مهلة الأسبوعين، التي منحها الجار التركي، للنظام السوري، لإصلاح ذاته ونهجه القمعي، هي أكثر مدعاة للسخرية، من بين جميع المواقف التي اتّخذت منه، منذ بدء الانتفاضة السلمية السورية.
استمهال النظام، وآلة الموت تواصل العمل ليل نهار، هو موقف، على اعتبار أنه ينطوي، ولو نظرياً، على قناعة بوجود قابلية، إمكانية، لدى النظام لأن يغيّر من سلوكه الدموي.
النظام الأسدي فوّت الكثير من الفرص الثمينة التي مُنحت له مع بداية حركة الاحتجاج، ولعله لو استغلّها في حينها لما كان وصل إلى ما هو فيه الآن. ولكنه رجّح الاستفراد بالرأي والقرار، كما هو حال جميع الدكتاتوريات، وأدار الظهر لكلّ من قدّم له النصح والمشورة، بغض النظر عن دوافع هؤلاء، ومضى في الطريق الذي يبدو أنه كُتب عند نهايتِه، القريبة، نهايتُه.
الوضع في سوريا تجاوز نقطة اللاعودة منذ أشهر، وليس هناك حاجة لإضاعة الوقت في مسألةٍ حسم الشعب السوري أمرها، وهو صاحب الكلمة الفصل فيها بعد اليوم. وما يجب أن يعلمه الجميع هو أن الرّهانات، بشأن مستقبل الانتفاضة السورية، يجب أن تُلقى على السوريين لا على من كان يحكمهم!. فما هو مفروغ منه، أنه حتى لو رغب النظام، مكرهاً تحت ضغط المنتفضين، العدول عن سلوكه البربري الراهن، فإنه لن ينجح في إنهاء الحراك الجماهيري، لأن الهدف والمبتغى، الآن، هو إسقاطه، لا إصلاحاته.
الوحشية التي تتّبعها العائلة الأسدية، وزبانيتها، بحق المدنيين العزل، والتي بلغت الذروة في اللحظة الأولى لإطلاق عنانها، لم تشكّل مفاجئة لأحد، فهو ما كانت تذهب إليه جميع التكهّنات مع شرارة الاحتجاجات الأولى. وليس هناك من مؤشرات، على الأرض، توحي بوجود نية لدى النظام لتخفيف وطأة القسوة والوحشية، فالدماء تُراق بشكل يومي، ولم يعد سفكها مقتصراً على أيام الجمعات، بل حتى الدقائق والثواني باتت تُقتنص لإسالة المزيد منها.
أمام سطوع جملة هذه الحقائق كان من الطبيعي أن تُفسر المهلة، التي منحتها تركيا، على أنها كانت لأجل إنقاذ النظام، لا إيقاف إراقة الدّم السّوري. فهي، تركيا، إن كانت تروم من هذه المهلة تحقيق الغرض الثاني، وقف نزيف الدم السوري، فما الذي يُسكتها، إلى هذه اللحظة، والنّظام انقلب على وعوده، وخرج على الاتفاق الذي قيل إنه عقده مع ضيفه أوغلو، إيقاف اقتحام المدن، حتى قبل أن يغادر الضيف المضافة.
محاولات الجار التركي هذه، الأخذ بيد النظام السوري إلى بر الأمان، لم تنطلِ على المنتفضين. ومواقفهم من التكتيكات التركية عكستها لافتاتهم التي قالت quot;أسبوعان كافيان لقتل المزيد من السوريينquot;، وقالت أيضاً quot;مجزرة حماة تتكرّر فلماذا الصمت يا أردوغانquot;.
أيام قليلة تفصلنا عن انتهاء المهلة التركية، والحال كما هي، حيث لا جديد في الأفق التركي، سوى تصريحات يقول عنها محلّلون سياسيون أتراك إنها جوفاء!. أكثر من جوفاء، هي تصريحات متضاربة، وألغاز يُصعب فكّ طلاسمها. أردوغان يقول إنه لن يسمح بتكرار مجزرة حماة، ويُضيف إن الوضع السوري شأن داخلي تركي!، وأوغلو يقول بأنهم ضد التدخل الخارجي ولكنهم أيضاً ضد القتل في شهر رمضان المبارك!. هل نفهم من هذا الكلام أنهم ليسوا ضد القتل خارج هذا الشهر؟. وإذا كنتم ضد التدخل الخارجي فما يمنعكم أنتم من التدخّل وهو شأنكم الداخلي؟.
الذي يمكن استشفافه، من واقع الحال، هو أنه لن يطرأ أي جديد، يصبّ في خدمة الانتفاضة السورية، على صعيد الموقف التركي، بعيد انتهاء مهلتها. الشيء الوحيد المتوقع هو أن تُتبع تركيا هذه المهلة بأخرى أطول، لن تنتهي إلا على أعتاب السقوط الوشيك للنظام الأسدي المجرم، لاختطاف نصر السوريين.
- آخر تحديث :
التعليقات