وكأن العراق بحاجة الى المزيد من المشاكل فظهرت مشكلة جديدة كادت تنسينا المشاكل القديمة فى هذه الوزارة التى هى محط الأنظار بسبب شحة الكهرباء المزمن. بدأت مشكلة الكهرباء فى نهاية السبعينات من القرن الماضى قبيل نشوب الحرب مع ايران، وساءت كثيرا بعد نشوبها بسبب قصف الطائرات الايرانية لمحطات الكهرباء، وتلى ذلك قصف الطائرات الأمريكية وباقى الدول التى هاجمت العراق سنة 1991 بدون هوادة وأعادت العراق الى العصر الحجري كما اراد بوش الأب له. وفى سنة 2003 كرر بوش الابن ما فعله أبوه فدمر معظم ما تبقى قائما من المحطات إضافة الى تدمير المنشئات الحيوية والمصانع والجسور، إضافة الى الخسائر الهائلة بالأرواح والممتلكات العامة والخاصة. أبتلي شعب العراق بحاكم أحمق أهوج لا يفقه شيئا لا فى السياسة ولا فى الاقتصاد ولا فى الحرب، وأحاط نفسه بمستشارين معظمهم شبه أميين، ولا يجيدون من القول إلا عبارة: نعم سيدى.. ألف صار سيدى!!. وانتهى القائد الضرورة وخلف وراءه بلدا مدمرا وشعبا مريضا مثخنا بالجراح لا يكاد يجد قوت يومه، وهو الذى يمتلك ثانى أكبر إحتياطي من النفط فى العالم.

المشكلة الجديدة هى مشكلة ما يسمى بالشركتين الموهومتين الكندية والألمانية، إختارتهما وزارة الكهرباء لتجهيز ونصب محطات كهربائية فى العراق. ومضت بضعة أيام على توقيع العقود، وإذا بالبريد يجلب رسالة من السيد جواد هاشم الوزير السابق فى حكومة البعث معنونة الى رئيس الوزراء، يقول له فيها بأن الشركة الكندية مزيفة ولا وجود لها.. الخ... وكان الخبر قد ظهر فى نفس الوقت على صفحات بعض الجرائد العراقية، ولا أدرى كيف والرسالة كانت بين جواد هاشم ورئيس الوزراء، فكيف وصلت الى الصحف؟؟ وعلى كل حال أصابت الرسالة وترا حساسا من الشعب والحكومة، فأسرع المالكي وأقال وزير الكهرباء وسارع آخرون باتهامه بالفساد. ربما كان سبب التسرع هو كون الوزير من القائمة العراقية التى لا تنقطع عن التهجم عليه وتلومه على كل صغيرة وكبيرة وتحصى عليه أنفاسه وتراقب حركاته وسكناه، فوجد فى ذلك فرصة للانتقام منها. وقد يكون هذا او لا يكون، ولكن قائمة التهديد العراقية فى الساعات الأولى من ظهور الخبر فى الصحف برأت الوزير، وبعدها قالت بأنها ستعاقبه إذا ما ثبتت عليه تهمة الفساد.

كان على السيد المالكي درس الموضوع بصورة كافية لجسامة المبالغ قبل وضع توقيعه بالموافقة ndash;إذا كان قد وقع عليه-، ولكنى أتساءل هل أن أعداء المالكي منحوه الفرصة للتفرغ للقيام بواجباته؟ الواقع يقول لا، لأن أعداءه ومنافسيه وعلى رأسهم القائمة العراقية لم يكفوا عن إستفزازه وتوجيه التهم اليه والى كتلته بغرض إسقاطه والاستيلاء على الحكم. وكان على وزير الكهرباء وهوالمسئول الأول عن وزارته أن يوضح الأمور للمالكي قبل أن يحصل على موافقته. المالكي ليس رجل قانون ولا خبرة له بالتجارة الدولية، بينما وزارة الكهرباء بمدرائها وخبرائها هى المسؤولة بالدرجة الأولى عن استيراد المحطات وتنفيذ الشروط التى وضعتها الحكومة أحدها ينص على التعامل مع الشركات المصنعة وليس مع الشركات المصدرة وهو أضمن للحصول على المواصفات المطلوبة ووصول المعدات الى العراق فى الوقت المحدد المتفق عليه.

أود أن أوضح للقارىء بأننى درست التجارة ومارستها أكثر من ثلاثين عاما ولى اطلاع واسع فى التجارة الدولية، فحالما قرأت رسالة الدكتور جواد هاشم واطلعت على العقد وجدت أنه ينص بوضوح على أن الدفع سيكون بالآجل، ويدفع القسط الأول بعد سنة من وصول المحطات وتشغيلها والتأكد من أن كل شيء على ما يرام تدفع الأقساط المتبقية خلال سنتين بعد مضي السنة الأولى على نصب وتشغيل المحطة. ومن هذا نفهم بوضوح عدم دفع العراق أية مبالغ للشركتين، فلا أعرف ما هى المشكلة وما هوخطأ الوزير وغيره ممن وقعوا على العقود. ربما تكون الشركتان موهومتين لا أدرى، ولكن إذا كانتا موهومتين فلن تستطيعا شحن المحطات المطلوبة، وإذا شحنتها ووصلت العراق و نصبت وشغلت خلال السنة الأولى وثبت مطابقتها للمواصفات المطلوبة عندئذ تدفع لهم الحكومة العراقية القسط الأول من المبالغ المتفق عليها. أما إذا لم تصل المحطات المطلوبة فى الموعد المقرر، فسيعنى ذلك تأخيرا لا يقل عن سنتين للبحث عن مصنعين جدد والاتفاق على الشروط، ويعنى أيضا سنتين اضافيتين لمعاناة العراقيين.

هناك الكثير من المصدرين فى مختلف دول العالم لهم شهرة عالمية واسعة فى مجال التصدير، ومن لا يعرف هذا النوع من التجارة يندهش إذا ما عرف بأن الشركة قد تتكون من زوج وزوجته (او سكرتيرته) يعملان فى مكتب صغير ليس فيه أكثر من طابعة (وذلك قبل ظهور الكومبيوتر والفاكس) ورأسمالهم هو ثقة المصنعين والمستوردين بهم، فيعقدون صفقات تجارية كبيرة وصغيرة. وبسبب المبالغ الباهضة للمحطات الكهربائية فإننى أفضل التعامل مباشرة مع المصنع بدون وسيط، إلا إذا أصر المصنع على إتمام الصفقة بواسطة مصدر، وهو ما يحدث غالبا إذا لم تكن للمصنع خبرة بالتصدير، وفى هذه الحالة يكون المصنع مسئولا عن أية مشكلة تحصل فى المستقبل سواء فنية أم غيرها.


عاطف العزي
[email protected]