زيارة رئيس وزراء تركيا quot;رجب طيب أردوغانquot; لمصر، واستقباله كالأبطال الفاتحين ما كان ليتم لولا مواقفه القوية من إسرائيل من ناحية، ومن ناحية أخرى نجاحاته في وضع بلاده في مصاف الدول المتقدمة بعد أن كانت على شفا الانهيار، فضلا عن حضوره على الساحتين الإقليمية والدولية ، وهو حضور يثير العجب والإعجاب في وقت معا ، العجب في أن يتخذ هذا الزعيم مواقف مؤيدة للحقوق العربية أكثر قوة من مواقف أصحاب القضية، والإعجاب في تحديه لإسرائيل وإصراره على كسر الحصار عن غزة بالإعلان عن إرسال سفن حربية مرافقة لسفن المساعدات الإنسانية، وهو ما يطرح مقارنات كثيرة بين تركيا ومصر، ويثير تساؤلات عما إذا كان من الممكن تطبيق التجربة التركية في مصر وهي تحاول أن تتلمس طريقها نحو التحول الديمقراطي.
يمكن الاستفادة من التجربة التركية وغيرها من التجارب الناجحة في العالم الإسلامي في الحالة المصرية الراهنة، مع مراعاة أن النظام العلماني في تركيا هو الذي دفع حزب quot;الرفاه ثم العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، وهو أمر يختلف عن تجربة الإخوان المسلمين في مصر، فالأخيرة كانت حركة تبدو معارضة في الظاهر، وتبحث عن تحالفات مع النظام الحاكم في الباطن، وقادة الإخوان لم يشاركوا في الحكم وان نجح كثير من أعضائها في دخول برلمان ألفين وخمسة متحالفين مع الوفد، وهو التحالف الذي يعيد نفسه الآن في مرحلة بالغة الدقة من تاريخ مصر، فالجماعة ترى أنها فرصة تاريخية تريد استغلالها حتى تصبح طرفا وشريكا رئيسيا في العملية السياسة بعد طول غياب.
تكمن مشكلة الإخوان المسلمين في مسألة التداخل بين ما هو سياسي ودعوي، وهي سمة ظلت لصيقة بالحركة منذ نشأتها عام ألف وتسعمائة وثمانية وعشرين وحتى الآن وساهمت في إبعادها عن المساهمة بفاعلية في العملية السياسية بصورة تتفق مع وزنها وحجمها الكبير، وهذا على عكس التجربة الإسلامية في تركيا التي لعب فيها الراحل quot;نجم الدين أربكانquot; رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حزب الرفاه دوراً كبيراً في نسجها، فقد كان وزيراً داخل حكومة علمانية، أي أنه كان إسلامياً من داخل النظام، ثم تمرد عليه وشكل حزب الرفاه الذي لم يعرف بدوره التداخل الذي عرفته جماعة الإخوان بين الإسلامي والدعوي
ترى جماعة الإخوان أن التصويت في الانتخابات لا يكون فقط من أجل اختيار المرشح الأفضل، وإنما من أجل دخول الجنة ، كما حدث في استفتاء الإعلان الدستوري في مارس الماضي، لكن تلك المعادلة لم تكن بنفس الصورة في تركيا. صحيح أن تجربة حزب الرفاه ضمت كثيراً من المتدينين الأتراك، إلا أنها صهرتهم منذ البداية في تنظيم حزبي حديث لم يدع منذ قيامه أنه حركة وعظية تستهدف دعوة الناس إلى الالتزام بتعاليم الإسلام بقدر ما كان يستهدف الوصول إلى السلطة عبر وسائل ديمقراطية.
في كتاب quot;إسلاميون وديمقراطيونquot; الصادر عن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في الأهرام عام ألفين وأربعة يخلص الباحثون إلى أنه لا يمكن تصور بناء مشروع ديمقراطي حقيقي في مصر دون امتلاك رؤية إدماجية لحركات الإسلام السياسي السلمي، وأن إصلاح الإخوان المسلمين لن يتم دون إصلاح النظام السياسي في مصر، ولن يكتمل بناء الديمقراطية بدون إدماج الإخوان في عملية التحول الديمقراطي.
واعتقد أن الدستور التركي ساعد طرفي المعادلة أي المؤسسة العسكرية والتيارات العلمانية من جهة والتنظيمات الإسلامية من جهة أخرى على الوصول إلى نوع من التوافق، وهذا التوافق أدى إلى وصول الإسلاميين للحكم والبداية حزب الرفاه برئاسة quot;نجم الدين اربكانquot; ثم حزب العدالة والتنمية بزعامة quot;رجب طيب اردوغانquot;.
إذن الدستور والقانون الذي يحكم العملية السياسية في تركيا هو الذي أدى إلى التحول الديمقراطي واستيعاب الإسلاميين في دولة مؤسسات، وفي مصر لن تستقيم الأمور ما لم يتم بناء دولة القانون ، ووضع دستور يمثل كافة التيارات والقوى السياسية والشعبية قبل البدء في بناء الدولة ، وتعزيز المشاركة السياسية، وإبعاد الجيش عن السياسة مع التقدير الكامل لدورة في حماية الثورة، وإعطاء الفرصة للأحزاب الجديدة كي تتفاعل مع الشارع، وإعلاء مصلحة الوطن على ما عداها من مصالح، والابتعاد عما يحدث الآن من تشتت بين الأحزاب والقوى السياسية، ومحاولة لجني المكاسب قبل الأوان، ولو على حساب مصلحة مصر، إن توحيد الصف وبناء تحالف سياسي يضم كافة الأطياف والاتفاق على اجتياز هذه المرحلة هو الاختبار الحقيقي لهذه القوى في انجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير .
إعلامي مصري
- آخر تحديث :
التعليقات