كان اندلاع التظاهرات السورية حدثا هاما بدرجة استثنائية وعلى قدر من الضرورة بما يكفي، لكي يستدعي مواكبة سياسية مستعجلة، تقوم على تمكين هذه التظاهرات من تحقيق رهاناتها و أهدافها في ظل التعقيدات المنبثقة عن بنية النظام الحاكم في سورية و سياساته المرسخة و الموظفة للتناقضات الأهلية الكامنة في تركيبة المجتمع السوري. وحيث لم يكن مطلوبا من تلك المواكبة إلا القيام بمهام واضحة و محددة، تساعد على حماية التحصيل الممكن للانتفاضة السورية و تأكيده، لم تستطع جميع المؤتمرات التي انعقدت خارج سورية من اجل ذلك الغرض،عمل أي شيء ملموس بهذا الصدد، بل يرى البعض أنها ربما لم تجلب إلا الضرر و التمزق و الشقاق للقوى المطلوب أن تتماسك دعما لما تحققه احتجاجات السوريين على الأرض، و بالتالي تركتها مكشوفة الظهر لقمع السلطة المفرط و عنفها الذي لم يقف عند حد.
الأسئلة كثيرة حول الأسباب التي حدت بهذه المناسبات ndash;المؤتمرات-لكي تكون عقيمة و إشكالية و هي التي انتظرها السوريون،خصوصا، المحتجون منهم، كي تكون السند و الدعم في هذه الظروف المعقدة. الغالبية من المراقبين و المعنيين بالشأن السوري، أعادوا فشل هذه المؤتمرات إلى ما أصبح لازما حين الحديث عن المعارضة السورية، هزالها و تناقضاتها البينية التي لا تنتهي..!. هذه القراءة تبسيطية تغري الكثيرين في اعتمادها، خصوصا من ينقصه المعطيات و يفتقر النظر إلى الموضوع من موقع داخلي،موقع مضطلع و قريب من الأجواء التفصيلية لتلك المؤتمرات تحضيرا و تنظيما و أعمالا و هياكل تالية عليها.
فالعالم بكواليس تلك المؤتمرات، و بالأطراف الفاعلة فيها و القائمة عليها، يعرف أن معظم قوى المعارضة السورية المنظمة لم تكن جهة فاعلة يما يسمح لها أن تكون صاحبة اثر أساسي فيها، فهي فيما عدا اللون الإسلامي كانت غائبة تماما. لقد حلت محلها شخصيات مستقلة. بعض تلك الشخصيات كان جادا و مثقفا و له تجربة في معارضة النظام السوري، وإن من موقع غير منظم، لكن بعضها الآخر كان إشكاليا و مثيرا للنزاع و الريبة، و لا يحقق الإجماع حول جديته و صدقيته.إلا أن الملفت في تلك المؤتمرات خصوصا، و الجديد على نشاطات المعارضة السورية عموما،توافر عاملين اثنين، الأول هي السطوة غير المسبوقة لرجال أعمال سوريين على فعالياتها، و الثاني كان تمتعها برعاية جمعيات تركية مقربة من حزب العدالة و التمنية الحاكم في تركيا. بالنسبة للعامل الأول، كان عدد من رجال الأعمال السوريين و من خلال موظفين لديهم من بعض quot; المعارضينquot; الذين يفصلون معارضتهم تحت الطلب و على القياس الذي يتناسب و مصالحهم الضيقة، الأكثر فعلا و تأثيرا في أعمال معظم مؤتمرات المعارضة التي انعقدت منذ بداية الانتفاضة الشعبية في سورية و نتائجها. الغريب الذي بدر عن رجال الأعمال أولئك، هو إصرارهم على أن تمر مشاركتهم في العمل المعارض من خلال تلك النوعية من quot;المعارضينquot;. و عداؤهم السافر الذي أظهروه قولا في مجالسهم الخاصة، و فعلا في سلوكهم، للمعارضة السورية المنظمة و أحزابها.سطوة رجال الأعمال هذه كانت نتيجة تمويلهم لهذه المؤتمرات و قيامهم من خلال تحكم وسطائهم و سماسرتهم quot;المعارضينquot; على عمليات الإعداد و التحضير لها. في هذه السطوة، من خلال آثارها،و ما نتج عنها، يتحدد أحد أبرز العوامل الذي أفرغ هذه المؤتمرات من أي فعالية ممكنة، و جعلها مثار نزاع بدلا من أن تكون موضع اتفاق و انسجام.لقد عمدت اللجان التحضيرية، التي تشكلت تحت إدارة موظفي رجال الأعمال من quot;المعارضينquot;، و التي دعت إلى تلك المؤتمرات،على العمل بضبابية و بتسرع غير مبرر، و بانعدام للشفافية و بأسلوب بدا مثيرا للريبة، و لم تلتفت إلى مطالب معظم أحزاب المعارضة السورية في إعطاء المزيد من الوقت، للتشاور و التنسيق و الاتفاق على المسائل التي يجب الوصول إلى اتفاق بشأنها.
أما العامل الثاني الحاسم في فشل هذه المؤتمرات، فيتحدد بالأثر الذي تركه قيام جمعيات مدنية تركية مقربة من الحكومة التركية برعاية هذه المؤتمرات و المشاركة في تمويلها، حيث ظهر للعيان احتفاء هذه الجمعيات بلون سياسي بعينه من المعارضة السورية دون سواه وهو اللون الإسلامي و دعمه على حساب بقية أحزاب المعارضة السورية، ربما،كما يرى البعض،بسبب صلة القرابة الأيديولوجية المتحققة للون الاسلامي السياسي السوري مع تلك الجمعيات و مع الحكومة التركية ذاتها. هذا الدعم الاستنسابي إضافة إلى الدور الذي لعبه نشاط هذه المنظمات و تأثيرها على أعمال هذه المؤتمرات في إثارة المخاوف و مفاقمة الحساسيات لدى أحزاب المعارضة السورية،الكردية منها على وجه الخصوص، تلك التي توجست بداية من انعقاد هذه المؤتمرات في تركيا، وصولا إلى حد الاشتباه بوجود تدخل تركي فيها،سيما و تركيا في نظر الكرد هي الدولة الرئيسية في الشرق الأوسط التي تقود صراعا متعدد الجوانب ضدهم لا ينحصر داخل حدودها، كل ذلك راكم الحيثيات التي جعلت من حضور كافة الاحزاب المعارضة في المؤتمرات التي انعقدت بهدف توحيد المواقع و الجهود المعارضة دعما للانتفاضة السورية أمرا متعذرا،فعزف غالبيتها عن المشاركة فيها و التأثير في مقرراتها و أعمالها، لتفقد تلك المؤتمرات قدرتها على حيازة شرعية تمثيل المعارضة و المحتجين، و تتخبط في مسالك إشكالية لا تفيد الاحتجاجات على الأرض بقدر ما تحيق بها الأذى، متحولة في المحصلة و في أحسن الأحوال إلى مجرد فقاعات إعلامية ذات وظائف استعراضية بحتة..
على انه من غير الصعوبة بمكان تحقيق نجاح حقيقي في إخراج المسار السياسي الذي تحتاجه الاحتجاجات السورية و توضيبه على النحو الذي تستدعيه إيقاعات المشهد الاحتجاجي الثوري في سورية، شريطة أن يتوفر فاعلين آخرين يقومون على التحضير لمؤتمر وطني شامل لا يستبعد أحدا، و أن يكون هؤلاء الفاعلون على قدر من الحياد و الموضوعية و الحس بالمسئولية إزاء الشارع السوري الذي ينتفض دفاعا عن كرامته و حريته، ودون أجندات ذاتية تتخطى هدف الانتصار على الاستبداد و إسقاطه.
فراس قصاص
رئيس حزب الحداثة و الديمقراطية لسورية
التعليقات