تضم شبكة الإعلام العراقي كفاءات إعلامية من ذوي الخبرة تقع على عاتقهم بلورة سياسية إعلامية رصينة ومستقلة. وليس ثمة شك في ان المسؤولية الملقاة على عائق الأعضاء مسؤولية جسيمة، وهم وحدهم يتحملون مسؤولية الإخفاقات والنجاحات، مما يترتب عليهم احتساب كل خطوة أو نقلة في السياسة الإعلامية.

لكن المشكلة في الشبكة هي تلك التدخلات السافرة وغير المشروعة للمستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، على الموسوي، ومحاولته فرض وصايا ونصائح، حتى بدت الشبكة كما لو انها تدار، بالتلفون عبر مديرها العام عبد الكريم السوداني.

والحقيقة ان هذه ديدن quot;مستشاريquot; بعض السياسيين في العراق الذين يعتقدون ان مناصبهم، تمكنهم من quot; توجيه quot; الآخرين، مستغلين علاقتهم المباشرة بالقيادات العليا في الدولة أبشع استغلال.

ولعل التاريخ يعيد نفسه في محاولات التدخل السافر في شؤون الشبكة بالريموت كونترول، فقد تعرضت استقلالية الشبكة للاهتزاز أيضا حين تدخل يومها المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري وأقال الكاتب والإعلامي العراقي محمد عبد الجبار الشبوط من رئاسة تحرير جريدة quot;الصباحquot;، مما شكّل وقتها انتهاكا كبيرا لاستقلالية الشبكة ومحاولة استغلالها لأغراض سياسية ضيقة تخدم جهة معينة، وهذا ما واجه رفضا من بعض أعضاء الشبكة ومنهم الأستاذ الشبوط الذي آثر الابتعاد عن مهامه في الصباح عن أن يكون وسيلة تسخّر عبرها أجندة هذا وذاك.

ان ما يحصل اليوم من تدخل سافر وغير عادل، من قبل على الموسوي في شؤون الشبكة، هو صورة طبق الأصل للتدخلات غير المبررة لمستشار الجعفري في صحيفة الصباح حين كان يترأس أجندتها محمد عبد الجبار الشبوط، فقد حاول المستشار تحويل الجريدة الى ناطق بلسان رئيس الوزراء العراقي، بل ناطقا عن الحزب الذي ينتمي اليه.
وهكذا بالنسبة للشبكة اليوم، فثمة محاولات سافرة في التدخل في تسيير أمورها من قبل علي الموسوي، لفرض أجندة معينة حتى بالتلفون، وبطريقة لا يرضى عنها بالتأكيد رئيس الوزراء ولا أعضاء الشبكة الذين يبدون امتعاضا مما يحصل في كل مرة.

ان شبكة الإعلام العراقي لا يمكن ان تتحول في كل الأحوال الى هيئة ذيلية تدار بالاوامر الارتجالية وغير المدروسة من قبل الموسوي.
كما لا يمكن لها ان تكون صورة لمزاج المستشار المتغير في كل يوم، لان ذلك سيجعل منها ألعوبة، بيد هذه وذاك في وقت ينتظر منها العراقيون الكثير بعدما قدمت الكثير من الانجازات في مجال السياسة الإعلامية التي خدمت الاستقرار والوحدة الوطنية في العراق، كما لا يمكن للشبكة ان تدار من قبل الموسوي وكأنها صحيفة او هيئة تابعة للحزب الذي ينتمي اليه، مع الاعتزاز بالحزب ودور الجهادي، وبالتأكيد فان اغلب أعضاء الحزب ومناصروه ينتقدون التصرفات الارتجالية لمستشار المالكي الذي يشوه بسلوكياته صورة حزب الدعوة نفسه.

وليس ثمة برهان أدل مما كتبه وهو احد الصحافيين العراقيين الذين عملوا في جريدة الصباح، عن دور محمد الشبوط في تأكيد استقلالية الصباح حيث يقولquot;.
الخط الإعلامي الذي اختطه محمد عبد الجبار، قد ترسخ من خلال العمل المستمر، سواء كان بطيئا او متعثرا إلا انه اخذ مسارا متصاعدا وملموسا، فهو يؤكد و يشتغل بدأب على ان جريدة الصباح تابعة للدولة كونها من المال العام، وليست تابعة للحكومة الا بالقدر الذي يجعل انجازات الحكومة، تظهر كمكتسبات داخل عملية الإعلام الحر المسئولquot;.
ان التعريج على موضوع جريدة الصباح ضروري لكي نركز على موضوعة أن التاريخ يعيد نفسه اليوم في التدخل في أمور الشبكة quot;..كمحاولة لنزع استقلاليتها.

فعلى رغم الانجاز الكبير الذي قدمه الشبوط للصباح فقد أسفرت تدخلات مستشار الجعفري ( البعض ينسبها الى خلافات تعود الى عقدين من الزمان بين الرفاق في حزب الدعوة) الى فرض قرار تعسفي صدر عن شبكة الإعلام العراقية يتضمن إقصاء محمد الشبوط، العام 2005، وبلغ التعسف الى الحد الذي مُنع فيه الشبوط حتى من كتابة افتتاحية اليوم التالي، مما يدلل على حجم quot;الحقدquot; الذي يكنه بعض quot;الرفاقquot; لبعضهم.

إننا اليوم أمام لحظة فاصلة، وهي ان لا يرى السياسيون في مراكز القرار الأمور عبر مستشارين يحاولون إقامة تحالفات سرية ويحجبون الحقائق بحيطان المصالح الشخصية والمغالطات ويرسمون صورة مشوهة للسياسي بريشة المزاج المتقلب.

والكل يتذكر انه بعد رحيل الشبوط من الصباح ظهرت الجريدة في اليوم التالي وقد تصدرت صورة الجعفري صفحتها الأولى، لتجسد نهاية استقلالية ظلت محافظة عليها طيلة فترة رئاسة الشبوط، لكنها وُأدت على يد المستشار الإعلامي الذي سعى إلى تسخير الجريدة لأغراض حزبية ضيقة، تماما مثلما يفعل مستشار اليوم وهي يحاول تطويع شبكة الإعلام لتوجهاته وأهواءه.