السوية اللاشعورية التي طغت على مراكز الإحساس وعلى مدارك الرئيس السوري بشار الأسد بعد تعيينه رئيساً على سوريا quot; الوطن المغتصب quot; وبدون سند دستوري، وتجاوزاً لقوانين دولة عريقة في التاريخ، وجهته إلى أنزياحات مرضية نفسية، تضخمت من ورائها الأنا المطلقة، وساعدت على ذلك تفخيم ونصائح الإنتهازيين والمفسدين والمختلسين من حوله، وهم يمجدون فيه وفي قدراته الرئاسية وإدراكاته الفكرية، إلى أن صدقهم وصدق نفسه، فكان التشتت والضياع في أروقة الأمراض النفسية، التي يبتلي بها معظم الطغاة، إن كانوا دكتاتوريين أو زعماء لعصابات أو لمجموعات إرهابية.
الواقع الذي عاشه ويعيشه الرئيس بشار الأسد، والمحاط بهالة التفخيم التي عزلته عن سوريا كوطن وإنسانها، وعدم التنازل طوال سنوات وجوده كأبن لرئيس دكتاتور دون أن يعي، وخلال سنوات وراثته اللاشعورية، أصمه من سماع آهات الشعب المكبوتة وأعماه عن رؤية واقع المواطن المأساوي، الإقتصادي والسياسي والإجتماعي، بل على الأغلب أغمض عينيه عنها وأغلق أذنيه لسماعها وعاش متمتمعاً بحالة اللاشعور في النفس والتفكير، والمتلذذة بالهالة التي أورثوه إياها. وفي الحقيقة يعيش الرئيس مع هذه الحالة المرضية قبل التوريث من والده الراحل وقبل أن يتباهى على أنه تبنى إيديولوجية البعث الملوثة وترأسها، ولم يعي ولم يستيقظ من اللاشعور هذا، رغم سنوات القهر والظلم والإستعباد التي يحكم فيها الشعب السوري، والأفظع في هذه هو مرافقة طاقم حديث أرعن في مسيرته الرئاسية هذه، يستهزأ بمفاهيم هذه الأمة العربية جمعاء والسورية بشكل خاص، ويهدر بالمتبقي من مقدراته الثقافية والإقتصادية، ويفتت بالحركات السياسية الواعية، ليبقوا على هيبة الرئيس الأوحد في القيادة والطغي، إلى أن صدقهم، متلذذاً بما يسمع منهم عن عظمته.
ضخمت الهالة الوهمية التي بنيت حول السلطة السابقة quot; القائد الأبدي quot; الراحل حافظ الأسد المارق حتى بعد الممات والتوريث، لتكون الأمكانيات المطلقة في نقل الوراثة أحقية إلهية للوريث اللاشرعي وللمحاطون به، مجموعة المرضى النفسيين الذين يظهرون وكأنهم لا يملكون القدرة على التحكم في الشعور الإنساني، بل يتحكم فيهم الأهواء والرغبات المتخمة بها مراكز اللاشعور المرضي عندهم، والجميع يدرك ماهي أهواء الأرعن والفاسد والمتكالب على جمع المال وقادة الشبيحة، وزعماء عصابات تهريب المخدرات، وهؤلاء يبقون في الظل ويبدون وكأنهم لا يملكون إرادة في القرار بشكل نظري، لكنهم قادة الرعاع في المدن والعصابات الإجرامية في شوارعها، وربما من المنطق أن نقول بأن الشعور لديهم قد مسخت على حساب طغي اللاشعور، والتي أنزاحت إلى واقع مرضي مستديم لا يمكن معالجته سوى بعزله كلياً عن المجتمع الإنساني الواعي، فهذه السلطة برئيسها لا يمكن التعامل معه بمحاورة أو مناقشات سياسية، لا حل على أرض الواقع سوى إزالة النظام المرضي بأكمله، كعلاج أساسي لهذا الوطن ومواطنيه.
