في اواسط شهر رمضان الفضيل قصفت البحرية السورية مدينة اللاذقية وقتلت عشرات الأشخاص واستهدف القصف البحري حي الرمل في جنوب اللاذقية. هكذا يتعامل نظام دمشق الممانع المقاوم والصامد مع المتظاهرين والمحتجين والمطالبين بالاصلاح. ويجب التنويه ان البحرية السورية لم تطلق طلقة واحد على من انتهك اجواءها وبحرها وارضيها ومن يحتل اراضيها لأكثر من 40 عاما استنادا على نظرية الرد المناسب في الوقت المناسب.

علينا ان نكون صريحين ونقول ان الاصلاح في الأردن لم يعد امرا نظريا للنقاش والدراسات بل حاجة ملحة للتطبيق وليس منحة من فوق بل مطلب شعبي عاجل وهام في ظل تسونامي التغيير الذي يجتاح المنطقة حيث شهدنا انظمة عربية تتهاوى كأوراق الخريف في الربيع العربي. ولم تنقذها الاساليب القمعية وآلة المخابرات والأمن والبطش. وحتى القصف البحري للشعب فشل في اثناء الشعب عن مطالبه في ليبيا وسوريا.

الأردن لا يعيش في عزلة ولا يعيش حالة انكار كما فعل النظام الليبي ويفعل النظام السوري الآن ولا يستطيع الأردن اي يغلق عيونه وآذانه عما يجري حوله. من هذا المنطلق تم طرح رزمة من اصلاحات دستورية واصلاحات لقوانين الانتخاب والاحزاب. ولكن هل ستؤدي هذه الاصلاحات الى القضاء الكلي على الفساد وستحل المشاكل الاقتصادية وستقودنا الى يوتوبيا سويسرية.؟ الجواب السريع سيكون نفيا قاطعا ولكن قطع مسافة الميل تبدأ بخطوة تلو الأخرى.

هذه الاصلاحات ليست اصلاحات ثورية راديكالية كما يطالب البعض بل اصلاحات مدروسة وخطوات ايجابية في الاتجاه الصحيح ويمكن البناء عليها في المستقبل بأسلوب هاديء وتدريجي. وليس من مصلحة الأردن التطبيق السريع لاصلاحات متهورة تحت الضغوط والتحريضات من ذوي الاصوات المرتفعة. لا احد يريد زلزالا اصلاحيا قد يؤدي الي تصدعات اجتماعية وسياسية قد تزعزع استقرار وأمن الأردن. ومن المؤسف ان الجماعات الرافضة للاصلاحات المطلوبة هم انفسهم لا يؤمنوا بالديمقراطية بل يستعملوا السبل الديمقراطية للوصول الى الحكم ثم يفرضوا دكتاتورية تحكم بالشريعة الطالبانية وسيقوموا بالغاء الاصلاحات التي يطالبون بها. رفضوا المشاركة في الحوار الوطني ويواصلوا نشاطهم بطريقة تجعل المرء يظن انهم ينفذوا تعليمات واجندات لا علاقة لها بالأردن.

مشاكل وأزمات عاجلة
مشكلة الأردن ليست فقط اصلاحات هنا وهناك لارضاء هذا الطرف او ذاك بل عدد من الأزمات الرئيسية التي تهم كل عائلة وكل طفل وكل عاطل عن العمل واهمها هي الأزمة الاقتصادية وحالة الفقر والبطالة. الأردن بلد غني بموارده البشرية وتراثه الثقافي والحضاري ولكنه يفتقر للموارد الطبيعية مثل النفط والغاز. لذا هناك حاجة لاصلاحات اقتصادية وقانونية لتشجيع وجذب الاستثمارات العربية والاجنبية للأردن وتنفيذ مشاريع تستوعب العاطلين وبرامج لتخفيف نسب الفقر في البلد. وهناك أزمة نقص حاد في المياه ومشاكل أخرى. اذا سألت عائلة في اربد ايهما اهم لكم وصول الماء الصالح للشرب بانتظام ام تعديل المادة جيم في الدستور. سيكون الجواب الماء الماء ثم الماء. واسأل عائلة اخرى في جرش ايهما اهم لكم كيفية تشكيل الحكومة وحل البرلمان ام تأمين الغذاء والافطار في رمضان على الطاولة. كلنا نعرف الجواب. واسأل عاطل عن العمل في المفرق أيهما أهم لك تعديل المادة 41 في الدستور ام تحصل على وظيفة تؤمن لك دخلا شهريا منتظما تستطيع ان تعيش منه. لا حاجة ان تكون عبقريا لمعرفة الجواب. واسأل سيدة مريضة في الكرك ايهما أهم لك العلاج المجاني والشفاء من مرضك ام تعديل الفقرة س في قانون الاعلام واسأل رجل في الزرقا لديه 7 اطفال وراتبه كسائق شاحنة لا يكفيه وتسأله ماذا تفضل مساعدة مالية شهرية من دائرة الضمان الاجتماعي لتساعدك في تلبية احتياجات عائلتك ام حذف المادة ش من قانون الاحزاب. ماذا تتوقع من هذا الرجل ان يقول؟ حتما سيختار ما يهم عائلته. واسأل عائلة في الأغوار تعيش في كوخ او بيت شعر هل تفضلوا منزل مناسب في اطار مشاريع سكن كريم ام تعديل قانون رقم 29 لتنظيم عمل البلديات لعام 1955. واسأل مزارع هل تريد مساعدات مالية وفنية من وزارة الزراعة لكي تستطيع زيادة الانتاج ومساعدات في تسويق المنتجات الزراعية لزيادة دخلك أم تفضل تقليص صلاحيات الملك الدستورية؟ اذ كنت مزارع غلبان أيهما ستختار؟

وأزمات اخرى بحاجة لعلاج
فضلا عن الوضع الاقتصادي هناك ازمات اخرى خلقها استيعاب موجات بشرية كبيرة من العراق والكويت وفلسطين . قد يقول قائل ان هذه الموجات البشرية تأتي بالفائدة للاقتصاد. اقول انها تجلب طفرة مؤقتة في قطاع البناء وبيع الاراضي ولكنها في النهاية تشكل عبئا على الخدمات الصحية والمائية والمدارس وكثافة السير والاكتظاظ السكاني الخ.
ومن الملفات التي تهيمن على الساحة الأردنية هو تعثر العملية السلمية وتعطيل مشروع حل الدولتين وهذا بدوره ساهم في اعاقة الاصلاح والنمو الاقتصادي ولاسباب جغرافية وتاريخية واجتماعية وانسانية يبقى هذا أهم ملف بحاجة لمعالجة من خلال حلول متفق عليها دوليا ولكن اسرائيل تتحدى العالم وترفض حلا سلميا عادلا.

اصلاحات وبدون العنف
العملية الاصلاحية تسير للأمام ولكن ليس بالسرعة التي يرغبها البعض. وما يميزها عن دول الجوار انه لا يرافق مظاهرات المطالبة بالاصلاح والاحتجاجات اجراءات قمعية واعمال قتل جماعي كما يحدث في الجار السوري القومي الرافض الممانع والمقاوم الشفهي. لا يتم تعذيب المعتصمين ولا يتم اعتقال المئات واخضاعهم لمعاملة وحشية.
لا نسمع او نقرأ عن مداهمات عسكرية لبلدان المملكة واعتقال مئات الأشخاص قبل الفجر ولا نقرأ عن جنود يدخلون مستشفيات لخطف الجرحى لكي يتم التخليص عليهم ولا نشاهد افلام فيديو على اليو تيوب والفضائيات لرجال النظام يركلون كاهل مسن وبدون هوادة ويطعنوا سيدة بعد اغتصابها. لا يتم خطف اطفال من الشارع وتعذيبهم ثم اعادة جثثهم لذويهم واجبار والد الطفل ان يتهم السلفيين والارهابيين بارتكاب الجريمة. لا يتم قطع الماء والكهرباء عن المنازل وعن المستشفيات عمدا كوسيلة لعقاب الناس لأنهم تظاهروا واحتجوا.

رغم النواقص ورغم الفساد ورغم السلبيات ورغم كل العلات لا يستطيع أحد ان ينكر أن الأردن بلد حضاري وانساني وعقلاني يتعامل مع الأحداث والتطورات في المنطقة ببراغماتية تتميز برباطة الجأش وتقييم دقيق لعواقب كل خطوة.

لا يحكم الأردن دكتاتورية ثورية جاءت بانقلاب عسكري بل نظام ملكي دستوري له شرعية دستورية ودينية وتاريخية، فهو يحكم بعقلانية وحكمة جلبت الاستقرار والأمن لعقود من الزمن، كما جلبت التقدم في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والسياحة والزراعة والصناعة والفن وبنية تحتية تضاهي بعض الدول الأوروبية. هناك مؤسسات دستورية ومجتمع مدني ناشط واحزاب سياسية وآليات رقابة ومحاسبة وقضاء نزيه ومستقل ورغم كل الشكاوي عن التدخل في الاعلام الا ان هناك صحافة ديناميكة ومواقع اخبارية متنوعة على الشبكة العنكبوتية تنبض بالحياة والنشاط ويتمتع الأردن بأعلى نسبة من مستعملي الحاسوب.

الأردن ليس دولة بوليسية قمعية ولا يستعمل سلاح الجو لقصف الشعب او سلاح البحرية لقصف التجمعات السكانية التي يتواجد فيها متظاهرين. هذه سيناريوهات ليست من اختراعي بل حدثت في سوريا وليبيا وتناقلتها وكالات الانباء ورأيناها على الفضائيات.
يحكم الأردن ملك هاشمي واعي عاقل ومتزن. النظام في الأردن لا يرفع شعارات فارغة رنانة للإستهلاك المحلي والخارجي، بل يتعامل بواقعية وبراغماتية تدرك ما يدور على الساحة ويتعامل معها بحكمة ولمصلحة الوطن.

هناك وعي وادراك ان الاصلاح بات امرا محتوما لا مفر منه وانه مصلحة وطنية وسيتم تطبيق الاصلاحات بطريقة حضارية مدروسة وهذه خطوة ايجابية اولى وفي الاتجاه الصحيح. وكلمة اخيرة وبمحض الصدفة قابلت امس سيدة لبنانية تعيش في الأردن وكانت في زيارة لبريطانيا وسألتها عن الاصلاحات في الأردن وقالت الكل يعرف ان الاصلاحات ستأتي ولكن اتت ام لم تأتي نحن مرتاحين ونعيش بأمان واستقرار والأردن احسن من غيرها لا سيما في ضؤ ما نراه على الأخبار كل ليلة.
اعلامي عربي - لندن