مَن يقومُ بمجاملة وأحتضان الحركات التخريبية الأرهابية في العراق؟
على الصعيد الشعبي سيكون الجواب، الحكومة ومؤسساتها ومليشياتها. وعلى الصعيد الحكومي الأعلامي سيكون الجواب، منظمات القاعدة وحركات منضوية تحت شعارات وبرامج أسلامية وعشائرية وأدعياء العلمانية. فكيف نستطيع وبحذر شديد أفهام البعض منا أن حركات الأرهاب أنسلت وتسللت وتسترت على نحو ساهمت فيه قوى عراقية ( بنسب مختلفة ) تعودت على تقسيم الناس طائفياً.

ومهما يكن الجواب فأني أكاد أجد صعوبة في عنونة المقال أعلاه دون ربطه بقيادات التخريب المالي والفساد الاداري الحكومي بعد أنهيار النظام عام 2003، وبدأت مرحلة جديدة ساهمت في تحطيم نفسية الفرد العراقي وترويضه لأحتضان المال الحرام كعقيدة عمل سياسية. فالأرقام المرعبة المُسجلة لسياسة مجاملة الأرهاب وتغاضي الدولة عنه، تقودنا مباشرة الى عجلة الفساد المالي والفكري وألأجتماعي الذي تطبعتْ به علاقات بعض الكتل العراقية وتكييف نفسها بشذوذ أحمق مع قادة عمليات التخريب والتهريب وألارهاب التي تظهر على شكل quot; مجاملات وترضية وأقناع وتنقية أجواء quot;. ولاشك أن قوى عراقية نبيلة مختلفة تنقد بشدة من يضع غطاء غير أخلاقي على مصادر التمويل المالي والعمى الطائفي لحركات الأرهاب quot;المُحتضَنةquot; في العراق والسكوت على الجهات المتورطة فيه. فما هي حقيقة المجاملات العراقية التي تمنع من محاربة الأرهاب وأقتلاع جذوره؟

ان قادة العراق هم المسؤولون أولاً وأخيراً أمام الشعب للعمى الطائفي والجشع المالي وأستغلال العديد منهم للوضع المرتبك الذي ضرب بأطنابه على العراق وأدى للتعامل بتهريب المال والأسلحة والبشر، وتمثل في مجاملة قوى الأرهاب وأخضاعه بدرجات تتناسب مع أهداف وبرامج.
ليس جديداً تورط جهات عراقية بحركات تخريب أرهابية وليس جديداً على الأنسان مهما صَغُرَ وعيه، أن يُفسر تصريحات مسؤولين في السلطة عن ضرورة أطلاق سراح quot; تشكيلات مشتركة quot; من الأبرياء واللصوص والقتلة من السجون التي تجري منذ أعوام، لتضعنا جميعاً في مركز الحيرة وألأرتباك عن أسبابها وضرورتها ماداموا يعلمون علم اليقين ضلوع الكثير منهم في أعمال الأرهاب (وما حالة الأرهابي أبو درع أِلا واحدة منها).

الأرهاب في العراق ومناطق أنتشاره يخضع لمواصفات وشروط تُحددها أطراف عراقية ضليعة بممارسته وقبوله وأختيار أهدافه قبل قدومهم على تنفيذ العمل الأجرامي.

كما أن الموضوع بحد ذاته يثير شهية القوى الأجتماعية العراقية المتحضرة لمعرفة أسماء وشخصيات أخرى لتأشيرأدوارهم أخلاقياً ووطنياً. ويتلكأ أي باحث مستقل، مطلع وحريص في الأشارة أليهم بأسمائهم بتفاصيل وأدلة قاطعة لأنها مؤلمة وقاسية للبعض وقد تعتبر تجريحاً مقصوداً لفئات سياسية مختلفة لم تشارك في تسبيب الضرر.

ويبقى عنوان مقالتي هذه ناقصاً بالأعتقاد أن المُغفلين من الباحثين منا لايقومون بربط كامل لشبكات الأرهاب بمموليها الأصليين وأستعراض تصرفات حمقاء لوعود وعهود وتشجيع وطرق المجاملة المتبعة من قيادات عراقية معروفة لها عضوية quot;برلمانية منتَخَبةquot; تطلق عياراتها النارية التهديدية من خارجه، بينما كان ولازال عملها التلكؤ عن محاربة الارهاب، بل والتغاضي عن محاربته لكونه خاضع لتوابع شيعية أو سنية، كردية أو عربية، وهو أمرُ تدعوني الضرورة والموضوعية تمييزه تماماً عن قوى المجتمع العراقي المدني السنية والشيعية والكردية والتركمانية (الشعبية) التي لم تجامل أو تستسلم للجماعات الأرهابية وتعريفها كما يجب، كما أن الأشارة ألى موضوع من يقوم بمجاملة أعمال الأرهابيين بلمسات لأحداث واقعية حدثتْ، تتيح للقارئ مايريد التوصل أِليه، فالكلمة لها قدسية.

فحالة الخوف السياسية المثيرة للجدل بين قادة العراق تمنع تسليط الأضواء على جرائم الفساد المالي والأداري وأرتباطها quot; المباشرquot; بالأرهاب ومن تلوثت يداه بدماء العراقيين. والأكثر جدية وموضوعية أن نرى الأرهاب في العراق لايأخذ حجمه الحقيقي الكامل وصور أرتباطه بجهات أيرانية أسلامية من جهة، وأرتباطات عقائدية حزبية علمانية وأسلامية عربية كويتية وسعودية وأردنية وسورية من جهة أخرى، وبالتالي فأن تسليط الأضواء الخافتة والساطعة على عراقيين يديرون ميدان الحرب على الأرهاب يتم بطرق المجاملات الشخصية المتممة للقاءات وأجتماعات المسؤولين بعد وقوع الجريمة وحساب الخسائر البشرية والمادية وفوائد أو أضرار دول الجوار منها. ويصبح موضوع ألقاء تبعية المسؤولية الجرمية يتم وفق ظاهرة عامة لايستطيع الباحث تعليلها نظراً للمحابة وتكثيف الضباب الأعلامي حولها لأضاعة الحقيقة والكذب الغير مسؤول للجهة ألاجرامية التي ورائها وتبرئتها.

وتبقى حلقة الأرهاب والتخريب تدور وفق سلسلة quot;أخفاءquot; الدور الأجرامي وأتقان حرفة حماية مُسببيها. أنه عمل يتقنه باعة الكلام السوقي السياسي ويسندهم فيه قصاصون في مراكز أعلامية يحترفون مهنة الدين والسياسة وخزعبلات المذاهب الحريصة على الاسلام.

أكثر الأخطاء البارزة في الشأن العراقي، هو الترحيب بالأرهاب والتهليل العشائري لأبطاله ( القاعدة، الزرقاوي، جيش المهدي ودول الأمارات الأسلامية وجرائمهم ). وتلقى صورالأرهاب السابقة والحالية ترحيب خافت وأصوات من لهم مقاعد وأصوات داخل مجلس النواب والحكومة العراقية، والمنهمكون منهم في مصالحهم الخاصة الخارجة عن التمثيل النيابي للشعب وحاجاته، وما أقامة جهاز هزيل تحت تسميات وضعتها الأدارة الأمريكية ك quot; مجلس السياسات الأستراتيجية العلياquot; أِلا واحدة من ألامثلة البسيطة. تسميات لاتتمتع حتى بأبسط تعاريف الدستور أو التعبير اللغوي الصحيح. فلم أسمع شخصياً بأي دولة في العالم لها مجلس quot;سياساتquot; أستراتيجية وليس مجلس سياسة أستراتيجية، هذا أِن لم يكن الغرض القائم من خلقه تعميم الفوضى بين كتل وأفراد و تضارب السلطات الدستورية وزيادة رقعة الخلاف وتشجيع الأرهاب الداخلي ضد مؤسسات الدولة. كيف يستطيع المالكي (بصفته رئيس الحكومة الحالي) أن يمنح ثقته لكتل وقيادات تأمل بتشكيل quot; مجلس سياسات quot; الى جانب مجلس رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء؟ وكيف يتمكن من معالجة طرق مُجاملات قوى عراقية لحركات أرهاب؟

الأرهاب والجريمة قد يرتكبهما فرد، جماعة، أو مؤسسة. ونظراً لأختلاط حركات ومليشيات بمؤسسات الدولة العراقية وصعوبة تمييزها، فأن من لهم مقاعد وأصوات داخل مجلس النواب العراقي أخذ المبادرة بأصدار تشريعات تحمي الشعب ومؤسساته من عمليات الأرهاب والتخريب والجريمة، وأن لايكون ذلك بموجب مايرتأونه مناسباً للمليشيات التابعة، وأنما بتشريعات فعلية يُخوّلُ فيها الجيش والشرطة والأمن أدارة أنظمة مكافحة الأرهاب بأسلوب فعال.

ألأعتقاد السائد بين قيادات جيش المهدي بأن مهاجمة قوات الجيش والأمن والشرطة وتهديد مماثل للقوات ألأمريكية الحليفة يُزيد من وزنهم وأعتبارهم داخل أروقة مجلس النواب ومجالس المحافظات وتتألق قيمتهم وشعبيتهم السياسية وتمنحهم نوعاً من الثقل بالتقرب من أيران حتى لو كان هذا التقرب لايصب في مصلحة شعب العراق.

فالدول المحيطة بنا، عدا أيران وسوريا، لها علاقات أستراتيجية وقواعد عسكرية دائمة مع الحليف الأمريكي ولايقف بوجهها أِلا عصابات القاعدة وحركات مشرمذة من عناصر الجهل والتحشيس الطالبانية.

ومن يُسخّر البسطاء والفقراء من الناس ويسرق مستقبلهم بالأنضمام الى فلول عصابات ومليشيات، ليصبوا غضبهم الطائش على القوات الأمريكية الحليفة للعراق التي تحمي أرضه،أجوائه، أنهاره وتجارته مع العالم الخارجي بأتفاقيات صريحة، ينبغي أخضاعه للارادة العراقية الصميمة وبأتخاذ موقف لايتسم بالأنتهازية والمناورة ومجاملات وصفقات الفساد المالي كما يفعل ممثلو القائمة العراقية. ولنكن صريحين مع أنفسنا : هل حارب العراق الأرهاب جدياً أم أخضعنا المعادلة لمن يناور معنا عشائرياً ومذهبياً، أسلامياً وعربياً؟

فنظراً لثقل الكلمة العشائرية والقيم الأسلامية وتأثيرها الأجتماعي والمذهبي والعاطفي على طبقات الشعب، وعلى الأخص الفقيرة والعديمة الثقافة، فأن صناع حرفة الكلام شجعوا هذه الطبقات ومولوها لدخول ميدان الأرهاب من كل حدب وصوب. فلا نجد غرابة بوجود بعض الأرهابيين في موضع ثقة السلطة ولا تنال منهم يد العدالة (بعدالة) وتتمثل سلطاتهم بأمتداد أفقي يصل الى كل مرافق الدولة، وتَصبح مؤسسة الدولة ألعوبة بيد عصابات وحركات ومليشيات سائبة.

quot;كلما نخيط رقعة تنفتق رقعة آخرىquot;، هذا ماألَ أليه وضع العراق اليوم حسب مصادر عراقية مسؤولة. فعصابات جيش المهدي من الرعاع والجهلة والقتلة وقيادات ضالة مارقة تتأهب لجولة أخرى من الصدام ليستقيم البيت لها ويقع العراق من جديد فريسة في حضن الغير. ولاأظن أن المعممين والعلمانيين يدركون بأننا في غنى عن خلق العداء والأعداء وتأجيج الطائفية والكراهية، وفي غنى عن أهاجة وأضافة دول ضدنا ومنظمات لعزلنا وحصارنا سياسياً وأقتصادياً وعسكرياً من جديد.

وقد فشل ساسة العراق في توضيح ذلك لكل من يشارك في عملية بناء العراق ودعم سياجه الأقليمي وفشل في عدم السماح لعناصر منشقة من جيش المهدي خنق كل علاقة أيجابية مسؤولة مع الدول الكبرى (أوروبا وأمريكا والعالم العربي والأسلامي) قد تسبب حصارنا وعزلنا عن العالم الحر.
الغباء لايتوافق مع القوة، رأينا ذلك في عهد القائد الضرورة الذي أرجع العراق والجارة أيران الى دائرة الحقد الطائفي الأسلامي والأنتقام والظلام العنصري الذي تسبب بملايين من الضحايا وتشريد الملايين من العوائل. والواضح أن أفكار مقتدى الصدر بشن حرب جديدة سيجعل ثمن العلاج أو التغيير المرجو لأستقلال العراق باهظا للغاية. لقد أعتدنا نقد جملة أخطاء أرتكبتها كتل عراقية كان هدفها الأول أسقاط النظام الجائر بقوة السلاح، ورافق تحقق هدف أزاحة النظام عام 2003 ظهور أسماء وحركات سياسية على الساحة العراقية لم نسمع بها من قبل، منها من هم في القائمة العراقية، حركة الوفاق والحركة الصدرية، وتناقضت المواقف بظهور صفقات المجاملة من الذين يعتاشون على ماقدمته لهم دول الجوار quot; فالجاهلون لأهل العلم أعداءquot;.ألا يكفي الطعنة النجلاء التي طعننا بها العرب وأيران وتركيا بحصارنا وسرقة أراضينا ومياهنا.....فماهو الدرس الذي تعلمناه؟

المرجو في نواب الحركة الصدرية في مجلس النواب تهيأة قادة القائمة العراقية الى الوقوف معها وبما تمتلكه من أصوات، للأصرار على أصدار تشريع خاص لبناء مدينة الصدر المُخربة وأيجاد أعمال لطبقاتها الفقيرة التي هبتْ ضد الطغيان والدكتاتورية، وبتَخصص ميزانية مالية وتخطيط هندسي للمدينة المهملة وجعلها نموذج حديث للمدن العصرية بشوارع وأسواق ومدارس ومسابح وملاعب وأشجار ومعالم حضارية بالأضافة الى تقديم الخدمات ألأساسية. فالعراق يحتاج الى quot; أخراج quot; أكبر عدد ممكن من الجنود quot; وأدخال quot; أكبر عدد من الفنيين والصناعيين والشركات الأنتاجية المتخصصة. فلقد أنتفت الحاجة الى العساكر المسلحين وأنتفت الحاجة الى التحريض الطائفي الأعمى وأزدادت الحاجة الى توظيف أبناء البلاد والخبراء المدنيين.

عراقيون هم من أنتقدوا مواقف القائمة العراقية في مرحلة حرجة من نزاعهم السياسي للتمسك بالسلطة بكل وسيلة ولصق تهم الخيانة والفساد بالأخرين، فقد كان يُفترض أن القائمة تُمثل ثقافة وقيم وتطلع المجتمع المدني العلماني العراقي وليس العشائري وليس أفشال أي محاولة للتقليل من بيرقراطية خلق مجلس مفتعل تتعارض أسسه مع دستور الدولة وتحديد الرواتب والأمتيازات في وقت تترك فيه طبقات الشعب الفقيرة تتلوى من الجوع. كما أنها وللأسف فقدت جمهورها عندما ربطت أهدافها وبرامجها السياسية بدول عربية تمثل الأستبداد والتسلط ونُظم التوريث وترفع على أراضيها الأعلام الأسرائلية، وساندت زعماء عرب نفرتْ حتى شعوبهم من تسلطهم وفسادهم وأرتباطاتهم المشبوهة بالغرب منذ سقوط الدولة العثمانية، وتساوت معها في هذا الصدد السلوكية السلبية للحركة الصدرية التي ربطتْ أهدافها وبرامجها السياسية quot; بتصرف أحمق quot; بأيران بشكل يتجاوز العلاقات الطبيعية التي يرغب العراق الجديد تنميتها وتمتينها مع دول الجوار.

أني لاأتحامل على أيران كدولة مسلمة لها خصائصها وتاريخها وتراثها وسياستها ومشاكلها الحالية مع جيلها ومع العالم الخارجي، ولكن في نفس الوقت، عليها مسؤوليات وألتزامات لتفهم حاجة العراق مع جيله ومع العالم الخارجي، وألى توفيرالأمن و ضبط حدوده بمنع وأحباط تسلل مجموعات اللصوص ومهربي الأسلحة من إيران عبر المحافظات العراقية الشرقية ميسان وديالى وواسط، التي يدخل منها، كل بضعة أيام، مواد تخريبية و صواريخ وقذائف وعتاد، لجيش المهدي ليتسنى أعادة بناء لواء quot;اليوم الموعودquot; الأرهابي السيئ الصيت وعودة التخريب والفوضى بدلاً من المساهمة الحقيقية في بناء العراق وتوجيه أعضائه في مجلس النواب لفك الحصار الفكري والثقافي والطائفي المقيت عن شعبنا وتنمية روح المحبة والسلام.

واجبنا أن نُميّز بين من يُصرح ويعمل لمصلحة العراق وبين أولائك الحاقدين الذين يسخرون جهودهم ويعلنون عن نواياهم للطعن بمصالح العراق ووحدة شعبه.

لقد تسببتْ تبعات أفعالهم أطعام الشعب مرارة فشلهم وتهيئة أجواء سامة أفسدتْ مصلحة العراق الجديد مع جيرانه الملاصقين لأرضه وترابط الثقافة والتراث والتاريخ مع أيران وتركيا وسوريا والأردن والسعودية ودول الخليج العربية. أن سياسة مجاملة الأرهاب وأحتضانه والتغاضي عنه قد يؤدي بأطرف النزاع العراقي وخلافاتهم التقليدية الى توقيع أتفاقيات عسكرية مشوهة النصوص مع دولة حليفة كأمريكا، على عكس ماتوصلتْ اليه دول الخليج والسعودية وتركيا من أتفاقيات بناءة ناجحة تم أستثمار نجاحها على الصعيدين الأقتصادي والسياسي وعكستهما الحالة المالية الجيدة ورفاهية المواطن في هذه الدول.


باحث سياسي
[email protected]