بعد حوالي اربعة اشهر من الانتفاضة المستمرة والصمود والتضحية والفداء والاستشهاد اليومي، اثبت الشعب السوري بأنه جدير بالتخلص من نظام القمع والبطش و بحياة حرّة كريمة. فبدأ العالم يعترف أن نظام بشار الاسد لايمثّل هذا الشعب وعليه أن يرحل ويترك الساحة للشعب السوري ليختار النظام الجديد نظاما جديدا. فتحية اكبار واجلال لابناء الشعب السوري الشقيق، شعب الفخر والعزّ الذي دخل التاريخ من اوسع الابواب واثبت انه يريد الحياة فلابد ان يستجيب القدر، واثبت قانون التطور باحرف من نور وبجثمان شهداء مضرجين بالدماء بان الله لايغيّر ما بقوم حتي يغيّروا ما بانفسهم.

نعم ثورة الشعب السوري اصبحت عنوان الثورات العربية لاسباب مختلفة: تارة لان هذه الثورة تحمل في طياتها خلاصة ما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية، وليس من الجزاف ان نقول إن الثورة السورية تحمل عنوان انتفاضة الشعب الايراني ايضاً. تارة اخرى اذا نظرنا الى النظام الدموي الحاكم في سوريا منذ اربعين عاماً نرى أن نظام حافظ الاسد وسرّه بشار الاسد كان مولعا في القمع والكبت اكثر من أي نظام عربي آخر. وكان ولايزال اشبه في هذا المجال بالنظام الحاكم في طهران.

ما ذا يقول بشار الاسد وزبانيته عن ثورة الشعب؟ يقولون بأن هؤلاء تحرّكهم الاجانب وبشكل خاص أمريكا وإسرائيل. واذا ذهبنا الى ايران الملالي سمعنا الكلام نفسه ايام الانتفاضة الشعبية عام 2009. حتى إذا اردنا أن نعود إلى الوراء لمدة اكثر من ثلاثة عقود نسمع الكلام نفسه من الشاه واعوانه والسافاك عن ثورة ابناء الشعب ضد نظامه آنذاك. فكان الشاه يقول في عزّ أيام الثورة بأن هؤلاء الذين يسيرون في شوارع طهران وتبريز واصفهان وغيرها من المدن جاؤوا من وراء الحدود! ونظام خميني وخلفاء خميني ايضاً كانوا ولايزالون يقولون بأن مجاهدي خلق هم عملاء أمريكا، وفي الوقت نفسه عملاء لصدام حسين وعملاء للسوفيت ولاسرائيل! وفي انتفاضة عام 2009 كان نظام الملالي يقول إن الناس الذين ينزلون الى الشوارع ويطلقون الشعارات ضد خامنئي واحمدي نجاد جاؤوا من خارج الحدود، وهذه المرّة كانوا يقولون إنهم جاؤوا من العراق وتحديداً من أشرف. مع أنهم يعرفون أفضل من غيرهم بان أشرف محاصر ولا أحد يستطيع ان يخرج منه.

ويبدو ان اوجه الشبه بين النظامين الايراني والسوري اكثر من ذلك، لأن النظامين كانا في حلف استراتيجي خلال العقود الثلاثة الماضية. فالنظام السوري جنى ارباحاً وفيرة من هذه العلاقات بينها مليون طن من النفظ الخام المجاني سنوياً من إيران. ومن الغريب ان مجلس الشورى الاسلامي صادق رسمياً على اعطاء النفط المجانّ لسوريا. وسياسياً استغل النظام السوري هذا التحالف لفرض سيطرته على لبنان واللعب على القضية الفلسطينية من خلال ايواء الفصائل العشرة وغيرها.

والنظام الايراني في المقابل ايضا جنى ارباحا وفيرة خاصة على الصعيد السياسي والجيواستراتيجي. حيث استطاع النظام الايراني ايصال مختلف الإمكانيات بما فيها الاسلحة والعتاد والاموال والمؤن الى حزب الله اللبناني من خلال مطار دمشق ليجعل من حزب الله عامل موازنة له في المنطقة. وتفيد المعلومات الموثوقة أن طائرات حمل حربية ايرانية مصبوغة خارجها بلون الطائرات المدنية هي التي كانت تقلّ الاسلحة والمعدات الحربية والدولارات مباشرة من طهران الى مطار دمشق باشراف قائد قوات القدس قاسم سليماني. ولمّا تنزل هذه الطائرات في مطار دمشق لم يستطع احد من قوات الامن السورية الاقتراب منها. بل كان الامر متروكا لرجال المخابرات الايرانية وعناصر من حزب الله لتفريغ حمولة الطائرة ونقلها الى بيروت و إلى معاقل حزب الله.

وليس من الصدف ان السفارة الايرانية في دمشق تعتبر أكبر سفارة ايرانية في العالم. لأن الملالي وقوات القدس تدير من خلال هذه السفارة لبنان وحزب الله وكذلك العلاقات مع حماس ومع سوريا نفسها وكذلك نشاطاتهم السرية في الاردن.

فيجب أن لانستغرب عند ما نسمع أن خامنئي خصص زهاء ستة مليارات من الدولارات من خيرات الشعب الايراني الباzwnj;ئس لدعم الاقتصاد السوري من الانهيار ولتنشيط نظام بشار الاسد، كما أننا نرى ان ايران الملالي باتت البلد الوحيد الذي يؤيد النظام السوري ويصف انتفاضة ابناء الشعب السوري انها جائت بفعل تحريك الامريكان. كما أنه ارسل مجموعة من قادة الحرس الى دمشق لإقامة مركز قيادة هناك بهدف اخماد ثورة الشعب السوري. وكانت الاخبار تقول ان قائد قوات الامن في طهران الكبري العقيد احمد رضا رادان قد التقي سرّاً بقادة قوات الامن السوري، بهدف التنسيق والتعاون في قمع الانتفاضة السورية. وكان لرادان دور كبير في قمع انتفاضة الشعب الايراني في عام 2009 ولديه تجارب laquo;غنيةraquo; في هذا المجال يريد الاستفاده منها في سوريا. كما أن الصحف الغربية كتبت مؤخرا بان النظام الايراني يبني حاليا ثكنة في مدينة اللاذقية لتكون مركزاً لقمع الشعب السوري و... عشرات الاخبار من هذا القبيل.

ولنعد مرة اخرى لما بدأنا منه وهو ان الشعب السوري ثار علي النظام الدموي الفاسد الحاكم واثبتت تجربة شهور بانه مستعد لدفع اي ثمن كان للتخلص من هذا النظام. فـلن يكون مصير عائلة الاسد الّا مزبلة التاريخ وسيكون ذلك بداية شرخ كبير في نظام ولاية الفقيه لايستطيع نظام الملالي تحمله وسيؤدي الى انهيار الحليف الستراتيجي للنظام السوري ايضاً. وذلك من شأنه ان يكون بداية بزوغ فجر جديد في منطقتنا.. فجر الحرية والديمقراطية والسلام والوئام والطمأنينة ان شاء الله.

رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية