الجزء الأول

رغم ظهور الديمقراطية ككلمة، مع أسم أول حزب كردي في كردستان، بشكل عام،، كتوضيح وتثبيت مبدأ، ونوعية منهج، في بدايات تأسيسه، والتأكيد على المبادئ الوطنية الديمقراطية في معظم أدبياتهم، إلا أن أغلبية إدارات الدول العظمى quot; نذكر الإدارات كمواقف رسمية وليست مجاملات سياسية عابرة quot; حاربت الحركة الكردية السياسية بشكل أو آخر، ولا يزال البعض يؤكدون على رؤيتهم التشكيكية حول الشعب الكردي وحركته، منهم يجدونها كقوى إشتراكية أو يسارية متهمه بمناهضة الدول الرأسمالية الديمقراطية، أعتماداً على مناهج لبعض الأحزاب الكردية، مرافقة لما ذكرناه، نسخت من منهاج الأحزاب الشيوعية في المنطقة. ومنهم يجدون الحركة الكردية قوى إنفصالية تحارب السلطات المحلية quot; الإشتراكية! quot; أو المساندة للتيار الإشتراكي. وعليه أدرج المجموعة الأولى بعض من الأحزاب الكردية في سجلاتهم كحركات إرهابية، والآخرين ألبسوا القضية الكردية شبح التعتيم السياسي والإعلامي المطلق، لذلك أصطدم الكثيرون من الكرد بصعوبة الوصول إلى محافل تلك الدول. الجفاء جار حتى اللحظة، وكثيراً ما تتلكأ المحاولات أثناء عرضهم لقضيتهم، أو عند تقديم لوبي كردي في الحصول على دعم لمسيرة نضالهم من الدول العظمى تلك.

لهذا التصنيف أوالتعتيم أو التجافي أسبابه الموضوعية بل الأهم هي الذاتية، ففي الواقع العملي لا يزال العديد من السياسيين والمثقفين المستقلين مع الحركات السياسية الكردية يتلكأون عند تبيان مواقفهم من مراحل تلك المسيرة الفكرية النضالية المحيرة والتي قوبلت بالمعاملة الخاطئة من القوى الإشتراكية السابقة قبل الرأسمالية، ورغم مساندتهم الشبه المطلقة لذاك المعسكر ولعقود طويلة، والتي لم تجلب سوى الجفاء المطلق، إلا أنهم لا يزالون بعيدين عن التفكير في إعادة النظر في مناهجهم وإعادة تقييم لأرائهم وتحليلاتهم وبعض الأدبيات التي تطرح بين حين وآخر. لكنهم في الوقت نفسه وحتى اليوم ينظرون بعين العداء المليء بالشك والريبة إلى منظومة الحداثة الرأسمالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية، من خلال منظار الفكر الإشتراكي أو اليساري الكلاسيكي السابق الذي لم يثمر يوماً من على أرض كردستان، في الوقت الذي تخلى رأس الحربة quot; الإتحاد السوفييتي quot; عنها ومنذ عقدين.

رغم حصول تحويرات جدية وبنيوية في المفاهيم والفكر الإشتراكي واليساري، وتطبيقاتها العملية، خاصة في العلاقات الدولية السياسية والإقتصادية، ورغم أن أغلبية الدول والمنظمات العالمية بدأت تنظر إلى بنية هذه العلاقات من خلال مصالحها الذاتية، إلا أن الحركات الكردية لا تزال تتمسك بهذه المفاهيم في دورياتهم الأدبية أو في تحليلات أغلبية قياداتها كشماعة فكرية لا يستطيعون أن يأتوا بغيرها، وكأنهم لا يملكون قدرات التلائم بينها وبين الظروف الدولية الجارية، أو كأن الدبلوماسية والتكتيك السياسي المرحلي لم ينضج بعد كمفهوم لدى الحركة الكردية، في الوقت الذي يفترض فيه، وفي هذه المرحلة التاريخية النادرة، التأكيد على تثبيت النهج quot; القومي الديمقراطي quot; أو quot;الوطني الديمقراطي quot; والتي هم بذاتهم يثبتونها بشكل نظري في مناهجهم الحزبية إلى جانب المفاهيم السابقة، وتحليلات البعض من القادة السياسيين لا تتعرض إلا إلى الجانب المعادي لمنظومة الحداثة الرأسمالية، حتى ولو خرجت من ذاك النطاق فإنها تظهر بشكل خجول، وخاصة لدى البعض من مثقفي الحركة الكردستانية، فهو تعارض واضح بين دراساتهم الأدبية وتحليلاتهم الإعلامية للعلاقات الدولية الحالية ومواقفهم منها، وعليه يجب أن تركز الإنتباه وفي هذه المرحلة التاريخية بالذات، على محاولات خلق التلائم بين المناهج بشكل عام والمفاهيم الجديدة والمواقف العملية من العلاقات الدولية، والإنتباه لإزالة التعارض الواضح بين النظرية والعمل، وعدم الإنجراف إلى حالات التناقض التي تخلق نفوراً لا داعي له أثناء التصريحات أو التحليلات، كما ويجب توجيه الرأي العام والقلم الكردي ونضال الكرد إلى العدو المباشر، أي السلطات الدكتاتورية الحاكمة لكردستان. ولا أقصد هنا التخلي عن المفاهيم quot; الاشتراكية quot; بل يجب خلق التجانس بينها وبين المفاهيم الوطنية الديمقراطية الحديثة، التي يؤكدون على نهجها كمفهوم ومبدأ عصري للأحزاب، تلائماً مع التطورات الجارية في المنطقة والعالم.

قبل فترة ظهر تحليل سياسي فكري، تعرض المحلل إلى جوانب الثورات الشبابية الجارية، ومفهوم منظومة الحداثة الرأسمالية وتدخلاتها في المنطقة، ربط بينهما من عدة أطراف، كان غير منطقي في بعضه وخاصة محاولة شرحه لتدخلات دول المنظومة على التطورات الحالية. كما أشرك في التحليل حراك منظومة الحداثة الرأسمالية الحاضر والتخطيطات المستقبلية، الذي بحث فيه القائد عبدالله أوجالان في مجلدات مرافعاته وببعد نظر، لكن المحلل لم يوفق في بعضه، لقد نبش السيد أوجالان هذا الحراك كمفهوم وقوة رأسمالية أستغلالية حديثة للإقتصاد العالمي، وماورائه، وبدراسة منطقية، علماً بأن السيد أوجالان يحلل نظام الحداثة الرأسمالية وغاياتها، كواقع لا بد منه، فرض على المنطقة والعالم، مع الكثير من التبيان والتوضيح، والعديد من الخفايا التي تقف وراء هذه السلطة الإقتصادية العالمية وأسباب ظهورها، كما بحث في تراكم quot; السلطة quot; من وراء تراكم quot; الرأسمال quot; ووقف طويلاً على أدوار السياسة وأساليبها، ونحن هنا لسنا بصدد البحث في هذا الموضوع الذي يحتاج إلى دراسة واسعة. لكننا بصدد الفكرة التي نطرحها، وهو أن البعض من الإخوة وأعتماداً على تؤيل غير دقيق لتلك الدراسات، ينزاحون إلى خلق أعداء من خارج الواقع الكردي ونضاله، وتوسيع الهوة بين الكرد والقوى العالمية التي من الأفضل كسب جانبهم كأصدقاء وليسوا كأعداء، على مبدأ quot; الإيمان quot; بالقومية الديمقراطية أو الوطنية الديمقراطية العصرية بمفاهيمها، وليس quot; التعامل quot; مع الواقع من الخلفية الفكرية الماضية المنبثقة من البنية الإشتراكية والمفاهيم اليسارية الكلاسيكية، وكأننا أمام تناقض واضح في التعامل مع السياسة والمجتمع والفكر. وعليه ركز السيد أوجالان في دراساته الأخيرة على تقبل الإدارة الذاتية كخطوة أولية وسياسة تكتيكية مرحلية كشراكة مع دولة طورانية تكفر المبادئ الإشتراكية منذ نشأتها، وعضوة أساسية في منظومة الحداثة الرأسمالية وبتركيز في العقد الأخير، إضافة إلى إرتباطاتها العسكرية الإستراتيجية مع هذه المنظومة، كما ويعد طرح السيد أوجالان بعد نظر يود من ورائها تجاوز سياسة الدولة الطورانية quot; المتشبثة بخناق العلمانيةquot; كخطوات عملية لتغيير مفاهيم دول منظومة الحداثة الرأسمالية حول القضية الكردية بشكل عام ونظرتهم لمنظومة المجتمع الكردستاني بشكل خاص. أعتبرها العديد من النقاد الكرد quot; فكرة التنازل من كردستان، إلى الكونفيدرالية إلى الإدارة الذاتية quot; تنازل مبدئي لما ناضل من أجله حزب العمال الكردستاني الذي قدم الألاف من الشهداء وعلى مدى عقود، لكننا نراه واقع يفرض نفسه في هذه الفترة، وهو منطقي من حيث المفهوم التكتيكي بل وحتى الإستراتيجي لبنية العلاقات الدولية من خلال منظومة الحداثة الرأسمالية في المنطقة والعالم، والتكتيك السياسي قد يجد بأن الإنتقال من الإدارة الذاتية، إلى الفيدرالية أو الكونفيدرالية، ومن ثم كرستان الكل، أقرب إلى المنطق، في الواقع الحالي وضمن الهيكلية السياسية للدولة التركية، من الأسلوب المتبع سابقاً، وبالتأكيد لا نشك بأنه لكل منطقة وزمن ظروفه ومستوى سوية المطالب.

التحليل الذي ظهر من قبل أحد القياديين، أدى إلى إقحام الكرد، ربما وبشكل غير مباشر، والحزب العمال الكردستاني ونضاله المديد ومبادئه السياسية إلى جانب أنظمة دكتاتورية وحركات إرهابية وإسلامية سلفية، في وجه منظومة الحداثة الرأسمالية العالمية، وكأن العمال الكردستاني من تلك القوى التي تحارب القوى العالمية، في الوقت الذي نرى بأن صراع الحزب منذ البداية وحتى اللحظة موجه في حقيقته ضد السلطات الدكتاتورية التي تنهب كردستاناً، تاريخاً وجغرافية، وذلك إعتماد على منطلق أيديولوجي رسخت عليها مناهج الحزب وبنيت عليها التغيرات التكتيكية النظرية والعملية quot; رغم الأخطاء التي سايرت هذه المسيرة الشاقة quot; أما حروب الآخرين كانت ولا تزال لمصالح ذاتية تخص طغاة ومنظمات أرهابية المنهج والفكر، تتبنى مفاهيم رافضة للحرية والديمقراطية ولا تدخل في خدمة الشعوب لا من قريب أو بعيد.

لا شك بأن علاقة العمال الكردستاني بالمفاهيم والمبادئ الإيديولوجية العالمية وثيقة، لكن تتطلب الحنكة والدهاء من سياسيي هذا الحزب كما ويتطلب من السياسي الكردي أي كان إنتمائه الحزبي، الإستفادة وربما حتى التلاعب بهذه المفاهيم والإيديولوجيات وتسخيرها لمصالحه، حسب متطلبات الإنسان الكردي ونضاله، لا أن يكون صوفياً مؤمن بدون فهم وتؤيل، وذلك أعتماداً على الظروف المرحلية والتي يتطلب التلائم معها بتكتيك منطقي في النضال، وما يلاحظ وبشكل إجمالي من خلال دراسة وتحليل تاريخ الحزب الفكري والنضالي منذ تأسيسه وحتى اللحظة التمسك بتلك الإيديولوجية بمطلقه ولم يدرج المفاهيم النسبية في هذه الناحية، رغم أنهم أستخدموا التكتيك السياسي والدبلوماسي بمرونة واضحة quot;خاصة في العقد الأخير quot; والمتلائم مع التغيرات الجارية في المنطقة وتركيا، والذي كان سبباً رئيساً في بقاء الحزب حياً وقوة له ثقله القومي والعالمي وسبباً لوصوله إلى هذه السوية من القوة التي تمكنه من التأثير المباشر في سياسة الدولة التركية بل ولا نستبعد تأثيره في خطط دول منظومة الحداثة الرأسمالية في المنطقة، وهذا هو الأسلوب والتكتيك الذي أتبعته جميع المنظمات العالمية الناجحة في نضالها، وبدون أستثناء.

من المهم الإنتباه إلى طروحات السيد أوجالان، من زاوياه المتعددة، والإنتباه إلى حقيقة جداً دقيقة، وهي أنه في وضعه الحالي يوصي ويحلل ويقترح ولا quot; يملي quot; لكن التأويل الخطأ لبعض الجهات يؤدي إلى قرارات خاطئة لخلق صعوبة في تهدئة الصراع، بل هناك من يأتي بتؤيل خطأ لتمرير غايات ذاتية بحته، وهذا مايدركه السيد عبدالله أوجالان تماماً وصرح بها عدة مرات وبشكل واضح، وتدركه جميع الأطراف، من قادة العمال الكردستاني إلى الإدارة التركية وحتى دول منظومة الحداثة الرأسمالية وبشكل خاص دول الناتو، وبالضبط هذا ما ترغبه الإدارة التركية لإلقاء اللوم على حزب العمال الكردستاني، وعلى السيد أوجالان بشكل أو آخر على ما هي عليه تركيا الوطن من حالة عدم الإستقرار وإستمرارية الصراع، وعدم التوقف على حل لهذه المعضلة الوطنية الرئيسية، ومن خلالها تحصل معظم الإدارات التركية ومنها الآن العدالة والتنمية إلى تحقيق مصالحها الذاتية الحزبية، مضحين بالمصالح الوطنية العامة، والأهم أنهم يستميلون دول منظومة الحداثة الرأسمالية بشكل قوي إلى جانبهم في هذا الصراع، في الوقت الذي تكافح quot; منظومة المجتمع الكردستاني quot; أو كما يسمى الآن بquot; منظومة المجتمع الديمقراطي quot; غير الأسم كخطوة وطنية، من أجل إيجاد مخرج متفق عليه وطنياً لهذا الصراع المهلك لجميع الأطراف، والوصول إلى حل إنساني ديمقراطي يرضي جميع الجهات، وعلى هذه الخطوط الرئيسية تتفق جميع أطراف الحركة الكردية، بعكس أغلب أطراف الحركة التركية، وعلى رأسهم الأرغانكونيون.

وعليه يجب أن تتبع هذا التكتيك من قبل قادة العمال الكردستاني دون تحييد عنها، وفي هذه الفترة الحساسة والدقيقة من لحظات الصراع ضد الطغمة الطورانية، ولا داعي لفتح جبهة جانبية ضد دول منظومة الحداثة الرأسمالية العالمية quot; أكرر هذه الفكرة quot; وكما نعلم كانت ولا تزال الحكومات المتناوبة على السلطة، والمسيرة بشكل خفي من قبل القوى quot; العلمانية ! quot; الطورانية الأرغانكونية، هشة وضعيفة فعلياً في قراراتها السياسية المتعلقة بالقضية الكردية، كانوا ولا يزالون لا يملكون القدرة التامة على أختراق جدران الممانعة لذاك الفكر العسكرياتي الذين أدخلوا القضية الكردية في ساحة يحرم على الإدارات المتتالية التقرب منها دون الرجوع إلى مرجعياتهم، وتمكنوا من أشراك منظومة الحداثة الرأسمالية العالمية معهم في هذا العداء للحركات الكردية، وعليه كان صراع الحزب والشعب الكردي، ولا يزال، لكننا نرى بأنه يجب أن توجه الآراء لتبني تكتيك مرن قادر على تغيير هذه الهيكلية بحنكة سياسية ودبلوماسية وعلى أن يرافقها دعاية إعلامية، لإحداث شرخ في هذا التحالف، وعليه يجب أن يستمر، ومن الخطأ مهاجمة جبهة مترامية الأطراف يترأسها القوى الرأسمالية العالمية والمتمثلة الآن بمنظومة الحداثة الرأسمالية، فهو حرب على الأغلب خاسرة، ستتشتت القوى فيه ولا نتوقع منه أية نتائج إيجابية، والرابح سيكون العدو المباشر.

يتبع..

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]