بدون مقدمات ولا مدائح للؤلاء الشباب المصريين العظماء الذين لووا عنق التاريخ وجرجروا واحدا من أكباش النظام العربي الجاثم على صدور الملايين، وأذلوا واحدا من الأباطرة الآخرين، ولو أنه أقلـُهم استهتارا بشعوبهم وعبثا بقيمها وأرزاقها وكراماتها وحرياتها.

والعنوان الاستفزازي الذي اخترته لهذه المقالة حقيقي وأعنيه بجد. فهو بريء كل البراءة ما دام رفاقه طلقاء، وما زالوا يرتكبون جرائم أكبر وأخطر كثيرا من جرائمه التي يحاكم عليها هذه الأيام.

لم يعمل بالمثل القائل: )إذا ضربت فأوجع، فإن الملامة واحدة(، أو القائل: )إذا عشقت إعشق قمر، وإذا سرقت إسرق جمل(.

تأملوا معي التهم التي أحيل السيد الرئيس على أساسها مع ولديه، قصي وعدي، وباقي حاشيته، علي كيمياوي وعبد حمود ووطبان وسبعاوي وطارق عزيز.

أولا: قطع الهاتف والإنترنيت. وقد سبق للمحكمة أن أصدرت عليه حكما في 28 ايار/مايو الماضي بتغريمه مع وزيرين سابقين آخرين من وزرائه مبلغ 90 مليون دولار للتعويض عن أضرار لحقت بالاقتصاد، نتيجة قطع خدمات الهاتف والانترنت خلال الثورة المصرية.

طبعا لم تضم المحكمة إلى قرارها حجم الأضرار التي ألحقها ذلك القطع بمصالح المواطنين وحرياتهم وكراماتهم وأرزاقهم. ولم تأمر بتعويض المتضررين.

ثانيا: القتل العمد والشروع فى قتل بعض المشاركين فى التظاهرات السلمية فى ثورة يناير 2011، بالتعاون والتنسيق مع وزير داخليته حبيب العدلي ومساعديه.

وأكدت النيابة أن المتهم ومساعديه حرضوا بعض الضباط وأفراد الشرطة على إطلاق الأعيرة النارية من أسلحتهم على المجنىي عليهم من شهداء الثورة، ودهسهم بالمركبات، لقتل بعضهم ترويعا للباقين، وإجبارا لهم على التفرق، وثنيا لهم عن مطالبهم وضمان استمراره فى الحكم، مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى من بين المتظاهرين.

ثالثا: التربح واستغلال النفوذ والإضرار العمدي بأموال الدولة، والحصول على منافع وأرباح مالية، له ولولديه وآخرين من المقربين إليه.

فبصفته رئيسا للجمهورية قبل وأخذ لنفسه ولولديه علاء وجمال عطايا ومنافع عبارة عن laquo;قصر على مساحة كبيرة، وأربع فيلات وملحقاتها بمدينة شرم الشيخ تصل قيمتها إلى 40 مليون جنيهraquo; بأثمان صورية، مقابل استغلال نفوذه لدى السلطات المختصة، بأن مكن المتهم حسين سالم من الحصول على قرارات تخصيص وتملك مساحات من الأراضى بلغت ملايين الأمتار المملوكة للدولة بمحافظة جنوب سيناء، في المناطق الأكثر تميزا فى شرم الشيخ.

رابعا: وجهت النيابة لمبارك تهمة الاشتراك مع وزير البترول الأسبق سامح فهمى وبعض قيادات وزارة البترول والمتهم حسين سالم السابق، وأحالتهم للمحاكمة الجنائية laquo;باعتبارهم فاعلين أصليينraquo; فى ارتكاب جريمة تمكين حسين سالم من الحصول على منافع وأرباح مالية بغير حق تزيد على ملياري دولار، وذلك بإسناد شراء الغاز الطبيعى المصرى للشركة التى يمثلها، ورفع قيمة أسهمها وتصديره ونقله إلى إسرائيل بأسعار متدنية أقل من تكلفة إنتاجه، خلافا للقواعد القانونية واجبة التطبيق، مما أضر بأموال الدولة بمبلغ 714 مليون دولار تمثل قيمة الفرق بين سعر كميات الغاز التى تم بيعها لإسرائيل وبين الأسعار العالمية.

هذه هي التهم، وبس. وكما تون فهي تهم تافهة وصغيرة لا تستحق كل هذه الطنطنات التي رافقت أول أيام المحاكمة. إنها جرائم غبية وجبانة لم تصل إلى شجاعة رفاقه الحكام الآخرين في محو مدينة، بكامل أهلها وأبنيتها وعصافيرها وحتى صراريرها وديدانها. ولم ولن تصل إلى سحق الجثث والسيارات والمنازل على رؤوس أصحابها بالدبابات والمدافع والصورايخ. وحتى ما فعله في ساحة التحرير ليس عملا ذا قيمة يرقى إلى بطولات رفاقه الحكام الآخرين. فهو لم يفعل شيئا فريدا ولا غريبا ولا وحشيا أبدا. فكل ما فعله أنه أركب حفنة من البلطجية على بعران وبغال وحمير، وأمرهم بالهجوم على المتظاهرين بالعصي والسيوف، لأقل من ساعة، ثم هربوا مذعورين خوفا من الجماهير. فأين هؤلاء من شبيحة الرئيس الصامد المتصدي القومي العظيم بشار الأسد وكتائب أمين القومية العربية معمر القذافي وهم يحاصرون قوات الجيش ويطلقون الرصاص الحي على من يحاول أن يمتنع عن دهس النساء والشيوخ والأطفال الأبرياء بدباتهم أو رجمهم بصواريخهم؟ وأين هذا أيضا من هؤلاء الشبيحة الذين يتمركزون على أسطح المنازل والبنايات العالية لاصطياد المتظاهرين كالعصافير، والتصويب على رؤوسهم لإثبات شطارتهم في الرماية المتقنة؟؟

