ليس مفاجئاً إقحام اسم حزب العمال الكردستاني، عند الحديث عن الأوراق التي يمكن أن يحرّكها، ويلعب عليها، النظام السوري. والسبب واضح، وهو السنوات التي قضاها زعيم الحزب، السيد عبد الله أوجلان، في سوريا، قبل خروجه تحت الضغط التركي، والأمريكي الإسرائيلي، ومن ثم اعتقاله في العاصمة الكينية، نيروبي، منذ عام 1999.

الضربات الأخيرة، النوعية والقاصمة، التي وجّهها مقاتلو العمال الكردستاني ضد الجنود، والأهداف العسكرية التركية، اعتبرها البعض شروعاً للنظام السوري بتحريك هذه الورقة، لتهديد الجار التركي، وتحذيره من مغبة التّمادي في التدخّل بالشّؤون السّورية الدّاخلية.

هذه الضربات لم تأت بغتة، أو بدون سابق إنذار. فقد سبقتها تصريحات، وتصعيد كلامي، من القيادات العسكرية الكردية في قنديل، معقلهم الرئيس بإقليم كردستان، وصلت إلى حدّ التهديد بتحويل تركيا إلى جحيم، عبر استعمال كامل قوتهم، التي قالوا بأنهم لم يستعملوا بعد حتى 5% منها.

بالطبع هناك جملة من الأسباب التي دفعت القيادة الكردية في قنديل، قبل البدء بالتصعيد الأخير، إلى إطلاق هذه التهديدات، والإعلان، للمرّة الأولى، عن نفاد صبرها إزاء تصرّفات الحكومة التركية. منها، عزل أوجلان عن العالم الخارجي، عبر إيقاف لقائه الأسبوعي، الذي كان يُجريه معه محاموه. وتزامن هذا الإيقاف، المنع، والذي لا يزال مستمرّاً، مع نقاشات مستفيضة، غير مسبوقة، في وسائل الإعلام التركية، حول التداعيات التي قد تترتّب في حال إعدام أوجلان. القيادة الكردية فسّرت هذه التصرّفات على أنها محاولة لجس بنضها، ومعرفة ردّ فعلها، فردّت عليها بالقول إن حياة أوجلان خطٌ أحمرُ بالنسبة لها، ولن تتهاون مع من يحاول تهديدها وتعريضها للخطر.

وهناك أيضاً قضية 3000 آلاف سياسي كردي، لا يزالون معتقلين، منذ عام 2009، بحجة العضوية في حزب العمال الكردستاني، رغم نفي الأخير أي صلة لهؤلاء به، واتّهامه الحكومة التركية باعتقالهم، دون سندّ أو مسوّغ قانوني، لاتّخاذهم كورقة ضغط عليه. إلى جانب أزمة البرلمانيين الكرد الستة، عن حزب السلام والديمقراطية الكردي، الذين رفضت السلطات التركية إطلاق سراحهم، في انتهاك واضح للقانون التركي، الذي يدعو إلى إطلاق سراح أي مرشح معتقل فور إذاعة نبأ فوزه في الانتخابات. نضيف، على ما سبق من أسباب، بقاء القضية الكردية، كما هي، دون حلّ، رغم مرور سنوات على وعود الإصلاح والحلّ التي أطلقها أردوغان.

إذاً، هناك أسباب خاصة بالكردستاني كامنة وراء التصعيد الأخير. وسيكون إجحافاً بحقه تفسيره، بعد معرفتها، على أنه بتحريك وإيعاز من النّظام السّوري. على الأقلّ في ظلّ غياب أدلّة وقرائن تؤكّد ما يذهب إليه المفسّرون. ثمّ، إذا كان النظام السوري يقف فعلاً وراء هذه الهجمات، فما هي أسباب التصعيد، المتزامن، بين المقاتلين الكرد والدولة الإيرانية، التي يشنّ جيشها وحرسها الثوري أعنف هجوم، على الإطلاق، وبإشراف كبار الجنرالات والخبراء العسكريين الأتراك!. هل يُعقل أن يدعم النظام السوري حرباً بين طرفين، طرفٍ، إيران، غارقٍ معه في جرائمه حتى النّخاع، وآخر متواطىء معه؟.

بلا شك، العمال الكردستاني، كغيره، لن يكون بمنأى عن التأثّر بالأحداث العاصفة بالمنطقة، التي بات الخروج منها منتصراً هو الهدف الذي يسعى إليه الكلّ، بلا استثناء. ويحقّ له ما يحقّ لغيره من البحث عن مصالحه وما يخدم قضيته وسياساته. طبعاً مع وضع علامة استفهام كبيرة أمام التعاون مع القتلة والمجرمين، أياً يكونوا. ألم يكن أردوغان من الرافضين بشدّة لتدخّل quot;النيتوquot; في ليبيا، التي اعترف رئيس مجلسها الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، بفضل ضرباته، إلى جانب الثوار، بالقضاء على نظام القذّافي، ثم كان وزير خارجيته، أحمد داوود أغلو، أوّل الزائرين لطرابلس بعد أقلّ من يوم على سقوطها؟!.

نعود إلى التفسيرات، الاتّهامات، والتي لا يمكن استبعاد أن تكون تُكال للكردستاني، لحفظ ماء الوجّه للمسؤولين الأتراك، وتفادي أي إحراج لهم، أمام الشعب السوري المنتفض، بعد أن ثبُت تنكّرهم لجميع تصريحاتهم، ووعودهم، التي قطعوها له. بمعنى، تبرير إدارة تركيا الظهر لمعاناة السوريين بانشغالها بحربها ضد الكردستاني. وهذا من شأنه أن يُكسب تركيا المزيد من دعم وتأييد السوريين، وينشر النفور بين الكرد والعرب، وهو ما تحتاجه تركيا، في حال سقوط النظام الأسدي، للحيلولة دون تحقيق المطالب المشروعة للشعب الكردي في سوريا.

[email protected]