عندما أسس محمد حنيف نجاد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية يوم السادس من سبتمبر عام 1965 في قدم صدق مع اثنين آخرين من المثقفين آنذاك، لم يتبادر إلى ذهنه أبدا أن منظمته ستصل في يوم ما إلى مستوى عال من الشهرة ليس في إيران فحسب بل في أنحاء العالم ويذعن الجميع لمنظمته ويجل الجميع مصداقيتها ومنذ سقوط الحكومة الوطنية للدكتور محمد مصدق في عام 1953، وصلت النضال البرلماني والاصلاحي في إيران إلى نقطته النهائية وكان نظام الشاه محمد رضا بهلوي باصلاح الاراضي وrdquo;الثورة البيضاءrdquo; في بداية ستينات القرن الميلادي الماضي ساعيا لبناء استقرار مرحلة من مراحل حكمه وكانت الـ rdquo;سافاكrdquo; منظمة الاستخبارات المرعبة التابعة لنظام الشاه قد أُسست في عام 1957 وعُززت بشكل سريع لكي تستخدم شتى اساليب التعذيب الوحشي والقمع والاعدام ضد المعارضين للشاه.
و كان الخميني الذي عارض الشاه في الفترة نفسها من موقف رجعي تماما، كان قد التزم الصمت بعد مدة ثم ذهب إلى تركيا ومن ثم العراق وأمضى سنوات من الصمت الكامل بانتظار فرصة لسرقة قيادة الثورة كصيادي الفرص! وقد قامت جماهير الشعب الإيراني بمظاهرات في حينها بسبب بغضها ورفضها النظام الحاكم وبعد اطلاق النار على هذه المظاهرات واحباطها بالقمع والقهر وسفك الدماء وبهذا النهج يكون الشاه قد قضى على آخر حالات النضال السلمي في إيران.
عاصر وعاش محمد حنيف نجاد، وهو من اهالي مدينة تبريز في محافظة أذربيجان شمال غربي إيران الحركة الوطنية الايرانية بقيادة الزعيم الوطني التاريخي الكبير الدكتور محمد مصدق عندما كان في الثانوية وعندما دخل كلية الزراعة اصبح عضوا في الحركة الوطنية نفسها التي كان الدكتور مصدق قد اسسها ومن ثم اصبح عضوا في rdquo;حركة الحريةrdquo; بقيادة المهندس مهدي بازركان وكان عمر rdquo;حنيف نجادrdquo; 23 عاما حين قامت الـrdquo;سافاكrdquo; وقبل أيام من اندلاع الاصلاح المذكور اعلاه أي rdquo;الثورة البيضاءrdquo; باعتقاله وجميع الناشطين السياسيين في تلك الايام ووصل rdquo;محمد حنيف نجادrdquo; في فترة الاربعة اشهر التي قضاها في السجن (وصل) في حواراته مع اصدقائه إلى نتيجة بأن مرحلة حياة التيارات السياسية التقلدية قد انتهت ويجب أن تنشأ منظمة بدور ريادي وهذا في عام 1963 وكان بحاجة إلى عامين من الوقت لكي يكمل محمد حنيف نجاد تحقيقاته ودراساته من تأريخ الحركات التحررية وتاريخ إيران والمنطقة والعالم ليطرح فكرة تأسيس المنظمة مع سعيد محسن واصغر بديع زادكان خريجان جامعيان آخران نعم كان هناك حاجة إلى منظمة لكي تتمكن من الاستمرار في ظل اختناق الشاه وفي الوقت ذاته تتمكن من الاستجابة لمتطلبات المجتمع وأسس محمد حنيف نجاد منظمة مجاهدي خلق لتكون قدم صدق لأجل اسمى شيء في الوجود وهي مبادىء وقيم العدل الالهية التي ترعى النفس البشرية وغيرها باعلى درجات السمو والجمال ، وكانت تلك البداية لحظة من لحظات الجمال بالعالم.
وقال مؤسس مجاهدي خلق الذي كان مؤمنا بالله، الكلمة الأولى: إن الحدود الاساسية على صعيد النضال الاجتماعي تُرسم بين المضطهِد والمضطهَد وبين الظالم والمظلوم وبين المستغِلّ والمستغَلّ وليس بين المؤمن بالله وغير المؤمن به وهذا ما لم يفهمه الخميني أبدا ولم يكن يرغب في فهمه وادراكه كمن طُبع على قلبه وبلغ به صمم القلوب مبلغه وهذه هي الحدود الاساسية في هذا اليوم أيضا التي تميز تماما بين الاسلام الذي يؤمن به مجاهدو الشعب الإيراني والاسلام الذي يدعيه ويعلنه الخميني والملالي الرجعيين
و الكلمة التالية كانت محصلة نهائية تفيد بانه في ظل توجه نظام الشاه الى قمع واهلاك أي شكل من اشكال المعارضة والرأي لا يوجد خيارا سوى الطريق الوحيد المتبقى أمام الشعب للوصول الى الديمقراطية وهو اسقاط نظام الشاه وان هذا الامر لم يعد بالامكان تحقيقه من خلال نضال سياسي سلمي وعليه على المنظمة ان تقوم بتجهيز نفسها لمواجهة عسكرية ومقاومة مسلحة منظمة ضد نظام الشاه وكان مؤسسوا المنظمة يقولون أن ضمان هذه المقاومة وهذه الكلمة الطيبة هو التضحية.
بعد ستة اعوام من تأسيس المنظمة وتحديدا في يوم 21 من أغسطس عام 1971 وعلى اعتاب الاحتفالات بعيد ما يسمي بمرور 2500 سنة من تأسيس rdquo;الشاهنشاهيةrdquo; قامت rdquo;سافاكrdquo; الشاه وفي عمليات واسعة ومعقدة جدا بسلسلة من الهجمات على مراكز المنظمة في المناطق المختلفة واعتقلت اكثر من 90 بالمائة من كوادرها قبل ان تنفذ المنظمة أي عمل هذه المنظمة التي لم يكن لها أي اسم منذ تجنبا عن rdquo;الشكليةrdquo; السائدة آنذاك ولم يكن يعرف كوادرها سوى ان اسمها rdquo;المنظمةrdquo;.
في ذلك الحين كان مسعود رجوي حامل شهادة البكالوريوس في الحقوق في عمر 23 عام وقد انضم إلى عضوية المنظمة عام 1967 أي عامين بعد تأسيسها وكان من ضمن المعتقلين وبعد شهرين تم اعتقال مؤسس المنظمة محمد حنيف نجاد وكان جميع اعضاء rdquo;المركزيةrdquo; أي اللجنة المركزية للمنظمة من ضمن المعتقلين وكانت المنظمة الوحيدة التي استمرت بنضالها السري لمدة ستة اعوام وبدا أن المنظمة قد انتهت.
بعد فترة وإثر استشهاد أول عضو لمجاهدي خلق rdquo;احمد رضائيrdquo; في يناير 1973 في قلب طهران العاصمة، حيث أهدت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية اول شهيد لها في طريق حرية الوطن، اطلق مؤسسوا المنظمة اسم rdquo;سازمان مجاهدين خلق ايرانrdquo; متأثرين بكلمة rdquo;خلقrdquo; القرآنية بمعنى rdquo;الشعبrdquo;، واسم المنظمة يعني rdquo;منظمة مجاهدو الشعب الإيرانيrdquo; وزينوا اعلى علامة المنظمة بالآية الشريفة: rdquo;وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيماrdquo;
كما قلنا أنه بدا أن المنظمة قد انتهت تماما ولكن مسعود رجوي وبعد المثول في أول جلسة له في المحكمة واللقاء الذي حصل بينه وبين الخارجين من السجن، أدرك أن القصة تختلف تماما مع ما كانوا يفكرون في السجون وبعد اعادته إلى السجن وفي مذكرة قصيرة رفعها إلى مؤسس المجاهدين محمد حنيف نجاد هنئه قائلا: الآن وفي جميع أنهاء إيران هناك حديث يدور حول منظمتك وكانت مجاهدي خلق قد دخلت بيوت المواطنين الإيرانيين وفي تلك الايام كان هناك حديث في كل مكان عن مجاهدي خلق وتمكنت رسالة مجاهدو الشعب أن تجد مكانتها في اواسط المثقفين المسلمين الثوريين والتيارات الدينية في إيران والاهم من كل هذا وبسبب تطابقها مع ثقافة المجتمع، تمكنت من الحصول على تأييد شعبي واسع وهو الذي تحدث عنه مسعود رجوي في مذكرته
إن هذا النفوذ الواسع لمجاهدي الشعب في اوساط الجمهور، أدى إلى خوف الشاه بحيث ابتدع تهمة rdquo;الماركسية-الاسلاميةrdquo; للاستفادة منها ضد مجاهدي الشعب ومثله وبعده قام الخميني وورثته وخوفا من التأييد الشعبي الواسع لمجاهدي الشعب بتسميتها بـ rdquo;المنافقينrdquo; ويخافون حتى يومنا هذا من استخدام كلمة rdquo;مجاهدين خلقrdquo;
وكانت شعبية وقبول rdquo;مجاهدي خلقrdquo; عالية جدا حيث قال الذين اصبحوا زعماء لـ rdquo;الجمهورية الاسلاميةrdquo; في إيران من ضمنهم آية الله منتظري أنه كان يفتخر في السجن أنه قد أدى الصلاة خلف محمد حنيف نجاد وبإمامته ورفسنجاني وبعد ان اطلق سراحه بعد فترة قليلة من السجن في عام 1971 وفي اجتماع الاشخاص الذين ذهبوا للقاءه في منطقة rdquo;قلهكrdquo; شمالي طهران و كان كاتب هذا المقال من ضمن الحضور، قال بشكل واضح: كنت احاول في السجن ان اتعلم القرآن من مجاهدي خلق وrdquo;اذا ما تقبل الله صلاة منا هي الصلوات التي اديناها خلف هؤلاء المجاهدين ومعهم في السجنrdquo; وآية الله مطهري رجل دين بارز آخر داخل نظام الملالي عند اجابته على اسئلة الشباب حول النضال في حينها أي في سعبينات القرن الميلادي الماضي وقبل ان يصل الملالي إلى الحكم، كان يرد: rdquo;إن تربية البشر ليس من عملي وهذا العمل اختصاص محمد حنيف نجادrdquo; وكان rdquo;آية الله بهشتيrdquo; من رموز نظام الملالي سابقا والخامنئي الولي الفقيه الحالي للنظام وفي اعوام قبل وصول الملالي إلى الحكم كانا يتباهيان ويفتخران أمام الأخرين بلقائاتهما مع محمد حنيف نجاد مؤسس المنظمة
وفي تلك الايام قد أصدر حكم الاعدام رميا بالرصاص على جميع قادة rdquo;منظمة مجاهدي الشعب الإيرانيrdquo; وبعد أشهر تم تنفيذ هذه الاحكام الجائرة ولكن واثر الضغوط الدولية بسبب مساعي الشهيد البروفسور كاظم رجوي الشقيق الاكبر لمسعود رجوي الذي كان استاذا للقانون في جامعة جنيف بسويسرا، اضطر الشاه الى تخفيف الحكم من الاعدام الى السجن المؤبد بحق مسعود رجوي وهكذا كتب الله له الحياة ليواصل المسيرة وبهذا بقى الناج الوحيد من قيادة المنظمة ليبحر بسفينة المنظمة ويقودها في العواصف القادمة
واليوم وبدخول منظمة مجاهدي الشعب الإيراني على العام السابع والاربعين من اطلالتها إلى العالم، اسم مجاهدي خلق اصبح اسما معروفا ومألوفا، ليس فقط في انحاء إيران بل وفي انحاء العالم وكل هذا إثر قدم صدق خطاه هذا الحبيب الذي أهدى رأسه لله وللوطن والآن اصحبت منظمة مجاهدي خلق في جميع المدن الإيرانية كنقطة أمل الشعب الإيراني وتوسعت جذورها في انحاء العالم وفي طريقها إلى اسقاط أساس النظام الرجعي اللاإسلامي الحاكم في إيران
ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون صدق الله العلي العظيم
* خبير ستراتيجي إيراني
m eghbal2003@gmail com
- آخر تحديث :
التعليقات