بعد انتقال موجة الثورتين التونسية والمصرية الى منطقة الشرق الاوسط واتساعها الى بلدان أخرى، ظهرت احتجاجات شبابية أيام الجمعة ببغداد في ساحة التحرير وبعض المحافظات الجنوبية، وتعاملت الحكومة العراقية بعنف مع هذه المظاهرات على الرغم من صغر حجمها، ولكن مخاوف انتقال العدوى والخوف من امتداد الاحتجاجات وتوسعها وفقدان السيطرة عليها ساعدت على قطع وعود كثيرة اطلقها نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء في شهر آذار الماضي وقد صدرت الوعود بشكل ورقة اصلاحات اعلنها الناطق باسم الحكومة وتضمنت اصلاحات ادارية وخدماتية وسياسية متعلقة بحياة المواطن العراقي.

ولكن المؤسف لحد الان، لم نلحظ اي جدية من قبل الحكومة لتنفيذ الوعود التي قطعتها على نفسها، ومازالت النقاط الواردة في ورقة الاصلاح تراوح في مكانها ولم تأخذ مجراها الى حيز التطبيق خاصة فيما تتعلق بالبطالة والخدمات وأزمة الكهرباء.

وبالرغم من الدعوات التي اطلقناها في مقالات سابقة بصدد تبني برنامج اصلاح فعال من قبل الحكومة لمعالجة الازمات والمشاكل العاجلة المتعلقة بحياة المواطنين، فان حكومة المالكي لم تقدر على فعل شيء فعال لمجابهة الازمات الخدماتية وتلبية المطالب التي رفعتها الجماهير الحاشدة في المظاهرات، وللتذكير فقد طرحنا اسسا عامة عاجلة للاصلاح أهمها: تبني الفكر الاقتصادي للدولة على أساس الاشتراكية الديمقراطية بوضوح تام وبيان المعالم الاساسية لها وفق اطر محددة ومفهومة ومقروءة لكل عراقي ومبنية على اسس قادرة على كسب المواطن لدعم وترسيخ الانتماء الوطني استنادا الى المباديء الاساسية للحرية والحقوق المدنية لضمان حياة الفرد والعيش بكرامة. وتبني برنامج خدمي شامل اعتمادا على رؤى وبرامج ومشاريع خدمية واجتماعية واقتصادية تقوم بها الدولة اعتمادا على كتل مالية وصناديق ممولة ممكن اطلاقها من خلال افكار مصرفية وتجارية واستثمارية وبمشاركة جماعية لكي تعود المنافع على المواطن بطريقة مباشرة. وتبني وثيقة لارساء العدالة الاجتماعية مستخلصة من دراسة الواقع الاجتماعي بموضوعية ورؤية واقعية للاستناد اليها للاسترشاد بها في تنفيذ الخطط والبرامج التي تقدم عليها الدولة اعتمادا على مبدأ اساسي هو رعاية المصالح العليا للعراقيين. وتبني رؤية عادلة ومنصفة لمعالجة ظاهرة الفروقات الطبقية الشاسعة البون للمستويات الاجتماعية والمعيشية والحياتية المتباينة التي ترسخت في الواقع بين أقلية ثرية فاحشة متسمة بالرفاه الجنوني وأغلبية فقيرة لا تتوفر لاغلبها ابسط مقومات الحياة ومنح هذه القضية الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع حقها في البحث والدراسة والمعالجة لانها بدأت تستفحل وتسبب مشاكل وازمات اجتماعية كبيرة.

والمشكلة في ادارة المالكي وحكومته هي منحها الأهمية القصوى للوزارات الأمنية والصراع السياسي مع القائمة العراقية وعدم منح اي أهمية للجوانب الحياتية والخدماتية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المواطن، وهذا ما ساعد على توسيع الهوة بين الحكومة والشعب، وبالتالي فقدان الاحساس بالآلام والمعاناة التي تعيشها الاغلبية الفقيرة من العراقيين ومنها مجابهتهم مع الحرارة العالية التي حملها صيف ساخن رمى بخيمته على الأجواء العراقية لتزيد من آهاتهم وصرخاتهم أمام آذان مغلقة بالشمع الأحمر للحكومة ولرئيسها ولوزاراتها.

والمعضلة الحقيقية ان المالكي ومجلس وزرائها لم يحاولا بذل مساع جدية للاكتفاء بحجم الازمات والمشكلات على حالها وبذل جهود حقيقية جادة للسيطرة على الوضع الحياتي والخدماتي عدا اجراء بعض التقدم الخفيف في الجانب الصحي والتحسن الطفيف في مفردات البطاقة التموينية التي كادت ان تزال من حياة المواطن في فترة الوزير الفاسد السابق المحسوب على حزب رئيس الوزراء، لأن الحالة التي تلت اعلان ورقة الاصلاح شهدت مصائب اكبر من سابقتها في الفترة الأخيرة منها: الكشف عن الصفقة الوهمية بأكثر من مليار ونصف دولار في وزارة الكهرباء وبتوقيع وزيرها لتأمين مولدات منتجة للطاقة الكهربائية من شركات وهمية، والكشف عن الفساد المتعاظم المرافق لعقود التراخيص النفطية برعاية المشرف على صناعة النفط العراقية والتي تشير التقارير الى ان العقود تضر بمصالح العراقيين على المديين القصير والبعيد.

ولا بد من الاقرار ان ورقة الاصلاح التي اطلقتها الحكومة مع بداية المظاهرات لتلبية مطالب المحتجين، تحمل نقاط جيدة لمعالجة الوضع الخدماتي المتدهور في العراق وتطرح معالجات جيدة للتعامل مع البطالة وتوفير فرص العمل وتلتزم بخطوات مناسبة للتقدم بالعملية السياسية لرفع حالة الأزمة المتواصلة التي يعيشها العراقيون.

ولأهمية الورقة نعيد التذكير بها لعل المالكي يأخذ بالحسبان اتخاذ خطوات عملية جدية لتطبيق وتنفيذ بنودها وفاءا للالتزام بتنفيذ الوعود التي اطلقتها الحكومة أمام العراقيين، والا فان المالكي وحكومته والرئاسة والبرلمان سينتظرهم ثورة عارمة للربيع العراقي ويومها لا ينفع الندم ولا الأسف.

وفي مايأتي نص ورقة الاصلاحات:

أولاً: الاصلاح الإداري:
1. تخضع التعيينات كافة في الدولة إلى ما وردَ في (قانون الموازنة) لسنة 2011 بضمنها إجراءات الاعلان والاختيار والتوزيع على المحافظات بصورة عادلة وشفافة وتخضع للمراجعة والتدقيق.
2. يُلغى كل أمر تعيين يحصل خلافاً للشروط والآليات المحددة ويتحمل الوزير أو رئيس الجهة مسؤولية ذلك.
3. لغرض تقوية الاداء في تشكيلات مؤسسات الدولة، واعتماد مبدأ التغيير في المواقع والمناصب؛ تُتخذ الإجراءات الآتية:
bull; إجراء عمليات نقل واستبدال بين المُدراء العامين والتشكيلات الأُخرى من قبل الوزير والوكيل المعني.
bull; اجراء تبادل المواقع بين المُفتشين العموميين في الوزارات باقتراح من اللجنة المختصة وموافقة دولة رئيس الوزراء.
bull; يراجع أداء المُدراء العامين والتشكيلات المهمة خاصة الخدمية أو التي تقدم خدمات عامة للمواطنين. وفي حال عدم قدرتهم من أداء العمل بكفاءة ونزاهة يتم إعفاؤهم من مناصبهم. وتشكل لهذا الغرض لجنة من الوزير والوكيل المعني والمفتش العام وممثلين عن ديوان الرقابة المالية والأمانة العامة لمجلس الوزراء لتقييم أدائهم وعرض التوصيات على دولة رئيس الوزراء ونوابه.
bull; تتخذ التشكيلات التي لها صلة بالمواطنين الاجراءات الفورية لتبسيط اجراءات المعاملات وانجازها بالسرعة اللازمة ودون ابتزاز أو رشاوى ويتحمل الوزير مسؤولية متابعة الالتزام بذلك.
4. يعتبر (الوزير) أو (رئيس الجهة) المسؤول الأول عن تحقيق النزاهة في التشكيلات التابعة له بمساعدة المفتش العام والاجهزة الرقابية وأخذ الاجراءات الصارمة بحق الفاسدين وإحالتهم إلى النزاهة.
5. إسراع مجلس النواب في المصادقة على مشروع الحكومة الذي تضمن تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة واعادة النظر بالامتيازات الأخرى.
6. الاسراع بانجاز مشروع (الحكومة الالكترونية) لتحقيق السرعة والنزاهة والشفافية في إنجاز المُعاملات.
7. تستحصل موافقة نائب رئيس الوزراء المختص على ترشيح الوزير لمن يتولى منصب مدير عام وكالةً.

ثانيـًا: إصلاح الخدمات العامة:
1. نظرًا لحاجة العراق الى مشاريع كبرى للنهوض بالواقع الخدمي والاقتصادي تقدم الوزارات المعنية بالتنسيق مع المحافظات مقترحا بشأن المشاريع المطلوبة التي تؤدي إلى تحسين الواقع الخدمي والاقتصادي ومنها مشاريع المجاري والمدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والزراعة والطرق والسكك وتنفيذها من شركات عالمية رصينة وبأسلوب الدفع الآجل.
2. تتشكل لجنة عليا برئاسة وزير المالية وممثلين عن وزارات النفط والزراعة والبلديات والأشغال العامة والسياحة والآثار وأمانة بغداد لتسهيل تخصيص الأراضي للمشاريع المقررة.
3. تخـول لجنـة الشـؤون الاقتصاديـة أو لجنـة الاعمـار والخدمـات أو لجنـة الطاقـة (للـوزارات المرتبطـة بهـا) الموافقـة علـى طلبـات الـوزارات والجهـات غيـر المرتبطـة بـوزارة عند الحاجة إلى استثناءات مُعينة من تعليمات تنفيذ العقود لغرض تسهيل إنجاز المشاريع.
4. يتولى الوزراء إيضاح وشرح خططهم ومشاريعهم للجمهور عبر القنوات الاعلامية، بضمنها المشاريع التي تنفذ عن طريق المُحافظات، وكذا الأمر بالنسبة للمُحافظين مع بيان مُدد التنفيذ، وتقديم تقارير دورية بذلك.
5. يتولى نواب رئيس الوزراء متابعة الوزارات في تنفيذها لمشاريعها، وبرامجها، وخططها، وتذليل العقبات التي تواجهها.
6. الطلـب مـن مجلـس النـواب الإسـراع في النظـر فـي مشاريـع القوانيـن ذات العلاقـة بالجوانـب الاقتصاديـة، والخدميـة، والإداريـة.

ثالثـًا: البطالـة:
قامـت الحكومـة العراقيـة خـلال السنـوات القليلـة الماضيـة بتعييـن نحو (2) مليـون فـي مؤسسـات الدولـة، واصبـح عـدد العامليـن فـي مؤسسـات الدولـة يفـوق حاجـة المؤسسـات ويُعتبـر واحـدًا مـن أعلـى المعـدلات فـي العالـم، وأن التوسـع فـي التوظيـف سـوف لـن يتـرك تخصيصـات للمشاريـع الخدميـة، لذلـك فـان معالجـة البطالـة تتـم مـن خـلال الإجـراءات الآتية:
1. الاسـراع في تنفيـذ المشاريـع الستراتيجيـة والكبـرى وفقـًا لمـا تـم ذكـره آنفـًا.
2. تفعيـل الاستثمـار فـي القطاعـات ذات الفـرص والمـردود الكبيريـن، ومعالجـة المعوقـات كافـة التـي تعتـري ذلـك ومنهـا تخفيـض نسبـة الاستـرداد مـن المستثمريـن، وتعديـل نظـام الاستثمـار وفقـًا لذلـك.
3. تقديـم مشـروع ( لتوسيـع شمـول العامليـن كافـة فـي القطـاع الخـاص، والعامليـن لحسابهـم الخـاص، وأصحـاب المهـن والحـرف) بقانـون الضمـان الاجتماعـي، واستيفـاء الاستقطاعـات اللازمـة وفقـًا لنظـام يصـدر لتنظيـم ذلـك.
4. قيـام وزارتـي ( التعليـم العالـي والبحـث العلمـي )، و(التخطيـط ) بدراسـة مخرجـات التعليـم مـن الاختصاصـات، لغـرض تقليـل الاختصاصـات الفائضـة، وزيـادة الاختصاصـات التـي يكـون عليهـا طلـب.
5. تقديـم مشـروع ( قانـون لتعديـل قانـون التقاعـد) مـن شأنـه تشجيـع ذوي الخدمـة الطويلـة، والاعمـار المُتقدمـة للاحالـة إلـى التقاعـد.

رابعـًا: الاصلاح السياسي:
1. الاسراع في تشريع (قانون الأحزاب).
2. دراسة إمكانية تقديم موعد انتخابات مجالس المُحافظات.
3. إلغاء المجالس البلدية الحالية، وإجراء انتخابات بأسرع وقت.
4. تدعـى الكتـل السياسيـة كافـة المشتركـة فـي العمليـة السياسيـة إلـى عقـد اجتمـاع لدعـم وتنفيـذ مـا وردَ فـي هـذه الورقـة.
5. إجـراء التعديـلات المناسبـة علـى ( قانـون المُحافظـات غيـر المنتظمـة فـي إقليـم ) رقـم (21) لسنـة / 2008 بمـا يضمـن الوضـوح فـي تحديـد صلاحيـات السـُلطــات المحليـة، وعــدم تـقاطـعهـا مـع اخـتـصاصـات السـُلطــة الاتحاديـة.

كاتب صحفي ndash; بغداد
[email protected]