طرفي الصراع المحتدم منذ حسم نتائج الانتخابات ولحد الان هما أئتلاف دولة القانون والقائمة العراقية، ولانستطيع ان نجزم بعد من هم الصقور؟ ومن هم الحمائم؟ لطبيعة تداخل المواقف وضبابيتها، وتشابك الاراء وحدتها من خلال تصريحات عديدة وكثيرة لكلا الطرفين عبراعضاء وشخصيات معظمها متنفذة وقيادية في هذا الطرف او ذاك، وكانت اغلب هذه المواقف ان لم اقل كلها متناقضة وبعيدة عن حيز الواقع اليومي المعاش، ولاتعبر عن حقيقة التوجه السياسي المطلوب الذي ينبغي ان يخدم الوطن والشعب على حد سواء، فقد تميز الموقف السياسي والخطابي لكلا الطرفين بالحدية والترقب المتيقظ للرد الآني وكأن القضية اصبحت في حقيقتها صراع واحتدام من اجل الفوز الذاتي، لا من اجل نصرة المصلحة الوطنية وحقوق الشعب، بل من اجل تثبيت المواقف بأي شكل من الاشكال حتى وان كانت خاطئة ومتعجلة، وهذه الحالة تقود بالضرورة الى تعميق حدة التنافر وتوسيع رقعة الاختلافات لا لشئ سوى ان يتسيد الموقف احد الطرفين، ومما زاد الامور تعقيدا، هو كثرة التصريحات المتناقضة والمتضاربة التي يبثها اعضاء طرفي الصراع يوميا حول مجمل الامور والقضايا حتى وان لم يستحق البعض منها التعليق او التصريح، بحيث وصلت الحالة الى حدودها القصوى التي باتت تقترب من حد العداء والكراهية وتدخل في نطاق الصراع الذي يمكن ان يكون ازليا ويشكل في المستقبل سمة من سمات الصراع الايديولجي الذي يتكون على اساس الفكر السياسي المتمثل بنظريتين،احدهما اسلامية دينية والاخرى ليبرالية علمانية حيث تترك تأثيراتها الانشقاقية لا على الواقع السياسي فحسب، وانما على الواقع الشعبي ايضا.

فليس من الحكمة ولا من الوطنية ولا من مبادئ العمل السياسي النزيه والنافع للشعب والوطن، العمل على اذكاء الصراعات وخلق حالة من التنافر المستمرتحت مسميات ذاتية وسياسات غامضة واجراءات ملغومة تنذر دائما بالانزلاقات الخطيرة التي ينبغي على الطرفين التفكير في وضع حد لها وايجاد مخارج منها، والعمل كذلك على علاج كل الاشكاليات والمشاكل اكثر من الاندفاع بأتجاه تأزيم الاوضاع وتفخيخ الاجواء، فلايمكن ان نؤسس لصيغة حضارية في العمل والانماء الا من خلال الشروع الفوري لتأسيس مشروع سياسي مجتمعي ينتج حالة راقية من الانسجام في تحقيق المنجز والاداء الذي يسمو بالاحزاب والكتل السياسية وبالاخص المتنازعة لأن تتجاوز المصالح الفئوية الضيقة والحسابات المشخصنة لأجل انعاش المصلحة الوطنية وتحقيقا وتلبية للارادة الشعبية، كي يتم اشغال الشعب بالخطاب الصالح ويتم ايضا استنهاض الهمم التي بدورها ترفع مستوى التطلعات الايجابية وتخلص الطموحات الشعبية من عقد التهميش والاهمال، وينشغل الشعب بما هو افضل من تتبع الصراعات كي ينطلق الى افاق المعرفة والابداع على مختلف الاصعدة، وفيما عدا ذلك يبقى العمل الحزبي والسياسي مجرد كيانات مليئة بالعيوب والاختلالات التي تبرزمن خلالها الولاءات الشخصية على حساب ولاء المشاريع الوطنية والبرامج الانمائية والافكار الابداعية.

ان طرفي النزاع يواجهان الان مرحلة تأريخية ودقيقة للغاية، وهذه المرحلة تشكل اختبارا حقيقيا لهما امام الشعب وامام باقي الكيانات السياسية الاخرى، فأما التوجه نحو اعادة النظر بالنوايا والاهداف، وجعلهما تتخطيان صيغة المحددات الحزبية والانا الذاتية في اطار تجاوز المطالبات المستمرة بالاستحقاقات، والكيل بميزان العدالة والمساواة التي تحقق ولو الحد الادنى من التوافقات، وجعل الشراكة مبدأ حقيقي وتطبيق دقيق ومفصل، واما ان يتجه الطرفان لاحداث شرخ في العملية السياسية ونسف اساساتها التي تبلورت بعد معاناة طويلة وجهد لايستهان به طيلة السنوات التسع الماضية، وهذا ما يهدد التجربة العراقية برمتها وينذرها بالفشل والتدمير، الامر الذي سينعكس سلبا على الشارع العراقي الذي سيشهد حتما صراعات وتناحرات عنيفة قد تعود بالبلد الى اشعال الفتنة الطائفية والعنصرية مجددا، مما يمهد الطريق للتدخلات الاقليمية والخارجية كي تبسط نفوذها على العراق وتثبت مصالحها التي كانت ولاتزال تبحث عن الحجج لتنفيذ مثل هذه المخططات والتصيد بالماء العكر.

ان المنهج السياسي الذي اتبعه طرفي النزاع لايدع لاي مراقب سياسي ان يحمل المسؤلية لهذا الطرف دون ذاك، فكلا الطرفين معني بمسؤوليته تجاه البلد وتجاه الشعب، ولاتوجد غلبة لهذا الطرف او مغلوبية للطرف الآخر، اذ ان المغلوب الوحيد والحقيقي هو الشعب، فهو الذي سيكون حطب النيران وهو الذي سيخسر كل شئ بعدما تمنى ان يتحقق كل شئ، فهل من المعقول ان يضيع البلد من جراء خلافات سياسية تندرج تحت الصيغة المطلبية فقط؟ ام ان رجاحة العقل، وقيمة المصلحة الوطنية العليا، والسعي لبناء البلد واسعاد الشعب، هي التي تشكل الضرورات والاولويات التي من شأنها ان تجبر كل الاطراف السياسية المتنازعة لأن تحل مشاكلها وتتداخل وتتفاعل مع المسيرة الوطنية من اجل خدمة العراق والعراقيين.

ولااعتقد على الاطلاق من ان المنهج السياسي المتبع الان لكل من دولة القانون والعراقية سيوصل الى مرحلة التوافقات والحلول، طالما بقيت العقد الشخصية والتطلع الى مسك العصا من احد اطرافها وعدم التفكير ولو بالحد الدنى من التنازلات، هي دلالات ومحاولات التمسك بالسلطة وبمنهجية الرأي الواحد والقرار الاوحد، وهذه معكرات ستقود حتما الى اصابة الجسد السياسي بالشلل التام الذي يمنح القدرة على النظر فقط دون التحدث بالحلول، ومن ثم سينعكس سلبا على الاداء الحكومي لطبيعة ارتباط المسؤولين بكتلهم السياسية وتعاطفهم مع مواقف وخطابات هذه الكتل، وبالنتيجة سيخسر الجميع تجربة كان يمكن ان رائدة في مجال الواقع التأريخي للعراق، ومحيط الربيع العربي، وتأسيسا على ذلك لابد من البحث عن فرصة جدية وحقيقية للقاء منفرد يجمع كل من السيد المالكي والدكتور علاوي بدون مستشارين او اعضاء او مراقبين من هذه الكتلة او تلك، وتجري مناقشة الامور بكل تفاصيلها ومن منطلقات وطنية تستند على اسس الاستحقاقات الشعبية والارادة التأريخية، وأن يتحصن هذا اللقاء بالنوايا الحسنة التي تتفاعل مع بعضها في حدود الاصرار على حل اكبر قدر ممكن من الاشكالات دون اخضاعها الى لجان او مؤتمرات اصلاحية او توفيقية، وهذه الخطوة تعتبر اذا ماتحققت غاية في الشجاعة ونموذجا لنمط سياسي فريد من نوعه سيضيف الى التجربة العراقية عمقا واعيا وقدرا كبيرا من التضحية تعبر عن فلسفة سياسية قد تكون فريدة من نوعها من بين معظم التجارب السياسية في العالم، وليس في ذلك اية خسارة للطرفين، انما هي النجاح بحد ذاته والتصرف الحكيم والمتزن الذي سينظر اليه الشعب العراقي اولا وباقي الكتل السياسية ثانيا بكل احترام وتقديرواعجاب.

كاتب ومحلل سياسي ndash; عمان

[email protected]