في مسرحية الثعلب و العنب للکاتب البرازيلي فدريکو جولهيرم، نجد شخصية إيزوب العبد الذي يعلم الحکمة لسيده السيناتور في مقابل وعد بعتقه من العبودية، لکن، وعندما تتهيأ الظروف و تمنح الحرية لإيزوب، فإنه و بعد فترة محددة يعود من تلقاء نفسه للعبودية و يبرر ذلك لسيده المندهش من عودة إنسان لقيود العبودية بعد منحه الحرية: لم أجد من يتقبلني کحر، الکل کانوا ينظرون لي کالعبد إيزوب و ليس کإنسان حر، ولذلك وجدت من الافضل العودة الى أغلال العبودية و رفض حياة ليس فيها قناعة و إيمان بالحرية!
الحق، ان شخصية إيزوب ذات البعد الوجودي، و التي سعى من خلالها الکاتب لتجسيد مفهوم الحرية في الفکر الوجودي، ليست بشخصية إعتباطية او هامشية او مفتعلة، وانما هي ذات بعد و عمق إنساني يمکن أن نتلمسه و نصادفه في الکثير من الاماکن و الازمنة المتباينة، إذ أن مسألة الحرية بمعناها الفلسفي الانساني، لايمکن تقبلها او هضمها إلا من قبل أناس يتفهمون و يؤمنون بالحرية کقيمة إعتبارية أعلى من أية مسألة أخرى، وان سبارتاکوس عندما قاد العبيد في ثورته الکبيرة ضد الطغيان الروماني آمن بالحرية کقيمة إعتبارية أرفع و أسمى من أي شئ آخر خصوصا عندما أطلق جملته المشهورة:( ليس لدينا شئ نفقده سوى القيود)، وهي إشارة الى البعد المحدد جدا للعبودية و في نفس الوقت البعد الرحب و المطلق للحرية و قد رأى هذا القائد العظيم أن لامعنى للحياة من دون حرية، وهو ماينطبق على المقولة الشهيرة للإمام الحسين: اني لاأرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما، لکن، و على الضد من سبارتاکوس و الامام الحسين، هناك أيضا من يرى في البقاء عبدا و اسيرا لحالة مقيدة و محددة للحرية أفضل بکثير من العيش بحرية تامة، وهو أمر ينطبق اليوم تماما على الذين يذودون بحياتهم و ارواحهم دفاعا عن أنظمة عفنة أکل عليها الدهر و شرب، أو على أحزاب و تيارات سياسية تطبل و تزمر لأفکار و رؤى سياسية ضيقة و محددة لرموز و أنظمة سياسية معينة، کما هو الحال مع حزب الله اللبناني، ذلك الحزب الذي ذاع صيته و إشتهر بتصديه و مقاومته لإسرائيل، لکنه قبل ذلك إشتهر بعلاقته(العقائدية الامنية)الوطيدة بالنظام الديني المتطرف في إيران و التي تحددت وفق إطار تبعية مذهبية مفرطة، وهي علاقة يفتخر بها الامين العام للحزب نفسه بل وحتى يتباهى بها، وقد جعل هذا الحزب من تلك الرکيزتين(مقاومة إسرائيل و التبعية للنظام الايراني)، منطلقا و اساسا لتعامله و تفسيره لمختلف الامور و القضايا، رغم ان النقطة الاهم التي يجب الانتباه لها بدقة هي ان هذا الحزب قد جعل من الرکيزة الاولى(أي مقاومة إسرائيل)، فرعا ثانويا تابعا للرکيزة الاصلية(أي التبعية للنظام الايراني)، بل وان التصدي لإسرائيل و مقاومتها صار مشروعا فکريا سياسيا يخدم اهداف و مشاريع النظام الايراني في المنطقة و العالم، مع ملاحظة ان قضية المقاومة و عقب حرب تموز 2006، المدمرة، قد بدأت بالتراجع و الخفوت ولم تعد تحيط بها تلك الهالة و ذلك البريق الساطع وانما طفقت تطغي قضايا أخرى عليها نظير العمل على مد نفوذ هذا الحزب بإتجاه الدول العربية التي تتواجد فيها الطائفة الشيعية، وقد توالت التقارير المختلفة التي تشير الى تدخلات هذا الحزب في أکثر من بلد عربي، وعندما نجد أن هذا الحزب قد جعل من نفسه رأس حربة للنظام الايراني ولاسيما عندما وصل الامر الى حد تصفية معارضين إيرانيين بالنيابة عن النظام نفسه في دول العالم المختلفة، وأن عمليتي إغتيال کل من الدکتور عبدالرحمن قاسملوquot;رئيس الحزب الديمقراطي الکوردستاني الايرانيquot; في فينا، عام 1989، و إغتيال سعيد شرفکندي في برلين عام 1992، قد أقدم عليها أفراد لبنانيين تابعين لهذا الحزب و تمکنوا بواسطة التغطية و الدعم المخابراتي الدبلوماسي الايراني المقدم لهم من الفرار من قبضة العدالة وهو أمر لازال خافيا على الکثيرين، مثلما أن مسألة تورطه في إغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري جائت لتؤکد هي الاخرى خبرة و ممارسة و عراقة هذا الحزب في عمليات الاغتيال السياسي و الاعمال المتصلة بالارهاب، وقد کانت للمعلوماتquot;الوفيرةquot;التي وصلت الى يد الاوساط السياسية الحاکمة في المنطقة، کانت کفيلة بجعلها تتوجس ريبة بل وحتى ترهب من هذا الحزب الذي صار مشروعquot;دولة داخل دولةquot;، وهو ماأطلق العنان لهذا الحزب و دفع قادته و لاسيما زعيمه السيد حسن نصرالله لکي يطلق تصريحات نارية يسارا و يمينا ضد الانظمة العربية و الإيحاء بأن هذا الحزب هو البديل الافضل للنظام الرسمي العربيquot;التعبانquot;وquot;المتهالكquot;، ولاريب من أن الکثيرين قد إنبهروا بهذا الحزب و إعتبروه نموذجيا من مختلف الامور، ومن وراء الستار، کان النظام الايراني يراقب کل هذه الامور بدقة متناهية و فرح غامر.
وللموضوع صلة.