quot;يعد مبدأ التمييز حجر الأساس في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977لاتفاقيات جنيف. ويقدم هذا الكتيب مراجعة لواجبات أطراف النزاع للتمييز بين المدنيين والمقاتلين، والأهداف المدنية والعسكرية. كما يشرح الحماية التي يوفرها البروتوكولان لغير المتورطين في النزاع وكذلك الحماية المكفولة للمقاتلينquot; جاء فيهماquot; لايجوز أن يكون السكان المدنيين بوصفهم هذا.. محلا للهجومquot; المادة 51 من البرتوكول الاضافي الأول. ومبدأ التمييز لا يميز بين تعرض المدنيين للهجوم اثناء النزاعات المسلحة سواء بين أطراف دولية أو في حرب أهلية أو من قبل نظام سياسي ضد سكان دولته.
هذه المقدمة البسيطة، توضح بما لايقبل الشك الفارق بين طلب حماية المدنيين كقضية إنسانية عامة وشمولية المعنى، وبين طلب التدخل العسكري من أجل انتصار طرف مسلح على طرف آخر، أو من أجل تحقيق أهداف سياسية مباشرة أم غير مباشرة لمجموعة مصالح سياسية أيضا. كلا الأمرين تحكمهما قضايا عديدة، لا بد من توضيحها، لكن قبل ذلك علينا تحديد الوصف الدقيق للوضع السوري منذ انطلاق ثورته قبل أكثر من ستة أشهر ونصف، في سورية هنالك احتجاجات وتظاهرات سلمية، تنادي بتغيير النظام السياسي للبلد وهذا حق تكفله كل الشرائع الدينية والدنيوية، وهنالك نظام سياسي يستخدم كافة وسائل العنف، بشكل لا قانوني ولا دستوري ولا تقره الاعراف الانسانية، لوقف الاحتجاجات والتظاهرات، وهذه الوسائل تطال كافة شرائح الشعب السوري حتى قسما منهم لا يشارك في هذه التظاهرات! من خلال محاصرة المدن ونهب اسواقها وبيوتها دون تمييز في غالب الاحيان، وانتهاك كل حرماتها. أما مع المتظاهرين فيستخدم القتل والاعتقال والاغتيال وكل وسائل التعذيب للمعتقلين منهم. كما لا يوجد طرف مسلح آخر يواجه النظام، والكلام عن وجود مسلحين حتى على فرض كان صحيحا إلا انه لا يشكل سوى استثناء لايذكر في هذه الانتفاضة السورية السلمية وحوادث فردية كردة فعل على افعال جريمة الابادة الانسانية التي تقوم بها أجهزة القمع. هنا يصبح مطلب الناس المحتجين والمتظاهرين السلميين بطلب حماية دولية من الأمم المتحدة، امرا مشروعا وتقره أيضا كافة الشرائع الحقوقية والمدنية، هذه قضية لا تحكمها معايير من يتحدثون عن مسألة التدخل الخارجي، سواء من كان مع التدخل أم ضده، كلا الطرفين ينهلان من ثقافة سياسية الحكم عليها يكون في حقل الفكر السياسي والثقافة السياسية نفسها، وتتلطى المصالح لدى الطرفين كعادة السياسة خلف شعارات وخطابات الطرفين، هذا ضد التدخل لأنه يمزق البلد، ويستولي عليها ويحتلها..الخ وذاك التدخل الخارجي وحده كفيل بتخليصه من هذا النظام القاتل، أما طلب حماية المدنيين، فهو فقط لحماية المدنيين أثناء حياتهم ونشاطهم القانوني من أي نوع كان وليس مهمته اسقاط النظام. هذا ما يجب أن يتم التركيز عليه وتوضيحه وتوضيح الفارق بين طلب تدخل عسكري وبين طلب حماية المدنيين.
quot;الأصوات العربية الكثيرة التي تردّد رفضها للتدخل كيفما كان، وفي أي وقت، وبكثير من التشنج، تتغافل عن حقيقة بالغة الأهمية، هي أن بعض المجتمعات عاجزة عن حسم الصراع على السلطة مع أنظمتهاquot;.
quot;تناقضات كثيرة تتخلل هذا المنطق، في رأسها مناشدة الغرب laquo;أن يفعل شيئاًraquo;، والتهديد بـ laquo;فضح دعاواه الإنسانيةraquo; حين laquo;لا يفعل شيئاًraquo;، ثم الجهر بالعداء له، بمجرد أن يفعل شيئاً!!!quot;.
quot;تونس ومصر، العربيتان أيضاً، تمكنتا من إنجاز انتفاضتيهما من دون تدخل خارجي، لأن أوضاعهما لا تصح فيها المواصفات الليبية والسورية (والعراقية واللبنانية...). في المقابل، فإن يوغوسلافيا السابقة، غير العربية، لم تستطع جماعاتها أن تحسم صراعاتها من دون تدخل خارجي، وذلك بالضبط ناجم عن مواصفات فيها تشبه تلك الليبية والسوريةquot;.الباحث حازم صاغية جريدة الحياة.
في المقلب الآخر من ينادون بالتدخل الخارجي يتحدثون عن عجز الوسائل السلمية في اسقاط هذا النظام، ثم يتحدثون عن جرائمه وفساده، لكن لا يقدمون تصورا حقيقيا للشعب السوري، عن كيفية حصول مثل هذا التدخل؟ وما هو ثمنه؟ ومن هي القوى الدولية التي ستتدخل لإسقاط النظام؟ ومن أجل ماذا؟ كلها أسئلة يجب أن توضع الإجابة عنها أمام الناس.
النظام المجرم يستفيد من الطرفين في معركتهم هذه، الطرف الذي ينادي بأنه ضد التدخل إنما يعزز حضور الاجرام السلطوي أكثر، والطرف الذي ينادي بأنه مع التدخل ويتذرع بأسباب لا تمس جوهر المعطيات التي تفرضها حالة التدخل العسكري الخارجي، خاصة إذا كان خارج مؤسسات الأمم المتحدة، على المعارضة السورية أن تحسم خياراتها بهذه المسألة، وألا تحولها لساحة حرب خلبية حتما النظام هو المستفيد الوحيد فيها.
ولهذا أعتقد اننا يجب أن نخرج من هذا النفق، والتأكيد على مطلب حماية المدنيين فقط ولو عبر إرسال وفود رمزية من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والصليب الاحمر والهلال الاحمر والكريستالة..
لهذا يجب عدم زج قضية المطالبة بحماية المدنيين بالجدال داخل ثقافة مهترئة ما فتئ النظام يستفيد منها في استكمال جريمته، وهي ثقافة التدخل الخارجي عسكري أو خلافه.. ولهذا انا مع quot;جمعة حماية المدنيينquot;.
قبل سنوات وقبل العراق أيضا، طالبت بتدخل خارجي من أجل اسقاط النظام لكنني، كنت أؤكد على المصالح السياسية التي تقف خلف هذه المطالبة، وبشكل واضح ودون أن أقول أن من اطالبهم بالتدخل هم منزهين عن مصالحهم، لكن الحقل السياسي نسبي، وهذا ما عبر عنه المناضل رياض الترك عندما سألوه عن الوضع العراقي بعد سقوط صدام على يد الأمريكيين، فأجاب: أن العراق كان تحت الصفر والآن اصبح في الصفرquot; كما أذكر.
حماية المدنيين دون التدخل في إسقاط النظام هو المطلب الذي يجب أن تكرس له بعضا من نشاطاتنا ونقاشاتنا، وليست مسألة التدخل الخارجي في ظل وضع دولي لايزال متواطئا مع الجريمة التي يقترفها النظام السوري بحق شعبنا.
- آخر تحديث :
التعليقات