كلما يزداد الضغط على العصابة الأسدية، كلما نشطت تيارات المعارضة السورية بمختلف تلاوينها، في الداخل والخارج، وأهم منجز من منجزات هذه الثورة أنها طمست الهوة التي احدثها الاستبداد بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج، وهذه القضية لا تعتبر ميزة إيجابية أو سلبية بقدر ما هي تقرير واقع حال، كما أن هنالك لغة جديدة بدأت تصدر عند غالبية الطيف المعارض، لغة تنحو نحو التلاقي، والتحاور وتشكيل التجمعات السياسية، وأهم ما يميز هذه الدعوات أنها تحت ضغط الثورة بدأت أيضا بإنتاج خطاب شبه موحد، لمستقبل سورية، وخلال هذه الفترة من عمر الثورة، حاولت وتحاول كل اطياف المعارضة في الخارج، صغر حجمها أم كبر، أن تجد عمقها الشعبي في هذه الثورة، وهذا حق بغض النظر عن رؤية كل شخص فينا لهذا الموضوع، لا يوجد معارضة في أية دولة طبيعية في هذا العالم لا يكون هدفها استلام السلطة، ودون أن يتحول هذا الأمر إلى غاية بذاته، وهذا لايتحول ضمن الأنظمة الديمقراطية التي تعمل بها معظم دول العالم، لهذا في هذه الأنظمة، تجد أن مشروع أية معارضة من أجل أن تستلم السلطة فيه برنامج سياسي اجتماعي اقتصادي لتحسين وضعية الدولة والمجتمع معا، لايمكن أن تسمح الآليات الديمقراطية بتمرير مشروع سلطة فقط، لهذا الشخص أو ذاك دون أن يكون لديه، مشروع للمجتمع وتحسين ظروفه، وتقوية دولته وتنمية الحريات العامة والفردية، وبهذا الأمر يمكن أن يكون هنالك معايير شبه موحدة وناظمة لكل الدول الديمقراطية، رغم كل الخصوصيات التي تحدد أوجه الاختلاف بين تجربة وأخرى، وتقييم أداء أي تيارات تستلم السلطة، بناء على ما قدمته خلال وجودها في هذه السلطة للدولة ومجتمعها، بالمحصلة أردت القول أن أية معارضة هي مشروع سلطة، ومن يقل غير ذلك يغالط نفسه، أما الوضع في سورية الآن وخاصة بعد الثورة، اصبحت المعارضة تطرح مشاريع عملية لبناء سورية المستقبل، فيما لو تسنى لها استلام السلطة، نحن معشر المستقلين عن الاحزاب، من المقبول جدا ألا نكون طلاب سلطة لأننا في النهاية أفراد، ولسنا مؤسسات، ومن يجد بنفسه كفرد أنه قادرعلى أن يبقى فوق المؤسسات ويريد استلام سلطة من أي نوع كان فهو، يحتاج لطبيب نفسي، عذرا على هذه العبارة.

عندما اقاطع المؤسسات الموجودة وأرفض الانتماء إليها، مهما حاولت أن اتبجح بأنه لدي عمق رمزي في الشارع، فإنها محاولات تزيد الشرخ عمقا لا أكثر ولا أقل، عندما يجد فرد نفسه فوق هذه المؤسسات الموجودة، ونقد هذه المؤسسات لا يعني أننا فوقها، وأننا كأفراد أهم من هذه المؤسسات، مهما كان العمق الرمزي لهذا الفرد أو ذاك، في المعارضة السورية مشكلة اسمها الأسماء المنفردة والمتفردة، فهي عموما تلعب دورا مشرذما أكثر مما تلعب دورا تجميعيا، ولايزال الأمر كذلك، وفي هذه المناسبة أقول أن في معارضة الخارج عموما، لايوجد مؤسسة حزبية سياسية بالمعنى المؤسسي النسبي قياسا للوضعية السورية سوى الإخوان المسلمين، هذه حقيقة رغم نقدنا لممارساتهم أحيانا، إلا أنها حقيقة لا تحتاج إلى مزيد من البرهان، أما ما تبقى من معارضة الخارج نلاحظ جيدا أنها تتمحور حول هؤلاء الأفراد مهما اختلف ظهور مسمياتهم العارضة، هنا مستقل وهناك باحث، هنا ناشط وهناك عضو في هيئة طارئة لا تستمر أكثر من يوم بعد الاعلان عنها، رغم ذلك من حق هؤلاء الأفراد أن يكون لديهم مشروع سلطة، وإذا كانت أساليبهم لا تعجب أحد فمن يقرر هو الشارع وصندوق الاقتراع.

المعارضة السورية الآن من حقها تماما أن تطرح وأن تكون مشروع سلطة بديلة معلنة، دعونا لا نبقى نلف وندور على هذه النقطة، ونسمح لأبواق النظام في النظام أو في المعارضة أن يجروا هذه المعارضة لساحةquot; أن هم هذه المعارضة هو استلام السلطة وفقطquot; السؤال الذي يطرح نفسه سوريا هو: أي مشروع دولة تحمل هذه المعارضة أو هذه المعارضات كما يحب بعضنا هذه التسمية، من باب التجريح! وانا استخدمه للإشارة للتنوع السياسي.

أين هو مشروع سورية الدولة؟ هذا هو السؤال وأين عمقه في الشارع الشعبي، الشارع الذي يدفع ثمنه دما لهذا المستقبل الموعود بالحرية؟
لنقل بصراحة أن هنالك أسماء في المعارضة السورية لا تطيق بعضها لا شخصيا ولا سياسيا، وهذا يمنع كثير من النشاطات أن تحصل، وإن حصلت يسعى غير المشارك فيها إلى إفشالها!! هذا مرض الشخصانية، وهذا أمر لا يقتصر فقط على المعارضة السورية بل هو مرض إنساني عام.

الغرب وتركيا وبقية الشلة التي تسعى لإطالة عمر النظام، لم تطرح جديا حوارا حقيقيا حول مستقبل سورية بعد هذه العصابة،لكونهم يتشدقون بموضوعة أنه لا بديل!! والحوار الجدي غير الندوات التي يمكن أن تحصل أو غير احتضان مؤتمرات، وهذه القوى الدولية وفق مصالحها في الواقع، تسعى أيضا مادام أجندتها الحفاظ على آل الأسد، إلى إفشال أية خطوة من شأنها، أن تصب في مصلحة المعارضة، لأنهم يدركون جيدا أن أمراض المعارضة السورية ليست استثناء في التاريخ المعاصر. أم كيف وما هي وسائلهم فهذا أمر متروك لمجال آخر. وهنا لا نتحدث عن مؤمرات تحت الطاولة أو فوقها نحن نتحدث عن ممارسات واضحة، وكان آخرها ذهاب السفير التركي إلى حماة.
لكن هذه الثورة اوضحت بما لا يدع مجالا للشك أنه لا توجد معارضة قادرة على قلب نظام حكم ديكتاتوري لوحدها، ويمكن أن تطلب دعما خارجيا، والاستثناءات تؤكد هذه القاعدة.

اطرحوا مشروع الدولة السورية الموعودة، واتركوا الفعل السياسي اليومي مقياس لهذا المشروع، ودون أن تجهدوا أنفسكم بنقاشات حول التدخل الخارجي أو حول العلمانية أو حول شكل الدولة، لايوجد طرف فعلي الآن يمكن أن يقبل بدولة غير ديمقراطية، فلاتضحكوا على الناس بتخوف الأقليات وتطرحون موضوعة العلمانية، كما لا تضحكوا على الناس بأن سورية دولة إسلامية، مشروع المعارضة التي تريد استلام السلطة بعد الأسد يجب أن يكون مشروعا حاضنا لكل السوريين، السوريون هم لوحة فسيفساء يجب أن يشعر الجميع أنه جزء أساسي من هذه اللوحة، وأنه يشارك بمصيره الفردي والجمعي ضمن هذه اللوحة على قدم المساواة مع مثليه السوري مهما كان دينه أو جنسه او قوميته أو طائفته..هذا المطروح في الثورة الآن، وهذا لا يعني أن هنالك من يجد ما هو مطروح فيه انتقاصا لحقوقه، وهذا أمر طبيعي، لكن بالحرية يمكن أن يناضل ضمن هذه الفسيفساء من أجل أن يحصل على كامل حقوقه عبر صندوق الاقتراع، أو عبر اقناع الآخرين بآليات أكثر ديمقراطية، لكن بعد انجاز المهمة الرئيسية وهي العمل تحت خدمة الثورة والشهداء من أجل إسقاط هذه العصابة. فلا تخجلوا كمعارضة من كونكم طلاب سلطة، لكن يجب ان تكون الوسائل واضحة وشفافة، حتى ولو كانت لا ترضي قسما منكم. ومشروعكم للدولة السورية واضح وحقيقي.