بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير شعر بعض المصريين بالندم علي رحيل نظام مبارك، والسبب هو إفرازات الثورة التي دفعت بالتيار الإسلامي إلى المقدمة نظرا لخبرتهم الطويلة في الممارسة السياسية والدعم المادي الذي بالتأكيد هو دعم دول وليس أفرادا, فترحم كثير من الناس علي النظام السابق بل وندم وشعر بعض من شاركوا في الثورة بتأنيب الضمير ليس لحبهم لمبارك بل لخوفهم علي الوطن من التيار المظلم, والحقيقة أن نظام مبارك هو السبب في كل ما نعانيه الآن فلقد عم الفساد كل مناحي الحياة في مصر، وأكلت البطالة عمر شبابها وفقدت مصر دورها القيادي في الشرق الأوسط، وأصبح رغيف العيش حلم غالبية المصريين.

فالثورة كانت قادمة لا محالة، لكن الجميل أن الثورة المصرية هي من صنع التيار الليبرالي الذي أشعل الثورة في مصر، وناضل حتي رحل النظام، والحمد لله أنها لم تكن من صنع التيار الإسلامي وإلا تحولت مصر لإيران ثانية. ولكن الشعب المصري به نسبه كبيرة من الأمية تتعدي الأربعين في المائة ومن هنا يسهل التلاعب بعواطفهم واستخدام ورقة الدين لاستمالتهم للتيار الديني وهو ما حدث بالفعل، ومن هنا نستطيع القول أن التيار الإسلامي سيحصل علي نصيب كبير من حكم مصر في الفترة القادمة، وربما نري في المستقبل القريب حكومة تتشكل كلها من التيار الإسلامي، وليس لدي أدني شك في ذلك فالإخوان والتيار السلفي لو أرادا الحصول على الأغلبية في الانتخابات القادمة لحصلوا عليها وبسهولة، يمنعهم من ذلك سببان أولهما الخوف من تكرار التجربة الجزائرية والثاني التدهور الاقتصادي الرهيب في مصر الذي يشعرهم بعدم قدرتهم على إدارة البلاد في هذه الفترة.

ولا يختلف اثنان علي أن الشعب المصري قبل ثورة يناير يختلف كثيرا عنه بعد يناير، فلن يستطيع نظام أو حكومة ممارسة الديكتاتورية عليه، ولن يستطيع تيار الإنفراد بالحكم مدة طويلة، فالشباب الليبرالي الذي أشعل ثورة يناير وأجبر النظام علي الرحيل بالرغم من الخبرة الكبيرة التي كان يتمتع بها النظام، وبالرغم من القبضة الأمنية القوية التي كانت تسيطر علي كل شئ في مصر، فهؤلاء الشباب أصبح لديهم خبرة كبيرة في خلع الشرعية الشعبية من أي نظام كما تولدت داخلهم ثقة كبيرة بالنفس في إسقاط أي نظام في المستقبل، ولم لا وهم الذين اسقطوا نظام عمرة ثلاثين سنة!!!.

كما أن وجود التيار الإسلامي في الحكم سيكشفه أمام الشعب المصري، وستكشف شعاراتهم الجوفاء وسيفشل التيار الإسلامي كما فشل في أفغانستان والصومال وإيران وأخيرا في غزة، حتي أن الرئيس الفلسطيني قال إن شعبية فتح في غزة أكبر من شعبية حماس بينما شعبية حماس في الضفة اكبر من شعبية فتح، وهذا هو الفرق بين الذي جرب وعاش تحت حكم الإسلاميين والذي لم يجرب، فعلي مدار التاريخ الحديث وعلي مستوي الدول لم ينجح التيار الإسلامي فى صنع دولة حديثة، فمثلا ماذا سيفعلون في مجال السياحة الذي يمثل تقريبا 20% من الدخل القومي، هل سيطبقون الشرع الإسلامي فتموت السياحة في مصر أم إنهم سيطبقون النظام التركي في هذا المجال فيكشف الشعب كذبهم؟؟ ماذا يفعلون مع كامب ديفيد؟؟ هل سيحافظون عليها وهم الذين عارضوها علي مدار تاريخهم أم ستلغي وندخل في حرب مع إسرائيل تكون نتيجتها فقدان مصر لسيناء؟؟.

التيار الإسلامي هو النفق المظلم الذي ستعبر مصر من خلاله إلي اليبرالية والدولة الحديثة، ليموت التيار الإسلامي للأبد وربما سٌيحرم من ممارسة السياسة في مصر كما النازيين في أوربا، فالشعب المصري شعب ذكي وسيلفظ هذا التيار للأبد قريبا جدا بعد أن يكتشف الحقيقة المرة، ولكن السؤال متي سيتم العبور وما هي الخسائر، وهل ستطيع مصر النهوض مرة أخري بعد التخلص من التيار المنطقة والإسلامي ام انه سيكون السبب في كوارث تحتاج لقرون لعلاجها، الأمر يتوقف علي الشعب المصري وحده ومدي قدرته علي كشف هذا التيار بسرعة، كذلك مدي قدرة التيار الليبرالي علي التشبث بالأمل والأخذ علي عاتقه لعب دور المعارضة الوطنية اليقظة المستعدة لإنقاذ الوطن في أي لحظة, أنا متفائل وأقصي تقديري لحكم الإسلاميين هو من خمسة لعشر سنوات وهي فترة لا تساوي شئ في عمر الشعوب، وستولد مصر بعد هذه الفترة دولة ليبرالية حديثة لتلحق بركب الأمم المتقدمة لتعود هي القوية والقائدة لكل المنطقة و تصبح مصر من أغني دول العالم.