من خلال متابعتي واستماعي لخطب ايام الجمع التي تنقل وجهة نظر المرجعية الدينية في النجف الاشرف ، توصلت الى حقيقة مفادها ان كل هذه الخطب انما تنقل صورة مقربة جدا ومفصلة عن الواقع العراقي بكل تفاصيله واشكالاته ، كذلك تحمل هذه الخطب بين طياتها جملة من الحلول والمقترحات المنطقية والواقعية وكأن المرجعية حاضرة في كل صغيرة وكبيرة تحصل في العراق ، بل هي كذلك ، لأن المتتبع لهذه الخطب يدرك ان ماتنقله عبر خطيبها انما يعبر عن الهم العراقي وغضب المواطن ، وهي في نفس الوقت تحمل كل دلالات الوعي والانسجام والانتماء للواقع العراقي الذي تتمنى له كل الخير والتقدم من خلال تشخيصها للخلل والخطأ اينما كان في كل مرافق الدولة ، بحيث اصبحت وبدون مبالغة بمثابة الدليل المساعد في حل المشاكل بعد تشخيصها بدقة متناهية ، وكما نعلم فأن للمرجعية الدينية الرشيدة اثر كبير في تنمية وتطوير مسار العمل وبناء الدولة والمجتمع ، وهي قيمة مضافة ان لم تكن لها الاولوية في التوجيه والارشاد والتوعية لا على المستوى الديني فحسب ، وانما على كافة المستويات المتعلقة بالواقع العراقي ، فهي تنظر للامور من منظار الحق والعدل والمساواة التي تنصف جميعها المواطن ابن البلد ، وتعطيه الحق الكامل بالمطالبة بحقوقه واستحقاقاته كي تطبق معادلة الحقوق والواجبات وفق منهج التكافؤ وتحقيق التوازن فيما بينهما ، وهذا يعني انها اي المرجعية تعتبر القصور في اداء الواجب يقع على عاتق المسؤولين في الدولة كونهم لم يقدموا للشعب ماتحتمه عليهم المسؤولية وماتحتمه ايضا قيمة نتائج الانتخابات التي صوت فيها الشعب لكي ينتخب من يجده الاصلح والاكفأ ليتبوأ منصبه في الدولة ، فهل استجاب هذا المسؤول واحترم قرارات الشعب ؟ وهل تابع المسؤول ملاحظات المرجعية من خلال خطبها لايام الجمع ؟ ولماذا تنسى المرجعية في الظروف العامة ويكون اللجوء اليها في الظروف العصيبة فقط؟
مادعاني لاثارة هذه الاسئلة بشكل خاص وكتابة هذه المقالة بشكل عام هو خطبة الجمعة الماضية التي القاها سماحة السيد احمد الصافي ممثل المرجعية الدينية العليا وخطيب الجمعة في كربلاء المقدسة ، اذ اشار سماحته الى جملة امور تفصيلية تتعلق بواقع العمل ودور المسؤولين في الاداء الوظيفي وطبيعة علاقتهم بالمواطن والكيفية التي يتم بموجبها خدمته ، وقد تناولت الخطبة تفاصيل دقيقة في هذا المجال لم نسمعها على الاطلاق من الحكومة التي هي المعنية الاساسية بهذا الموضوع ، يقول سماحة السيد الصافي : (سنتكلم عن مسؤول فعلا يريد ان يخدم ، لكن تعوزه الآلية والرؤية ، اما لايوجد له ناصح ، او هو وضع حواجزا كبيرة حتى لاينصحه الناصح وبالنيتجة الشعب يعاقب) ، هذا كلام دقيق وواقعي ، فمن تنقصه الكفاءة من المسؤولين سيكون حتما اللجوء الى هذا الاسلوب وارد ، وعدم الاعتماد على الناصحين هو اسلوب اخر تفهم منه سمات البيروقراطية والتعالي وهي اسباب حقيقية لافشال العمل او انجازه بشكل سيئ لايوفي بالغرض ، ويضيف سماحة السيد : (ان بعض المسؤولين يصيبهم قصور في الخدمة بسبب عدم تعلقه بالبلد بالشكل المتجذر بحيث يجعل في نفسه ان مرحلة مؤقتة وستكتمل مسؤوليته ويرجع مسافرا الى البلد الذي جاء منه) ، نعم هذه قضية جديرة بالاهتمام وهي منتشرة في اوساط المسؤولين والبرلمانيين ، فكثير من هؤلاء يحمل جنسية اخرى غير العراقية ، وربما هذه الاخرى في اعتبارات البعض تعتبر هي الاصل والجنسية العراقية هي المؤقتة ، على الرغم من ان هذه النقطة هي مخالفة دستورية ، حيث عجز البرلمان في عدة جلسات ان يحسم الامر ، لكنه يفشل في كل مرة بسبب ضغوط المستفيدين من الجنسية الاخرى لاسباب وغايات تتطابق مع ماذكره السيد الصافي ، وفي اشارة اخرى يتطرق سماحة السيد الصافي عن تفاصيل بناء المشاريع فيقول : (عندما نسمع المشروع الفلاني قد انجز او بوشر العمل به ، لماذا لايسلط الضوء عليه اعلاميا ؟ ولماذا لايراه الناس ؟ ولماذا لاتجعل هناك ورشة عمل حقيقية لانجازه حتى نجعل الناس تطمئن الى ان هذا المشروع على الارض وليس ورقيا) ، هذه الاشارة تقود الى تأكيد وجود حالة تغييب الحقائق وفبركة الامور من خلال التصريحات والادعاءات الكاذبة لبعض المسؤولين حول منجزات وهمية ولااساس لها من الصحة مثل العقود الوهمية التي كشفت مؤخرا في وزارة الكهرباء ، وكم من العقود لاتزال مخبأة او جرى اتلافها لطمس الحقائق وليظل الفساد مستشريا ينخر بجسد الدولة ومحمي من قبل الكثير من المستفيدين منه ، لأن هؤلاء المستفيدين هم شخصيات كبار وفي مناصب مهمة في الدولة والكتل السياسية ، ويبدي سماحة السيد اسفه لطبيعة العلاقة السيئة بين المسؤول والمواطن فيقول : (ان بعض المسؤولين قد انعدمت الثقة بينهم وبين الناس ، فالمسؤول اذا كان لايتواجد في موقع العمل ولايعرف موقع العمل ولايعرف عدد المشاريع ولايعرف ماذا صرف من مال ، فأنه في حقيقة الامر ليس بمسؤول) ويضيف السيد الصافي : (ان الشعب غير مسؤول عن غفلة المسؤول وعدم قدرته على تحمل المسؤولية ، او في الجانب السلبي عن طبيعة انتقام المسؤول من الناس ، المسؤول الميداني يجب ان ينقل مكتبه الى موقع العمل بحيث يعيش طبيعة المشروع مع وجدانه ، حتى يستطيع ان يجد الحل المناسب ويكتشف من ذلك فريقه هل كان مخلصا له او غاشا له) ، هذه هي الحقائق التي يجب ان يتشبع بها ضمير المسؤول في العمل وفي جانب التعامل الانساني مع المواطن ، فالبلد بحاجة الى ثورة في الاخلاق والقيم ، بمعنى ان يكون المسؤولين في الدولة والحكومة هم قدوة لمنتسبيهم وأن يكونوا في طليعة العاملين لا متحصنين في مكاتبهم منعمين بالملذات والراحة والفخفخة ، فعليهم واجب انساني ومبدئي ووطني لخدمة بلدهم وشعبهم لا منة عليهما وانما قيمة يتشرفون بها مرضاة للباري عز وجل واستجابة لدواعي الضمير والضرورة الوطنية ، لقد مل الشعب من التصريحات الكاذبة والادعاءات المزيفة ، بل صار واضحا لدى الشعب العراقي ومن خلال تجربة التسع سنوات التي مضت ان مسيرة البناء والاعمار قد طغت عليها الظروف السياسية المعقدة والتي زادت تعقيدها تلك النوازع الذاتية والمشخصنة لدى زعماء واعضاء تلك الكتل والتي انعكست سلبا على اداء الحكومة والمسؤولين فيها ، وجرى ويجري كل ذلك على حساب المصلحة الوطنية ومصلحة الشعب ، فالى متى يستمر هذا الحال السيئ ؟ ومتى تتيقض الضمائر وتصحح مساراتها انطلاقا من الحس الوطني والانتماء العراقي ؟ الا يكفي سوءا بالعراق ؟ ام ان هذا السوء اصبح هو الصح والاصلاح هو الخطأ ! فالشعب اذا اراد فلابد ان يستجيب القدر ، وهاهي صرخات الشعب بدأت تحرك استجابة القدر ، ولكن المنطق يبحث دائما على واقعية الحلول ، فهل تتفهم العقول هذه الواقعية وتنطلق لتصحح الاخطاء داخل البيت العراقي وبوجدان عراقي بما يخدم ويعزز المسيرة الوطنية ؟ يقول السيد الصافي قولا اقرب الى الحكمة منه الى الخطاب :(ان الحلول ليست من المعاجز ، وانما تحتاج الى تكاتف وتكاثف الجهود) .
كاتب ومحلل سياسي ndash; عمان
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات