدّمه الفيلم له، إلا أنّه عوض التركيز في ملاحظاته على الجثث المتناثرة والأشلاء المبعثرة، فإنه لا يعجبه من الفيلم إلاّ نهايته التي تُختم بتقبيل الجندي لحبيبته في مشهد رومانسي جميل وشاعري، وهم من خلال مثل هذه النظرة، يأملون أن تنتهي الثورة بتقبيل الثائر للديمقراطية في عناق دستوري عادل، وهذا خاطىء، لأنّ الثورة يمكن أن تنتج لنا أفلامًا، لكن الفيلم يستحيل أن يصنع لنا ثورة.
الغرب يقزّم ثوراتنا ويستغلها ليستثمر فيها كما يحلو له، ونحن نفتح كشف حساب للثورة و نريد أن نعرف ثمنها، وكأنّها بضاعة نتاجر بسعرها، ويغيب عنّا أن هذه التجارة ثمنها أرواحا ودماء، الغرب يفكر ويدبر ويبادر، ونحن مثل حمار بوريدان بقينا نفكر فيما ينبغي عمله. فمتى نستثمر نحن في هذه الثورات لنمنح قيمة لأعمالنا، فاستصغارنا لها هو إنقاصًا لقيمتنا؟ إلى متى نظلّ نخشى نحن العرب من احتواء هذه الثورات؟ لماذا نريد البقاء بعيدًا عنها؟ لماذا لا نقترب منها ونحالفها ونأخذ بيدها؟ لماذا نريد أن تبقى حياتنا على هامش المستقبل بعدما بقينا لقرون نعيش على هامش التاريخ؟
سياسة جحا
تروي الحكاية الشعبية، أنّه عندما شَبّ حريق في القرية، أسرع الأهالي إلى جحا لمساعدتهم في إخماد الحريق، فأجابهم جحا : quot;تَخْطي داريquot;، وعندما امتدّت ألسنة النيران إلى داره، هرع إليه الناس حتى يمدّهم بيد العون لإنقاذ داره، فلم يجد جحا إلاّ أن قال لهم : quot;تخطي رأسيquot;، وهذا هو حال سياساتنا العربية، فنحن دائمًا نعلن عن حضورنا بتسجيل غيابنا، فلسنا لا فاعلين ولا فعّالين، لا نؤثّر ولا حتى نتأثّر، فمواقفنا الثابتة هي ثبات حيادنا من كلّ شيء.
هذه الحالة ليست مرتبطة بدولة عربية دون أخرى، فنحن شركاء في سياسة البؤس وبؤس السياسيين، فكيف للجزائر مثلا وهي قبلة الثوار أن تبقى بعيدة عن كلّ الثورات؟ كيف لأحفاد الأمير عبد القادر وبوعمامة والمقراني والشيخ أمود ولالة فاطمة نسومر أن يتنصّلوا من ماضيهم الجهادي بإغلاقهم الأبواب أمام كل الثورات العربية؟ كيف لأبناء هواري بومدين الذي فتح ذراعيه وأراضيه وخزائنه لكلّ الحركات التحرّرية في إفريقيا والدول المقهورة أن يُديروا ظهورهم وكأنّ ما يجري بين ظهرانيهم لا يهمّهم من بعيد أو قريب؟ كيف نبقى على الحياد والإسلام الذي جعلنا إخوة في الدين والعقيدة أمرنا أن ننصر إخواننا ظالمين أو مظلومين؟ كيف نبقى على الحياد والسياسة علّمتنا أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان؟ كيف نبقى على الحياد والفلسفة درّستنا أنّ الغاية تبرّر الوسيلة؟ كيف نبقى على الحياد والتراث الشعبي لقنّنا أن بقية الثيران تؤكل مباشرة بعد أكل الثور الأبيض؟ كيف نبقى على الحياد والحكمة تنصحنا بأن نحذر من لا يُرجى خيره ولا يؤمن شره؟ كيف نبقى على الحياد والشعر أوصانا بأنّه من لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم؟ كيف نبقى على الحياد والحديث الشريف أنبأنا أنه لا ينفع الحذر من القدر؟
إذا قيل سابقًا بأنّ الإفراط في التواضع يجلب المذلّة، فماذا ننتظر أن يجلب لنا الحياد؟ لكن للأسف، كل دولة عربية ترفع شعار كلّ عنزة ترعى بمرعاها، فهي ألفت عدم التحرّك دون إذن الراعي، وفضّلت بيع أشجار الزيتون وشراء معصرة بتنكّرها للثورات وقناعتها برضا الغرب عنها، ولم تفكّر في ربح الزبدة ودراهم الزبدة مثلما فعلت بعض الدول التي باعت السلاح للقذافي ووقفت إلى جانب الشعب الليبي، لقد بالغنا في حرصنا رغم علمنا أن الحريص ليس بزائد في رزقه، مع أن غيرنا يهبّون مع كل ريح ويسعون مع كل قوم، فهم يجولون ويصولون بيننا كالقصّاب الذي لا يهوله كثرة الغنم.
كل دول العالم تتدخل في شؤوننا الخاصة والعامة، ونحن عوض الانخراط في هذه الثورات نقيم لها أيام دراسية، لا ندرس فيها المناهج التي يُمكن من خلالها مساعدة هذه الثورات، لكن لفهمها فقط، قوافل الثورات تمرّ، ونحن نبقى نلهث وراء البحث عن أجوبة لا طائل منها، وسيضحك علينا التاريخ يومًا لأن تخلّفنا جعلنا نتخلّف عن الركب.
أنظمة محكوم عليها بالفناء
حالات التيه التي نعيشها ليست مقتصرة على أنظمتنا فحسب، فوسائلنا الإعلامية نسخة طبق الأصل لسياستنا الداخلية والخارجية، فنحن عشنا عهد الانتكاسات العربية والتشرذم في اتّخاذ قرار عربي موحّد أثناء القمم العربية نحلم باليوم الذي تثور فيه الشعوب العربية ضدّ أنظمتها التي باعت ضمائرها وساومت قضاياها من أجل البقاء في سدّة الحكم، وعندما استطاعت هذه الشعوب القيام بأوّل خطوة نحو هذا التغيير، لم نعثر على تلك الأقلام التي تلهب جذوة الأمل من أجل توجيه تيارات هذا التغيير، وتركت مساحات الفكر فارغة لتستغلها أقلام تائهة في تحديد طبيعة أصل هذا التغيير، أقلام عوض التركيز على توجيه هذه الثورات، وإثرائها ومدّها بسلاح الفكر، أصبحت تتحدّث عن هذه الثورات وكأنها سوقا كبيرة يباع فيها كل شيء، ويشترى فيها أي شيء.
وضعنا في الجزائر لم يختلف كثيرا عن بقية الدول العربية، فإعلامنا بقي حائرًا أمام الثورات، فهو تارة مع المتظاهرين وتارة أخرى مع شرطة النظام التي تحفظ أمن الأشخاص وتدافع عن الممتلكات، وهذا مردّه وجود خلل كبير في نقص المعلومات وخلل في انتشارها، وهذا ليس عيبًا في الصحفي أو تقصيرًا منه، لأن الخلل ليس في الصحفي إنّما في الجهة التي من المفروض عليها نشر المعلومة، فلا وزارة الخارجية قامت بدورها، ولا الوزارة الأولى الممثلة للجهاز التنفيذي أعلمتنا بموقف واضح، فالكلّ صامت والكلّ يتحرك في خفت.
وزارتنا للخارجية وللأسف الشديد، مستواها لم يرق إلى مستوى ما بعد حدود الردّ على المقالات الصحفية، واختصرت مهامها في إرسال بيانات صحفية لتكذيب مقالات الجرائد، وهي بهذا وقعت في فخ كبير، حيث نجد أنّ هناك من أراد أن يخنق مجال تحرّكها ويحصر دورها في موقف دفاعي بحت، ولم يمنح لها حتى فرصة التفكير في القيام بأيّ دور، فنسبة الاتهامات التي كانت تتلقاها الجزائر كانت تفرض عليها بشكل أو بآخر الالتزام بدور وكأنه حدّده لها أطرافًا معيّنة، ومثل هذا الحصار جعل وزارتنا تفكّر ألف ألف مرّة قبل القيام بأي دور، لتكتفي في الأخير بردود أفعال.
نحن لم نتشجع لا بالوقوف صراحة مع العقيد معمر القذافي ولا مع معارضيه، ومثل هذه المواقف ستحتمّ على الجزائر البقاء مستقبلاً على الحياد التام، و تقزيم مستقبلها في المغرب العربي، إذ لا يعقل وهي قوة إقليمية كبرى في المغرب العربي أن تبقى مكتوفة الأيدي والمنطقة تعيش كلّ هذه التغيرات، فدول العالم أخشى ما تخشاه اتحاد الثورات، فما يجمع شعوب المنطقة أكبر مما فرقته الأنظمة.
لا أحد منّا من حقّه أن ينقص من قيمة أيّ فعل يقوم به أيّ شعب من أجل تصحيح وضعه وضمان مستقبله بنظام ديمقراطي عادل، وإذا كانت الشعوب العربية وللأسف الشديد افتقرت إلى مفكرين وسياسيين وقياديين للأخذ بهذه الثورات، فإنه لا غرابة أن تتدخل الدول التي تربطها مصالح بالدول العربية، فالجامعة العربية لا أحد يلومها على عدم تحركها لأنها وُلدت أصلاً جثة هامدة، والأنظمة العربية القائمة لا تتحرّك لأن وجودها مرتبط بخدمة شروط بقاءها في السلطة، كما أنها أنظمة ليست متعوّدة على مجابهة مثل هذا الحجم من الغليان، وتربّت فقط على درجة من الخبرة لا تتجاوز تكميم الأفواه وخنق الأصوات وقطع الألسنة وقمع المظاهرات، لكن لم يُخامرها الشك أبدًا أن يأتي فيه اليوم الذي يثور فيه الشعب على نظامه بهذا الحجم، فهي دجّنت المعارضة واشترت عقول المفكرين وصنعت مثقفين عند الطلب، وأوجدت وسائل إعلام وظيفتها الوحيدة مدحها والاستبسال في الدفاع عنها.
لستُ من الذين يستلذون طعم اتهام الأنظمة العربية بالخيانة والعمالة، لكن في هذه الظروف الصعبة العسيرة أشفق عليها حقًا، لأنّها لم تتعلم طيلة هذه السنوات كيف تطوّر نفسها، لهذا فهي أنظمة محكوم عليها بالفناء عاجلاً أم آجلاً، فالأنظمة التي تظنّ نفسها أنّها بمنآى عن مثل هذه التغيّرات، هي أشدّ الأنظمة غباءًا وجهلاً، لأنّ الذي لايتغيّر لا ينمو ولا يتطوّر.
على الأنظمة العربية إن كانت حقا تريد الخير لشعوبها إمّا مواكبة حركات التغيير في المنطقة ورعايتها لأنّها مسؤولة بشكل مباشر على الانحطاط والقهر الذي أصاب شعوبها، وعليها أن تثبت أنّها تملك من روح المسؤولية ومن رجاحة العقل ما يؤهلها للانتقال من النظام الحالي إلى عهد جديد يُحدث طفرة نوعية في حياة الشعب، وإصلاح ذات البين بينها وبين شعوبها.
إعلام بائس
شعلة الثورات التي قصدت إحراق حلكة الأنظمة العربية المستبدّة لم تستطع تحقيق إضاءة جديدة في الإعلام العربي الذي بقي إمّا مواليًا لأنظمته أو سابحًا مع تيار من يغدق عليه بالمساحات الإشهارية، فهناك من الوسائل الإعلامية من أسرعت لتأييد هذه الثورات لكن حماسها لم يكن يختلف كثيرًا عن حماس أنصار مُشجّعي أيّ فريق لكرة القدم، وهناك من عادت هذه الثورات في مهدها واعتبرتها مؤامرة صهيونية امبريالية، وهناك من أيّدت ثورة وتصدّت لأخرى، وهناك من تحدّثت بإسهاب عن ثورة وتجاهلت جارتها، وهناك من بقيت حائرة لا تعلم ما تكتب أو تقول، فهي في اليوم تتحالف مع الثورة وفي الغد تُعاديها.
وسائل الإعلام الجزائرية لم تشد عن هذه القاعدة، فهي مع بداية الثورة التونسية كانت مواقفها جدّ واضحة، لكن مع بلوغ الثورات ذروتها واشتعالها في مصر ثم ليبيا بدأت مواقف إعلامنا في التذبذب، لا تدري إلى أي وجهة تسير، وهذا التذبذب نابع في حقيقة الأمر من عمق تذبذب سياستنا الخارجية التي طغى عليها الغموض، وأصبحنا لا نعلم نحن كجزائريين ما هي مواقف حكومتنا تجاه هذه الثورات وبالأخصّ موقفها من الثورة الليبية.
من حقّ أيّ دولة أن تلفّ مواقفها بالغموض والإبهام لتضليل خصومها، لكن سياسة الغموض والإبهام ينبغي أن يغرق فيها الخصوم لا أن تغرق هي فيها، كما أن سياسية الغموض والإبهام يستحيل أن تنجح دون مساعدة قوية من وسائل إعلام قوية، لكن صحافتنا تحوّلت مع هذا الغموض إلى مجرّد وسيلة لنشر بيانات وزارة الخارجية وتأييدها، ممّا جعل الجزائري المتلقّي لمثل هذه الرسائل الإعلامية في حيرة من أمر وزارته للخارجية التي كان ينتظر منها أن تتحرّك على الأقل من خلال موقف شجاع وسيّد سواء مع هذه الثورات أو حتى ضدّها، وينتظر من صحافته أن تشجع وتصحّح وتوجّه وتساند سياسته الخارجية، طالما أنه فيه تناسق في الاتجاه، وطالما أن سياستنا الخارجية وسياستنا الاعلامية تعملان معًا لخدمة الصالح العام، لكن أبسط مواطن جزائري لم يكن يفهم ذلك السبب الكامن في ذلك الحياد التام للدولة الجزائرية، ولم يكن ليفقه سبب ذلك الانحراف الكبير لإعلامنا الذي تحوّل بين وعشية وضحاها من مؤيّد للثورات إلى جاحد لها، مع أنّ الكلّ يعلم أنّ السياسة لا تقوم على مبدأ (العمل لوجه الله) وأنّ لكلّ شيء ثمنه، فالكل يطهو طبخته ونبقى نحن نتفرّج على الدخان المتصاعد من الموقع، وعوض مَدّ يدنا إلى عمق ما في القدر لأخذ نصيبنا، نمدّ يدنا لمسح أعيننا من رماد النار التي تلفح وجوهنا.
حالة الحيرة بلغت أشدّها بالصحافة الجزائرية من خلال الأسئلة التي أصبح يطرحها الصحفيون بخصوص هذه الثورات عندما احتدم وطيسها، فعندما جاء الحين حارت العين، وعوض أن يقوم الصحفيون بتحويل هذه الأسئلة إلى دعوات لدبلوماسيتنا حتى تتحرّك وتصبح رقمًا مُهمًا في معادلة التغيير، إكتفت فقط بالبحث عن أجوبة لتفهم ما يحدث، مع أن الشعوب العربية أصبحت اليوم لا تريد أن تكتفي فقط بفهم ما يحدث، لكنها تريد أن تصنع ما يحدث، لأن فهم ما يحدث لا يفيدنا في أي شيء طالما أن قرار صنع الأحداث يملكه غيرنا ويتحكّم في توجيه دفته.
متاهات كثيرة ضاعت في سراديبها الصحافة العربية في بحثها عن حقائق هذه الثورات، ففي بداية انطلاقتها لم تجد وسائل الإعلام العربية مناصًا من التركيز على فتح مساحات شاسعة لرجال السياسة العرب ليشرحوا لنا ما يحدث في الوطن العربي، فكانت مداخلات هؤلاء السياسيين شبيهة بالأعرج الذي يحاول تحليل كيفية الفوز بسباقات السرعة، لأنهم في حقيقة الأمر جزء من الأزمة وساهموا بشكل كبير في خلق دوافع الثورة، لأن الثورات في العالم العربي ما كان لها لتنطلق من واقع افتراضي لو وجدت على أرض الواقع أحزابًا قوية تتبنّى مواقف الشارع ووجدت في رجال السياسة مَدافع لقذف حصون الظلم والطغيان.
أمّا الفضائيات العربية التي قيل بشأنها الكثير الكثير، فأغلبها تناول الثورات وكأنّها مسلسلاً شيّقًا على حلقات يومية، لكن الأمَرّ، أن هذه الفضائيات ركّزت على ما يحدث في الشوارع من احتجاجات وعمليات مطاردة بين المتظاهرين ورجال الشرطة والعسكر واهتمّت أكثر بتغيير الأنظمة السياسية وغاب عنها التغيير الأهمّ الذي غاب عن كل هذه الثورات، فلأول مرّة اختفت العديد من المفاهيم والشعارات في المظاهرات ومطالب التغيير التي ينشدها المواطن العربي، فنحن لم نسمع في أي ثورة مطالب تنادي بالوحدة العربية، أو تحرير فلسطين، والأدهى، أننا شاهدنا انتقال الثورة من بلد عربي إلى آخر، لكننا لم نشاهد مساعدة أي ثورة لأخرى، فلا الثورة التونسية ساعدت الثوار في مصر، ولا الثوار في مصر ساعدوا الليبيين، وكأنّ هناك من أراد أن تنتقل شرارة الثورة من بلد إلى آخر دون أن تنتقل معها أي مساعدة، وهذا يكرّس فكر الدولة القطرية ويزيد من الشرخ الحاصل في الأمة العربية، وينذر أن الثورات في الدول العربية ستذبح حلم الوحدة العربية إلى الأبد طالما أن نقطة التشابه الوحيدة التي تجمعها هي الرغبة في تغيير النظام الفاسد فقط.
التباين الشديد بين الأنظمة العربية انعكس على الكثير من الفضائيات، فمثلما لا نملك فكر عربي موحّد وسياسية عربية واحدة فإننا نملك أيضًا إعلام عربي مختلف المشارب لا يجتمع على أيّ هدف واحد، وكان صدى لتوجّهات الأنظمة العربية المتضاربة، فالإعلام العربي خانته الشجاعة ليوضّح لنا لماذا كان يشجّع الثورة في دولة ويغضّ الطرف عن ثورة أخرى، ولم يُعلمنا متى تكون الثورة هدية في دولة وبلية في أخرى، ولم يخبرنا عن المرجعية التي تبناها عندما تعتبر الثورة حلالا في دولة وحراما في دولة أخرى، وعجز عن توضيح الأسباب التي دفعته لتشجيع قيام ثورة في دولة عربية لإحداث التغيير واعتبار قيام ثورة في دولة أخرى مؤامرة، فكيف يستطيع الإعلام العربي بناء رأي عام عربي مع كل هذا التذبذب في آراء وسائل الإعلام العربية؟
الإعلام العربي وبعدما استهلك كل رجال السياسة ومتقاعدي الجيوش، تفطّن في الأخير إلى أن أهَمّ من يُمْكنه مساعدتنا على فهم ما يحدث في وطننا العربي هو الباحث الجامعي وليس السياسي، لأنّ الباحث الجامعي هو الأكثر موضوعية والأكثر تحرّرًا من أيّ قيد سياسي أو مالي، فقدّم لنا باحثين في علوم السياسة والاجتماع وفي علم الاجتماع السياسي باعتبار أن مثل هؤلاء هم الأقدر على تقديم المعرفة العلمية للظواهر السياسية، وتوضيح لنا العلاقة بين السياسة والواقع الاجتماعي الذي يعتبر الحاوي للأحداث السياسية وتفسير مدى تأثير البنية الاجتماعية على الأحداث السياسية والعكس، ولا أنكر أن العديد من الباحثين وُفقوا مشكورين إلى حدّ بعيد في تحليلهم لهذه الثورات، في حين وقع البعض منهم في خطأ جسيم حين أرادوا تحليل ثورات عصرية بأدوات بحث كلاسيكية.
إمّا أن نثور.. وإمّا أن نثور
الشباب العربي، ولتيقنه أن أنظمته التي كانت تعيش في برجها العاجي انتقلت للعيش في عالم افتراضي حتى تعمّق من مساحة بعدها عن مواطنيها، إختار عالم الفايس بوك حتى يحاربها، فمثلما لايفلح الحديد إلاّ بالحديد، فإن الجمهوريات الافتراضية لا تحارَب إلاّ بالأسلحة الافتراضية، واستطاع بفضل قوة عزيمته على التغيير، أن ينقل هذه الثورة من عالمها الافتراضي إلى أرض الواقع ويفرضها على ساحات التحرير كحقيقة لا مفرّ منها، وعوض إضاعة الوقت في تفسيرها و
التعليقات