وكيف توضع هذه الجرائم كلها إلى جانب شجاعة الحاكم العربي وهو يأخذ اقتصاد بلده كله إلى قصره، ويطلق فيه يديه وأيدي أولاده وإخوته وأبناء أخواله وأعمامه وعشيرته الحاكمة؟

نحن لدينا حكام أذكى من مبارك بكثير. شطار الشفط واللهط والاختلاس والقتل والفتك والدهس والاغتيال وقطع الأعناق والأرزاق والكهرباء والهاتف والإنترنيت، متى شاؤوا، ولا أحد من الرعية المُعذبة يفتح فمه شاكيا، ولو همسا، من شدة البرد وقسوة الحر وقلة النصيب.

في العراق نحن بدون كهرباء من أول نيسان/أبريل 2003 وإلى اليوم. وبدون كهرباء لا يعمل أي شيء. لا في المنزل ولا في العمل. المنازل معطلة. وسائل التدفئة والتبريد متوقفة. والمواصلات شحيحة. ومحطات الوقود خاوية. وكل شيء متوقف ومحدود الحركة. والرئيس وأعوانه ومستشاروه في أمان ورضى وهناء. وحده لديه كل شيء. المال كله، والماء كله، والهواء والكهرباء. ولا أحد يشكو أو يثور. فالناس عندنا فقدت الحس، يئست من العدالة، وتخاف على لقمة العيش، وهي قليلة إلا على الرئيس وأسرته وحزبه ومساعديه.

سجونهم تغص بالضيوف، من جميع الأعمار والألوان والأحجام والأجناس. بعضهم يختطف من أهله في عز النهار، ثم يغيب وتختفي آثاره، ولا يجرؤ أحد من أهله على السؤال عنه وعن مصيره المريب.

أما أنواع التعذيب الحديثة لدينا فيخسأ يزيد والحجاج وزياد بن أبيه وأبو أبو العباس السفاح وأبو حعفر المنصور وهارون الرشيد وصدام حسين. فحكامنا الأشاوس تفوقوا عليهم جميعا بما منحتهم إياه تكنلوجيا العصر التي أعانتهم على ابتكار أنواع جديدة متطورة من آلات القطع والنفخ والتذويب بالأسيد لم يكن يحلم ببعضها أيٌ من أؤلئك القتلة العظماء الخالدين.
ومع كل هذا النعيم لا تجد منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية داعيا للكلام. ولا الأمم المتحدة تجرؤ أو تستطيع أن تردع أحدا منهم عن دهس شعبه الآمن الأعزل بدبابات الجيش. ولا يسارع رئيس، لا غربي ولا شرقي، إلى مطالبة القاتل بالرحيل، إلا إذا صار النفط وأمن إسرائيل مُهددا بشكل أو بآخر.

في كل تهمة كان يسردها قاضي محكمة الريس في القاهرة كان يشير بإصبع الإتهام إلى كل حاكم عربي آخر، في كل دولة عربية أخرى، إياك أعني واسمعي ياجارة.

محاكمة الريس حملة تثقيفية عظيمة ورائدة للجماهير العربية في كل مدينة وقرية تعلمهم مراقبة ما يفعل الحاكم وأولاده وأبناء أخواله وأعمامه، وتجعلهم يضحكون كثيرا سذاجة حسني مبارك وسطحية جرائمه وقلة موهبته في الاختراع. فقد سرق ملايين وغيره مليارات. وقطع الهاتف والكهرباء والإنترنيت لساعات أو لأيام، وسواه قطعها شهورا وسنوات، وما زال يقطعها إلى اليوم بحكم الضرورة ولخدمة الأمن العام والحفاظ على استقرار الوطن وراحة المواطنين.

وهو قتل عشرات فقط من المعارضين. وفي رقبة أي واحد من رفاقه الحكام الآخرين مئات وآلاف القتلى والمفقودين والمشردين والمهجرين والمطاردين.

وهو كان له حزب وأمن وجيش، وكان يظن أنه ملك الوطن بها وإلى الأبد. فتبين أنه غشيم. فقد انقلب عليه جيشه، وتفتت حزبه وهرب رجال أمنه من الساعات الأولى للمعاصفة. ولكل واحد من رفاقه الحكام أحزاب ومنظمات ومليشيات مشتراة ومقتناة خصيصل للقائد وحده، مسلحة ومجهزة وعلى أهبة الاستعداد لوأد أي انتفاضة أو تمرد سواء من الشعب أو الجيش. أما الدولة وأما أهلها ودستورها وبرلمانها فليست أكثر من قطع أثاث من لزوم الشيء.

أنا على ثقة من أن كل من شاهد محاكمة الرئيس في القاهرة يوافق على عنوان مقالتي. فهر بريء بريء وإلى آخر نفس.