كان بودي عدم التعقيب على مقال الأخ والزميل العزيز الكاتب كفاح محمود كريم المعنون quot; الديمقراطي الكردستاني بين الحزب والمؤسسة القومية quot; المنشور في quot;ايلافquot; لتحاشي الدخول في جدال المؤسساتية الحزبية والقومية للاحزاب الكردستانية ومنها حزب مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان، لأن الجدل يحمل الكثير من الخلاف في النقاش والآراء، ولكن شعار الحركة التحررية الكردية في بداية انطلاقتها الوارد في المقال بخصوص الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان والملاحظات التي وردت في التعليقات حفزني ان أكتب تعقيبا عن الرأي المنشور تعميما لفائدة قد يؤخذ بها من قبل السياسيين في الاقليم لخدمة الواقع السياسي الذي تحيط به أحداثا متوترة وأوضاعا غير مستقرة تسيطر عليها حالة اندلاع الثورات والاحتجاجات الشعبية في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.

ولكي يكون تعقيبنا موضوعيا وحياديا بعيدا عن اي غرض، أسرد الملاحظات التالية:

1.رفع شعار quot;الحكم الذاتي لكوردستان والديمقراطية للعراقquot; من قبل الديمقراطي الكردستاني مع انطلاق الحركة التحررية للكرد، كان خطأ استراتيجيا كبيرا، ولابد من الاقرار بهذا الخطأ التاريخي الكبير من قبل الحزب، لان الشعب دفع ثمنا باهضا طوال اربع عقود من الزمن وكان الأجدر من بداية الحركة رفع شعار quot;حق تقرير المصير لشعب كوردستان العراقquot; لحصول الكرد على استقلالهم الذي تكفله اللوائح الدولية ومواثيق الامم المتحدة، والثمن الذي دفعه الشعب الكردستاني لم تدفعه شعوب أخرى حصلت على استقلالها بتضحية أقل بكثير من الكرد مثل شعب تيمور الشرقية وجنوب السودان وغيرها من الشعوب المتحررة، ولو رفع شعار حق تقرير المصير من قبل الحركة التحررية الكردية منذ البداية لكان عام الانتفاضة موعدا مهيبا لاعلان الاستقلال وبداية تاريخية لاسترجاع الحقوق التي اغتصبت من الأمة الكردية في فترة الحرب العالمية الاولى، وكذلك عام سقوط صنم البعث في القين وثلاثة كان مناسبا لاتخاذ هذا القرار المصيري، ولكن كما قاله أحدهم quot;خرج الكرد من المولد بلا حمصquot;

2.الصفات الانسانية التي كان يتسم بها شخصية المرحوم ملا مصطفى بارزاني من تعامل انساني وبساطة في الحياة وقدوة متميزة بالعدالة يعترف بها الأغبية من السياسيين والمتابعين، هذه الصفات الحميدة كانت السمة البارزة في زعامة المرحوم للحركة الكردية والتفاف الشعب عليه في مرحلة صعبة من التاريخ الكردي رافقت الحرب الباردة بين الشرق والغرب بعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي.

3.الحقيقة المؤلمة ان السمات الانسانية للمرحوم البارزاني وتميزها بعدالة مشهودة له طوال زعامته للحركة الكردية لم تنتقل الى الأجيال اللاحقة بعده وخاصة على مستوى الساسة والقادة في الديمقراطي الكردستاني، وخاصة في فترة ما بعد انتفاضة عام 1991 وفي فترة ما بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، لتكون امتدادا للنهج الانساني الذي اتبعه المرحوم، وعلى العكس ظهرت صفات لساسة وقيادات الحزب لم يألفها المجتمع الكردي بتاتا من قبل منها الفساد المالي والاداري والرفاهية الجنونية واحتكار واستغلال اموال وممتلكات الشعب والدولة والثراء الفاحش على حساب المواطنين وفرض رأسمالية مستوحشة جائرة تنهب من أغلبية الشعب بالاستثمارات العقارية والتجارة الفاسدة وتستعمر لاقلية من السلطة الحاكمة بالحزب والحكومة.

4.تحول الديمقراطي الكردستاني الى مؤسسة احتكارية، وسيطرة أغلبية مسؤوليه على الموارد الاقتصادية والتجارية والنفطية في الاقليم في منطقة نفوذ الحزب، ومن خلال اقامة الشركات واستغلال النفوذ للاستيلاء على الموارد المالية والممتلكات العامة بحكم السلطة الحزبية والحكومية، وعن طريق اتباع نهج استغلالي متسم بعقلية رأسمالية جائرة محولا هذه الفئة المحتكرة الى اصحاب أكبر كتلة مالية على الاطلاق في تاريخ الاقليم، بينما في عهد المرحوم البارزاني كانت مسالة الثراء الفاحش وغنى المسؤولين ومحسوبية الاقارب مرفوضة تماما من قبله ومن قبل القيادة الكردية في حينه كما تشير اليها الادبيات السياسية.

5.إن الخاتمة التي ختم بها المقال والقائلة quot;ان العودة للينابيع الأولى في نهج البارزاني الخالد في معالجة التناقضات والإشكاليات التي تفرزها كل حقبة ومرحلة كفيلة بحلها والتسريع في الانتقال إلى مرحلة أكثر تطورا واستقراراquot;، دليل على ان السمات والخصال الانسانية التي كان يتصف بها المرحوم ملا مصطفى لا يتصف بها من خلفه ولا يتصف بها المسؤولون في الديمقراطي الكردستاني في الواقع الراهن، وطوال عقدين من الزمن بعد نجاح الانتفاضة في الاقليم والشعب يعاني من مظاهر هدامة للسمات الشخصية للمسؤولين في الحزب تتسم بالجشع والفساد والاحتكار والاستغلال والاستعباد وهي بعيدة كل البعد عن نهج المرحوم، والعودة الى ينابيعه الأخلاقية تشكل بارقة أمل لاصلاح حقيقي ينبع من القمة أولا ومن ما يحيط بها لاعادة الصفات الحميدة الى القيادة والمسؤولين.

6.غياب الاحساس بالمسؤولية التاريخية من قبل الحزب الديمقراطي وكذلك بالنسبة للاتحاد الوطني تجاه قضية كركوك ومسألة المناطق المتنازع عليها، والفئة الممثلة للحزبين في الحكومة الاتحادية ومجلس النواب في بغداد تبين انها لم تفعل شيئا بمستوى المسؤولية وبمستوى المرحلة التاريخية التي يمر بها الاقليم منذ عام الفين وثلاثة، والواجب الوطني يلزم تقديم هؤلاء الى القضاء الكردستاني للمساءلة والتحقيق معهم عن تخاذلهم وتقاعسهم عن اداء دورهم وواجباتهم تجاه الاقليم وتجاه تلك المناطق والتي تركت آثارا سلبية جدا على واقع الكرد فيها، خاصة وبعد مرور ثمان سنوات على بقاء تلك المناطق على حالها في ديالى وتكريت وكركوك والموصل، والمشكلة الكبيرة انها بدأت تفقد مكوناتها الكردية بنسب متراجعة بسبب تعرضها الى ممارسات عدائية من تهديد وقتل واجرام نتيجة خطط تعريبية وارهابية لجهات عراقية واقليمية تريد ان تستقطع هذه المناطق من كردستان ومن كرديتها.

باختصار، هذه هي الملاحظات التي تتراءى لنا قرائتها من المقال، وهي بالحقيقة أخطاء تاريخية كبيرة لا يستهان بها، والإقرار بها لا يعني أن نغض الطرف عن بعض الجوانب الايجابية فيه، لكن الواقع الذي نعيشه المليء بمظاهر الخلل والأزمات الخانقة والمعترف بها من قبل الجميع، وتطلع الشعوب الى حريتها واستقلالها، يفرض علينا أن ننقل الحقائق ونسردها بموضوعية للبحث بجدية والخروج برؤية منهجية لتفسير الحركة التحررية الكردية للاستفادة منها في المرحلة الراهنة.

وافضل طريق لقيادة المرحلة الراهنة من قبل الاحزاب الكردستانية ومنها الحزب الديمقراطي هو الاحتكام الى العملية الديمقراطية في الدورة القادمة بنزاهة واستقلالية تامة لانتخاب نخبة جديدة من القيادات النابعة من صميم الشعب تتصف بالرؤية الحكيمة والعدالة والنزاهة والاستقامة قدوة بالشخصيات والقيادات والزعامات التاريخية الكردية، ومتميزا ببذل جهود استثنائية مخلصة لخدمة الشعب وايصاله الى بر الأمان وضمان الكرامة والمساواة والحياة الكريمة لكل مواطن، ونأمل أن يكون هذا المقال دافعا للديمقراطي الكردستاني للتفكير بجدية لاحداث تغيير حكيم في صفوفه وفي قياداته بغية استباق التطورات والاحداث التي ستشهدها المنطقة في مستقبل قريب كما تشير اليها اغلب التوقعات السياسية، وquot;اللبيب بالاشارة يفهمquot;.

كاتب صحفي ndash; اقليم كردستان
[email protected]