تدرك إسرائيل جيدا أنها بدون السلام مع مصر ستنتهي من الوجود، لذلك خرج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ليؤكد التزام إسرائيل باتفاقية السلام مع مصر، وإعادة السفير الإسرائيلي quot;إسحاق لفانونquot;، وتدرك الولايات المتحدة أيضا ضرورة استمرار العلاقات بين مصر وإسرائيل، والالتزام باتفاق السلام الموقع بينهما منذ اثنين وثلاثين عاما، وما جرى في جمعة تصحيح المسار من هدم لجدار سفارة إسرائيل وحرق واقتحام مديرية امن الجيزة، ومبنى وزارة الداخلية، وقذف السفارة السعودية بالحجارة لا علاقة له بثورة ناصعة البياض، قام بها خيرة شباب مصر، وانضم إليهم جميع شرائح المجتمع المصري، ولا علاقة له بالحرية، فليس معنى الحرية أن تفعل ما تريد، والتصدي لإسرائيل يكون بطرد السفير، وتجميد العلاقات لا باقتحام سفارتها التي توجد على ارض مصر، وتقع في مبنى يسكنه مئات المصريين، إن ما حدث هو نوع من الانفلات الأخلاقي غير المبرر، وخروج صريح على القانون ومحاولة للإساءة لثورة الثالث والعشرين من يناير.
إن الغضب الشعبي ضد إسرائيل بسبب قتل الجنود المصريين على الحدود أمر مشروع لكن أن يتحول الغضب إلى عنف فهذا يتنافي مع الطابع السلمي للثورة، كما أن الحكومة هي التي يجب أن تعبر عن هذا الغضب بأساليب معروفة، ولأن حكومة quot;عصام شرفquot; فشلت في إعادة حقوق الشهداء الذين قتلوا على الحدود، كما فشلت في استعادة الأمن للشارع المصري، وتأمين السفارات إعمالا لاتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية وكذلك المباني الحيوية فكان عليها الرحيل، وقد أدرك دكتور شرف ذلك، وتوجه باستقالته إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فرفض الأخير قبول الاستقالة، وفي اعتقادي أن ما يحدث ألان مرتبط بمحاكمة quot;مباركquot;، ورموز نظامه لأن قرار الحسم في هذه المحاكمة بات قريبا، بعد استدعاء المشيرquot; حسين طنطاويquot; ورئيس الأركان quot;سامي عنانquot; ورئيس المخابرات quot;عمر سليمانquot; للشهادة، ومن الطبيعي أن يحاول المستفيدون من عصر مبارك فعل كل ما يمكن فعله لنشر الفوضى في مصر.
والتعامل مع إسرائيل له طريق أخر، ولنأخذ المثل من تركيا، فحين رفضت إسرائيل تقديم الاعتذار لتركيا عن اقتحام أسطول الحرية المتجه إلى غزة، وأسفر عن مقتل تسعة أفراد أعلن وزير خارجيتها quot;داود اغلوquot; قرار بلاده طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، وتجميد الاتفاقيات العسكرية معها، وهو قرار وضع مصر والأنظمة العربية المطبعة مع إسرائيل في مأزق، لأنه يرسي قواعد للتعامل بندية مع دولة تعتبر نفسها فوق القانون، وتحظى برعاية ودعم الولايات المتحدة والغرب، وحين وجد الشعب المصري حكومته عاجزة عن الفعل تجاه إسرائيل، قام بنفسه بعملية هدم الجدار الوهمي الذي يقف حاجزا بين بلاده وإسرائيل، وإنزال العلم الإسرائيلي وحرقه وسط تصفيق وإعجاب المارة، وكأنهم بهذا الفعل هدموا الجدار العازل بين الضفة الغربية وإسرائيل، واستردوا كرامة الشهداء الذين قتلتهم إسرائيل بدم بارد عند الحدود.
لابد من إعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد 1979التي تواجه اختبارا بعد ثورة يناير خاصة بنودها الأمنية، فالحوادث الأخيرة في شمال سيناء تثبت أن الأوضاع الأمنية في حاجة لمزيد من القوات، فحسب المعاهدة لا يتجاوز عدد القوات 700 جندي على الحدود بطول 220 كيلو مترا، وكانت مصر قد طلبت زيادة عدد هذه القوات إلى ألفي جندي لمواجهة عمليات التسلل، ولم تستجب إسرائيل، وهناك مخرج يكمن في المادة الرابعة، فالفقرة الأخيرة منها حددت السبيل لإعادة النظر في ترتيبات الأمن، وهو التوافق بين الطرفين عبر التفاوض، والمادة السابعة تنص على اعتماد التفاوض كسبيل لحل الخلافات بشأن تطبيق المعاهدة وتفسيرها، واللجوء إلى التحكيم عند فشل التفاوض ولابد من الاستفادة من الحراك الثوري الحالي، والاهتمام الدولي بما يحدث في مصر لانجاز هذا التعديل في اتفاقية كامب ديفيد، ولتأخذ الدول العربية التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل الحكمة من حكومة quot;اردوغانquot; وعلى مصر تحديدا الإسراع بإعادة النظر في بنود اتفاقية السلام مع إسرائيل، بما يحفظ أمنها القومي، ولتتعامل مع الدولة المارقة بقدر من الندية، وبقدر من العزة، وتستمر في ترسيخ مبادئ ثورة يناير.
إعلامي مصري
- آخر تحديث :
التعليقات