الوضع السياسي العام فى العراق يسير من سيء الى أسوأ. وفى كل صباح تقريبا تخرج علينا الصحف بتهديدات يومية من القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي للحكومة التى هى جزء منها حيث أن للقائمة فى الحكومة نائبا لرئيس الجمهورية ونائبا لرئيس الوزراء وأحد عشر وزيرا فى الوزارة، عدا المناصب الأخرى الكثيرة. ونجد الكثير من الموظفين فى دوائر الدولة من المنتمين لهذه القائمة يفعلون كل ما يمكنهم لعرقلة أعمال الحكومة وخاصة تحسين الوضع الاقتصادي والخدمي لإظهار الحكومة وكأنها عاجزة عن العمل على إعادة إعمار البلد وإشاعة الأمن والسلام فى ربوعه. لا بد للسياسي أن يكذب ويراوغ فهذا جزء من عمله، ولكن أن يكون الكذب والمراوغة ضد مصلحة الشعب فهذا غير مقبول بتاتا. وكذلك كيل التهم جزافا لا يقوم بها الا الضعفاء العاجزون. وكما أن هناك قوانين لحماية المعارضة فهناك قوانين لمحاسبتها إذا ما اشتطت وانحرفت عن الطريق الصحيح وتسببت فى أضرار للبلد.


لا أجد فى الهجمات المستمرة اللاعقلانية من العراقية ومن كتل أخرى وحتى من داخل الائتلاف الوطني على الحكومة الحالية المنتخبة إلا محاولة يائسة للاستيلاء على الحكم بأي ثمن واي طريقة كانت. إنهم يتصرفون وكأن الحكم مكسبا وليس تكليفا، ولو كانوا يتسابقون لخدمة الشعب لم يلمهم أحد، ولكن على ما يبدوا أن لهفتهم على استلام الحكم جعلتهم يبدون وكأنهم من بلد آخر وليس من العراق.

نشرت ايلاف اليوم 8 اغسطس /آب 2011 خبرا بعنوان: العراقية: (الالتفاف على مجلس السياسات إعادة للدكتاتورية.) جاء فيه: وشدد عاشور على ان مجلس السياسات سيكون له دور في رسم رؤية صناعة عراق جديد وهو طريق لتحقيق الشراكة.. وحذر قائلا quot;ان اي محاولة لتذويبه والتحايل عليه يعبر عن عدم وجود نوايا للشراكة والثقة وان هناك من يأخذ العراق لطريق مسدود ويعيد الدكتاتورية المقيتة التي عرف الناس نهاياتها بوضوح وان لعبة التعقيد من خلال التفاصيل اصبحت مكشوفة النوايا ومن يراهن على اللعب لضمان السلطة الوهمية انما يلعب للخسارة فقط.quot;.

ارى وكما يرى الكثيرون غيرى أن مجلس السياسات كما تريده العراقية سوف يكون حكومة أخرى للعراق، والمضحك أنهم يتكلمون عن (الترشيق) ويريدون حكومة إضافية!!!. ويتحدث عاشور كما يتحدث زملاءه فى العراقية ليل نهار عن حكومة الشراكة الوطنية، وينسون المثل القائل : كثرة الملاحين أغرقت السفينة. والعراق اليوم غريق للرقبة ومجيء حكومة أخرى سينهيه. هل أن دول العالم المتقدم أخطأت أن لها حكومة واحدة، والمعارضة تراقب الحكومة من موقعها بالبرلمان؟ هل اكتسبنا معرفة بالديموقراطية أكثر من بريطانيا والسويد وسويسرا وفرنسا والولايات المتحدة؟ لا أدرى لماذا أتخيل العراق فريسة تنهشها الذئاب باسم الشراكة.

فى يوم 28 تموز/يوليو صرح أحد الناطقين باسم العراقية السيد حيدر الملا للصحف أن إرادة علاوي قد انتصرت على ارادة المالكي عندما صوت مجلس النواب فى صالح المفوضية. لقد مدح الملا المالكي من حيث اراد ذمه، فلو كان المالكي ديكتاتورا كما تصفه القائمة العراقية وباقى الجوقة التى أفشلت الغاء المفوضية، لكان المعارضون اليوم فى اعماق السجون. إن موضوع المفوضية قد كشف عن تصرفات صبيانية لا تصدق من البعض، وأستطيع أن أقول انها نوع من الغيرة والحسد والانانية ليس إلا.
أرجو أن لا يظن البعض أننى أدافع عن المالكي، هذا وان بدا لهم ذلك فهو ليس صحيحا البتة. لقد ارتكب المالكي كثيرا من الأخطاء، فهو بشر، ومن من البشر لا يخطىء؟ أرى ndash;وقد أكون مخطئا- انه لم يتخلى للسيد علاوي عن كرسي رئاسة الوزراء بعد ان فاز هذا بأكثر الأصوات، وفضل تشكيل جبهة تضم أحزابا وكتلا أخرى ففاز على العراقية. ومن الواضح لو كان قد تنازل لعلاوي عن الرئاسة لما استطاع هذا الحصول على الأغلبية البرلمانية ولسقطت وزارته خلال الاسبوع الأول، إلا اذا كان السيد علاوي ينوى الانقلاب والاستيلاء على مقاليد الحكم بيد من حديد وإخماد أصوات المعارضة على طريقة (قص راس وموت خبر)، وهي الطريقة المحببة لأصحابه القدماء من البعثيين. ومن يدرى فلربما خطر هذا الأمر للمالكي أيضا فلم يشأ أن يسمح للحكم البعثي أو شبيهه بالعودة الى التسلط على رقاب العراقيين.

لعل العراقيون يتذكرون يوم أن قام الأمريكيون قبل غزوهم للعراق بدفع مبلغ حوالى مئة مليون دولار للمقاومة فى لندن، فكان جواب صدام المقبورأن تبرع مثل ذلك المبلغ لمدينة نيويورك ردا على الأمريكان. فى تلك الأيام كانت المعارضة العراقية فى لندن (والكل يعرفون من هم) يعيشون فى بحبوحة من العيش وتشهد على ذلك سياراتهم الفارهة والساعات السويسرية الذهبية وينزلون فى فنادق من درجة خمسة نجوم، وفى الوقت نفسه كان المالكي فى بلاد الشام يبيع السبح والخواتم ليكسب قوت يومه كما يقول خصومه ويعيرونه على ذلك!!.
أما حديث الكتلة الصدرية فهو حديث ذو شجون. لم يكن أحد من العراقيين يعرف السيد مقتدى قبل سقوط الحكم البعثي ولكننا سمعنا به بعد أن ارتكب مؤيدوه جريمة قتل السيد مجيد الخوئي، وقام اولئك المؤيدون بإرعاب العراقيين سنة وشيعة وقاموا بأعمال يندى لها جبين الانسانية. فلم يكن بدا من ايقافه عند حده، فقامت قطعات من الجيش العراقي وبمعاونة الجنود الأمريكان بمطاردة أنصارمقتدى فى البصرة بإشراف السيد المالكي، ففر مقتدى الى ايران تاركا أتباعه لمصيرهم من قتل وحبس، وأشاع أنه عاد الى قم لأتمام دراسته الدينية. مكث فى قم حوالى اربعة سنين وعاد الى العراق بعد أن وعد بتجميد جيشه (جيش المهدي)، وأفرجت الحكومة العراقية عن أكثر أعوانه المسجونين إعتمادا على وعوده بعدم العودة لتصرفاته الصبيانية، ولحصول كتلته على 39 مقعدا فى البرلمان. وما ان استقر به المقام حتى بدأ يهدد بمسيرات ومظاهرات مليونية، وعادت حليمة الى عادتها القديمة. فهو تارة يقول -على لسان أتباعه- انه لا يريد أن يبقى الأمريكيون فى العراق وتارة أخرى يؤيد بقاء مدربين أمريكان. واليوم (7 آب / اغسطس) طلع علينا بتصريحات نارية نشرتها ايلاف بعنوان: الصدر : سنعامل المدربين ألامريكان كمحتلين ونعيدهم بالتوابيت. وقال الصدر ان تصريحات quot;وزير دفاع دولة الاحتلال الأميركي الجديد ليون بانيتاquot; حول موافقة الحكومة العراقية على بقاء بعض القوات quot;خيانة للشعب العراقي والمقاومة ونصرة للكافرين على المؤمنين في حال موافقة الحكومة العراقية عليهاquot;. ويظن السيد أنه قد هز أمريكا بتهديده هذا كما هزها صدام !!!.

واضاف الصدرquot; أتمنى أن لا يكون ذلك التصريح جاء بعد موافقة الحكومة العراقية، ففي ذلك خيانة للشعب وللمقاومة، وفيه نصرة للكافرين على المؤمنين، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاquot;. ولم يفسر لنا السيد هذه الآية الكريمة (آية 141 سورة النساء)، وكلنا يرى دولة يهودية فى قلب الوطن العربي والاسلامي وقد مضى على تأسيسها أكثر من ستين عاما وفى كل يوم تزداد عتوا، فمن فتح لها السبيل؟

إن كان السيد مقتدى وطنيا كما يدعى فليتركنا ويعود لاكمال دراسته فى قم ويعود الينا عالما مجتهدا لعله يفيد الناس بشيء بدلا من التدخل فى السياسة فيسبب الصداع للجميع، او يبقى فى قم ويبقى حارث الضارى فى الحجاز وينضم اليهما باقى رجال الدين الذين أصبحوا ساسة آخر زمان.

عاطف العزي
[email protected]