خَلقَتْ السلطة السورية وعلى مدى نصف قرن، حشود من الرعاع والحثالة من مخلفات المجتمع السوري الذي كان سببه ثقافة البعث المبنية على الحقد والكراهية والعنصرية وإلغاء الآخر، ودربوا على سوية شاذة، مرضية في النفس ألغي فيها مراكز الشعور الإنساني وقيمه، وزرع فيهم مرض مستديم يتحكم فيهم اللاشعور في التعامل مع العالم الخارجي، كانت غاية السلطة منها الطغي بكل سوياته، فكان هذا الذي نراه اليوم من القتل والتدمير و الإجرام في شوارع المدن السورية، وهؤلاء هم الأداة الرئيسة لهيبة آل الأسد ومن حولهم، في إلهام العالمين الداخلي والخارجي على أن الرئيس الراحل والحالي هم قادة لابديل لهم في سوريا، والجماهير صامتة على الحقيقة، وكل من تجرأ على البوح بها كان مصيره أتهام بالعمالة لقوى خارجية ومن ثم ضياع شبه أبدي في ظلمات السجون.
سيطر على الشعب السوري حالة مرتبكة متناقضة في أعماقها، تائهة بين الشعور بما يجري وما قبل الشعور، أو الهروب من الشعور، بين القناعة وعدمه. مشاهدة الذي يجري في سوريا وعلى مدى نصف قرن، فصل الإنسان من حقيقته وأدخلوه في عالم ما قبل الشعور وأجبروه على القبول راضخاً، والإنجراف مكرهاً مع إرادة الذي يملي عليهم من هناك. وعليها سيطر الأب بمطلقه، وأصبح الرئيس إلى الأبد، لولا قدرة الطبيعة على العدمية لكان هو الجاري، كان هذا في الواقع السوري الحقيقي، الذي لم ينظر إليه الرئيس الراحل حافظ الأسد مرة في حياته ولم يراه أو يستمع إلى جماهيرها إلا نادراً، فلم يخرج يوماً خارج برجه الإلهي في قاسيون، لكن في الداخل العائلي كانت هناك حياة تائهة متوجة بالمنازعات بين المرضى الضائعين مابين حالات ماقبل الشعور واللاشعور، أمثال رفعت الأسد وأبنائه وأبناء أخوته، وأبناء الرئيس، والحاشية الناهبة للوطن من حولهم، والسبب الأساسي للتكالب على الهيمنة بدون شعور نحو الوطن والمواطن، ومن وراء الضياع النفسي المرضي المسيطرة على هذه الزمرة والتي عزلتهم كلياً عن المجتمع، كان هاجس النهب لأموال هذا الوطن، مقابلها كان يقف مرض الهيمنة والإلوهية لدى الرئيس.
أنتقلت العائلة مع حاشيتها إلى مرحلة جديدة من الصراع، وطغت سويات متطورة من أساليب النهب والسيادة على موارد هذا الوطن، ومعها ظهرت إلوهية بنوعية مغايرة، فكان صراع من نوع مخالف بين العم رفعت الأسد الذي بنى أمبراطورية في الخارج من الأموال المنهوبة من الوطن، مدموجة بالحنين الدائم لأيام النهب والطغي، وبين أبناء الأخ الزعماء الحاليين على سوريا، والحاشية المحاطة بهم، حيث الإمتيازات اللامحدودة في النهب والسلب لمقدرات هذه الأمة، quot; رغم أنه هناك حديث يقال في دوائر البحوث العالمية للأقتصاد، بأن السيد رفعت الأسد وعائلته لايزال يحصلون على دفعات شهرية من السلطة السورية وبشكل منظم quot; ونادراً بل نادراً جداً ما كانت مصالح هذه الأمة تملك شعورهم الإنساني، ومن خلال قراءة ما يدور في شوارع المدن السورية من الجرائم، وما تقوم به العصابات المدربة والمسيرة من قبل ماهر الأسد، وما يقومون به شبيحته من الفظائع، ضد الوطن والمواطن المسالم الأعزل، تتوضح حقيقة وجود أمراض نفسية تنتشر بين أعضاء هذه العائلة وهي حالة الضياع في اللاشعور الغرائزي والذي يقاد من اللاوعي المرضي المشتت للنفس والمناقض للتفكير الشعوري، ويحاط بهم أو إلى جانبهم مجموعة من أعضاء هذه السلطة تائهة مثلهم، بين اللاشعور والكتمان على الشعور، رهبة أو لمصلحة ذاتية أنانية، ومقابلها التركيز الدائم لدى العم المنفي quot; جدلاً quot; والمركز على حالة ماقبل الشعور أو العودة إلى ذكريات الماضي التائه في اللاشعور، منها حالة ضياع الإحساس الإنساني لديه يوم تدمير حماه وجريمة القتل الجماعي لسجناء تدمر. وفي الطرفين المتنازعين من داخل العائلة وحاشيتهما، توجد حقيقة واحدة وهي سيطرة مرض النزعة اللاشعورية للزعامة والسيطرة، لا لخدمة الوطن بل لنهبه وسلبه.
لا نستبعد التفاقم في الهستيريا المرضية التي تعيشها السلطة ومعظم أعضائها في هذه الفترة الزمنية، حيث الثورة الشبابية السلمية، والتي خلقت قناعة ضمنية للعائلة وحاشيتها مع طاغيتها أياً كان بشار أم ماهر، ولأول مرة وعلى مدى نصف قرن بأن العرش بدأ يتهدم وليس فقط يهتز، ومن المتوقع في القادم من الزمن أن ينجرف اللاشعور بهم إلى ظهور جنون الإجرام بدون أي أعتبار للقيم والأعراف الإنسانية وبشكل أكثر فظاعة مما نراه، وإلغاء أي أعتبارات للعلاقات الدولية، ستكون سوريا حينها منجرة إلى حرب أهلية وربما اقليمية، أي الدمار والتدمير العشوائي لسوريا الوطن من قبل مرضى نفسيين، حيث لا مكانة للشعور الواعي في تفكيرهم وحيث اللاشعور المرضي والنابع من اللاوعي وحيث الضياع سيد العقل حينها. وقد شاهدنا حتى اللحظة بوادر هذا المرض في العديد من الأيام وفي كل الأفعال الفظيعة التي تقوم بها العصابات المدربة للحفاظ على هذه السلطة، وسمعنا إعلامها وهي تحاول خلق فتن طائفية وإثنية، بين المجتمع، وذلك إعتماداً على البنية الثقافية المشوه التي نشرتها السلطة الأسدية عن طريق إيديولوجية حزب البعث العنصرية وعلى مدى نصف قرن، وعلى النظام الفاسد بكليته الذي بني في سوريا الوطن.
في الحقيقة هذه السلطة لا تمت إلى الدكتاتورية ومفاهيمها، الدكتاتورية رغم الإجرام والترهيب والإستبداد، تبقى ذات بنية نوعية تعتمد في كثيره على شريحة من المجتمع وليس على مجموعة عصابات عائلية وأطراف من طائفة لعبَتْ هذه السلطة بمركز العقل لديهم ليطغى اللاشعور المرضي النفسي لديهم فتسخر قدرات شبابهم على هديها، إنها سلطة أقرب إلى اسلوب زعماء العصابات أو المنظمات الإرهابية، حيث التراكم المستمر في عمليات الإغتيالات وبناء معسكرات الإرهاب وتدريبهم، لبثهم في الأطراف وترهيب الآخرين عن طريق الإغتيالات الفردية، إضافة إلى خبرة العديد من زعماء هذه السلطة في تجارة المخدرات والتهريب لجميع أنواع البضائع التي كانت تمنع من دخولها بشكل منظم إلى سوريا للحصول على أعلى سوية من الربح، كل هذا أكسبت هؤلاء خبرة في تسيير السلطة بأسلوب زعماء تقليديين للجماعات الإرهابية أو زعماء لعصابات متخصصة في التهريب، رغم وجود إيديولوجية فكرية لحزب أعتبر بأنه عقائدي ودعم بشكل واسع في بدايات السلطة إلى أن همش مثله مثل جميع الأحزاب المشاركة نظرياً في الحكم أو الأحزاب الممنوعة الموجودة خارج السلطة، بل أصبح يستعمل البعث كقميص عثمان في المناسبات الضرورية، وهو الآن منزاح عن الساحة بشكل عملي وسينزاح بشكل كامل فيما إذا حافظ ذلك على بعض من أجزاء السلطة، لكن القناعة تكاد تكون تامة لدى السيد بشار الأسد وأخيه وحاشيتهما، قبل أن تكون لدى المعارضة السورية، بأن السلطة تنزلق إلى الهاوية، وبدأت تنهار، لذلك سيحاولون التمسك بحبال الإجرام قدر الإمكان، و بالتأكيد سيستعملون البعث كطعم.
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات