إحتفلت الولايات المتحدة منذ أيام قليلة بذكري مرور عشر سنوات علي حادث الإعتداء الغاشم الذي تعرضت له في مثل الأيام من عام 2001.. وإحتفل معها قلة من الحلفاء، إما بحكم الروابط والعلاقات أو من منطلق التزلف والرياء..

الملاحظة التى لا تخطؤها عين مراقب أن غالبية نظم الحكم الواعية المدركة لحقائق الأمور حول العالم، إما لم تتذكر المناسبة أو مرت عليها مرور الكرام.. أما العدد الأكبر من الذين وقفوا إلي جانبها في ذاك الحين ( عام 2001 ) ضد ما اتفقوا علي تسميته بالإرهاب العالمي، فآثر أن يلزم الصمت لأن ما أتفقوا علي تصنيفه في ذاك الحين تراجع كثيراً في ظل تزايد حالات الفوضي الذي تغلغلت أشكالها في الكثير من الأقاليم وعوامل التحلل التي لحقت بالعديد من نظم الحكم وسوء التقدير الذي توج معظم القرارات التى إتخذتها واشنطن..

الحادث الإجرمي الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية، مدان بكل المقاييس ومرفوض علي كافة المستويات.. الفعل الذي وقع علي أرضها، نعتبره ضد الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ومنافي في نفس الوقت للأخلاق والمثل العليا والقيم الإنسانية..

لكن ما نود أن نلفت له الانظار هنا أن ما وضعته الإدرات الأمريكية منذ عام 2001 وحتى اليوم من استراتيجيات لمحاربة الإرهاب العالمي لم يعمل بجدية علي التعرف علي أسبابه ولم يسعي إلي القضاء عليها.. كل ما خططت له ونفذته سار في مسارات إستخباراتية وأمنية أدت في تدمير شعوب وإحتلال أراضيها ونهب ثرواتها والقضاء بالموت علي الملايين من أبنائها ودفع أضعافهم إلي الهجرة خارج أوطانهم..

لم تكلف الولايات المتحدة نفسها مشقة البحث بعمق في أسباب العملية الارهابية التى نالت منها وأصابتها بلوثة quot; القوي العملاق quot; المُعتدي عليه من جانب قوة أو جماعة خارجية لأول مرة في تاريخها.. بل نزعت إلي الحل الأسهل، أعلنت حربها الطويلة علي تنظيم القاعدة بقيادة حليفها السابق أسامة بن لادن.. وحتى بعدما قبضت علي العديد من الكوادر التي تتعامل معه وعلي بعض من نُسبت اليهم تهمة التخطيط للعملية الإجرامية لم تتمكن من وقف التمددات الإرهابية في أكثر من مكان حول العالم والتى أصابت عدد من أصدقائها وبعض حلفائها..

وحتى بعدما تخلصت من بن لادن حليفها السابق وغريمها طوال عقد من الزمان بنهاية مأساوية اقرب إلي نهايات الأساطير الأغريقية، أضطرت إلي إستنفار قوات أمنها الداخلية لتوفير الحماية الكافية لمراسيم إحتفالاتها بمرور عشر سنوات علي الحادث.. ولم يَخل الأمر من رُعب أمني ألم بها حين أبلغ قائدي طائرتي ركاب أمريكيتين تخوفهما من مجموعة من الركاب علي متنهما بسبب قضائهم فترات طويلة بدورات المياه، لكن بعد التدقيق والتفتيش لم تعثر سلطات الأمن علي أي متفجرات كما لم تشتبه في أي من الركاب..

في نفس الوقت حدث رعب فضائي شمل أجهزة الأمن الأمريكية المختصة عندما تمكنت جماعة قرصنة تطلق علي نفسها quot; إسكريبت كيديز quot; من إختراق الجدار الأمني لفضـــــــائية N B C وأن تنشر خبراً مختلقاً عن quot; هجوم خارجي بالطائرات ستتعرض له مدينة نيويورك مما أشاع موجة ذعر مخيفة، لم تتوقف تداعياتها إلا بعد أن أكدت شبكة C N N الإخبارية عدم صحة هذا الخبر..

توالي مسلسل الفوضي والتحلل وسوء التقدير..
كانت البداية غزو افغانستان تحت شعار الثأر من تنظيم القاعدة الذى قام كوادره بالإعتداء الآثم علي الولايات المتحدة وبثت الرعب في نفوس شعبها.. فماذا جنت واشنطن من وراء هذا الغزو، سوي..

-ضحايا بالآلاف من أبنائها وأبناء الدول التى تحالفت معها لتنفيذ عملية الغزو
-ترسخ أوسع وأعمق لقواعد كودر تنظيمي القاعدة وطالبان القتالية، إلي الحد الذي منح قادة الثاني الفرصة المواتية للقيام بأربع تفجيرات ضد السفارة الأمريكية ومقر الناتو في العاصمة الأفغانية، بمناسبة الذكري العشرية للهجمات الإرهابية
-قيام نظام هش لا يَقدر علي العيش خاج نطاق دائرة العاصمة كابول الخضراء
-الرضوخ لمطلب التنسيق مع قادة طلبان لتقاسم السلطة في البلاد، إلي درجة السماح لهم بإقامة مكتب إتصال لهم في العاصمة القطرية
-تزايد مساحة زراعة الأفيون، رغم أن أحد أهداف الغزو التي أعلنتها واشنطن وهي تخطط لإحتلال البلد.. أنها تنوي القضاء علي هذه التجارة لما تسببه من غني لأمراء السلاح وإهدار لطاقات الشعب الأفغاني

وقبل كل تلك الخسائر السياسية التى أثرت بالسالب علي سياسات الولايات المتحدة وإستراتيجيتها علي مستوي العالم وبالذات في صراعها الدولي ضد الإرهاب، هناك مليارات الدولارات التى خسرتها ميزانية الولايات المتحدة الفيدرالية وليس هناك من سبيل لإستعاضتها إلا عن طريق مواصلة نهب ثروات البلدان التى تقع داخل دائرة هيمنتها..
تلي ذلك غزو العراق، وعندما نكرر نفس الإستفسار.. نجد ان ما أصاب سياسات واشنطن من خيبات وفشل لا يختلف كثيراً عما تُعاني منه في ضوء نتائج غزوها لافغانستان، حيث يلحظ المراقب بوضوح..

-حكومة عراقية غير مستقرة تعاني من نزاعات داخلية، ومن تعقد العلاقات مع الأطراف العراقية الأخري كالأكراد علي وجه التحديد
-توقف لكافة خطط التطوير وإعادة التنمية التى وعدت بها واشنطن وأعلنتها حكومة بغداد المنتخبة، لصالح الإبقاء علي العدد الأكبر من القوات الأمريكية فوق التراب العراقي لفترة أطول مما هو متفق عليه مع الإدارة الأمريكية
-إستنزاف طاقات الشعب العراقي، حيث لا زالت الإنفجارات تتوالي من حين لآخر حاصدة معها المئات من أوراح الأبرياء معلنة بصوت زاعق أن الأمن والإسقرار لزالا بعيدين عن هذا الوطن.

-إنتشار البؤر الجهادية علي امتداد الحدود الجغرافية للعراق مع كل من سوريا والأردن والسعودية ودول الخليج العربي
وبالرغم من ذلك يكابر كلا الطرفين واشنطن وحكومة بغداد أن ما جناه الشعب العراقي من جراء قيام القوات الامريكية بتخليصه من الحكم الديكتاتوري quot; كبير وعظيم وقابل للتوسع في المستقبل quot; حتى بعد خروج آخر جندي أمريكي من البلاد علي حد قول رئيس الوزراء العراقي في نهاية شهر يولية الماضي امام المجلس التشريعي للبلاد، بل وهناك من يدعي أن مكاسب الشعب العراقي في التطبيق الديموقراطي quot; قابلة للتطبيق في اكثر من قطر عربي quot;..

الأخطر من ذلك هو ما لاحظه المحللون السياسيون خلال ذاك العقد، من..
1 - إنتشار الخلايا النائمة والنشطة في أكثر من قطر عربي..
2 - وإنتشار معسكرات التدريب علي إمتداد الساحتين الإسلامية والعربية..
3 - وتزايد قوة كوادر القاعدة التى تمكنت من إقامة قواعد لها في جنوب الجزيرة العربية وفي الشمالي الأفريقي وفي جنوب الصحراء..
4 ndash; توالي التهديدات التى تثير القلاقل في بعض الدول الأوربية بشكل أصبح شبه روتيني..
5 ndash; اتساع السوق السوداء لبيع السلاح التى تغذي معسكرات الارهاب بكل ما تحتاجه من معدات عسكرية، وها هي مخازن السلاح الليبية تُفح علي مصراعيها أمام السرقة والإتجار بما يهدد بعدم الإستقرار في كثير من دول الجوار الليبي..

هذه الفوضي من المسئول عنها ؟؟
أولا وأخيرا سياسات الولايات المتحدة الأمريكية التي صرفت كل جهدها لمحاربة ظاهرة الإرهاب الدولي دون أن تكلف نفسها عناء العمل مع أطراف أخري للقضاء علي أسبابه الحقيقية..

ويأتي علي رأس هذه الأسباب.. موقفها من ملف الصراع العربي الإسرائيلي وفي القلب منه تواطئها مع القوة العنصرية التي تحتل الأرض الفلسطينية وجزء من الأراضي اللبنانية وكامل أراضي هضبة الجولان السورية.. تواطأ يبلغ حد التهديد بإستخدام الفيتو ضد الغالبية الدولية التى تريد أن تساعد الشعب الفلسطيني علي الخلاص من قيود أطول وأبشع احتلال عنصري عرفته البشرية.. تواطأ يَغض الطرف عن البناء الإستيطاني فوق الأراضي المحتلة بأموال التبرعات الأمريكية، ويصم آذانه عن ما يسببه ذلك من تزايد كراهية الشعوب العربية وبعض الشعوب الإسلامية لسياسات أمريكا..

في نفس الوقت يغمض عينه عما يترتب علي ذلك من اتساع دائرة الإرهاب العالمي الذي ساهمت واشنطن في تغذيته وتُصر علي مواصلة مسيرة الأخطاء القاتله التى تساهم في تعميق الإعتقاد بجدواه وتسهيل سبل إنتشاره..

ويلي ذلك مناصرتها لنظم الحكم الديكتاتورية العربية والإسلامية في العلن بتثبيت مرتكزات بقائها في الحكم أطول فترة ممكنة.. ومواصلة إمدادها بأسلحة الفتك التى تستخدمها ضد شعوبها.. وتساعدها علي طمس معالم الإصلاحات السياسية والإقتصادية، بينما تدعي أنها تقف ضد معاملاتها غير الإنسانية لشعوبها وتحضها بالكلام فقد علي ضرورة القيام بإصلاحات جوهرية خاصة في ميدان حقوق الإنسان..

ولعل العين الفاحصة لا تخطئ هذه الأيام مدي إختلاف معاملات واشنطن لثورات الربيع العربي التى تخلصت مع بعض رؤوس الحكم المستبدة دون معونة منها، وتلك التى تناضل منذ عدة أشهر لتحقيق هذا الهدف..

أما التحلل الذي لحق بسياسات واشنطن في المنطقة فتشير إليه العديد من التقارير الأوربية و الأمريكية، فمن قائل أن سمعتها طوال العقد الماضي بلغت مستوي من الحضيض لم تبلغه من قبل.. ومن مؤكد أن العواصم التى كانت تخشي غضبتها يتقلص عددها.. ومن مُبرهن علي تنفيذ عدد لا يستهان به من أصدقائها لسياسات ربما تضر بمصالحها ( أمريكا ) في القريب.. ومن متشائم من قيام عدد من التحالفات الأقليمية المتعارضة جملة وتفصيلاً مع إستراتيجياتها في الشرق الأوسط علي وجه التحديد..

كل ذلك في رأي يَنبع من سوء تقدير واشنطن لنتائج تعاملها الأمني مع ظاهرة الإرهاب التى نرفضها جميعاً وندينها من الألف إلي الياء، وتغافلها المتعمد للتعامل مع جذورها التى ترتبط في المقام الأول بصورتها وتحلفاتها المتعارضة مع مصالح وتطلعات الشعوب العربية في المنطقة الممتدة من تركيا شمالاً إلي باكستنان جنوباً، ومن العراق إلي المغرب وما يقع جنوبه من دول عند حافة السودان الجنوبي الممتد إلي القرن الافريقي..

bull;إستشاري اعلامي مقيم في بريطانيا
[email protected]