في مقال له منشور في صحيفة quot;زويد دويتشه تسايتونغquot; الألمانية ينتقد هريبرت برانت وزير الخارجية الألماني غُيدو فيسترفيلله وسياسته quot;الفاشلةquot; تجاه الملف الليبي وملفات خارجية أخرى، واصفاً إياه بquot;باللاعب في الحكايات بدلاً من أن يكون لاعباً في السياسةquot;. لكن فيسترفيلله ينسى أن اللعب في السياسة، ليس سهلاً كما هو عليه الحال في الحكايات.

هكذا يبدو لي لعب بعض quot;أبطالquot; المعارضات السورية quot;المستعجلينquot;، الذين يستحقون أن يكونوا quot;أبطالاًquot; لأكثر من quot;حكاية عاجلةquot;، إذ يخرجون علينا بين الحين والآخر، في إسطانبول وشقيقاتها، بquot;حكايةquot; سورية جديدة، فيها من الأقوال أكثر من الأفعال، ومن الإيمان أكثر من السياسة، ومن الحزب والآيديولوجيا الواحدة أو شبيهها أكثر من الوطن الكثير المتعدد، ومن الشخصنة أكثر من التشخيص، ومن الفرقة أكثر من الإتحاد، ومن quot;خارجquot; سوريا أكثر من داخلها، ومن العوم بعكس تيار الثورة السورية أكثر من اللعب في الثورة ومعها، ومن الوراء أكثر من الأمام.

بعد مررو أكثر من خمسة أشهر ونصف على قيام الدم السوري وقيامة شوارعه، لا تزال quot;حكايةquot; هذا البعض quot;العاجلquot; من المعارضات السورية هي هي: عقد مؤتمرات في مؤتمرات، وquot;سلقquot; مبادرات، وصناعة بيانات ومجالس وهيئات وتمثيليات quot;عاجلة جداًquot;.

هناك ثورة سورية جديدة ضد نظام قديم جداً، ولكن من دون أن يكون هناك quot;بديل سوري جديدquot;: بديل موحد، يقود سوريا من ديكتاتورية الأسد إلى ديمقراطية الشعب، ومن دولة الأمن والشبيحة والمخابرات إلى دولة المواطنة والقانون والفصل الكامل بين السلطات.

quot;المجلس الإنتقالي السوريquot; هو إسم quot;الحكاية العاجلةquot; الجديدة التي قيل عنها بأنها ستكون quot;فتحاًquot; جديداً لكل السوريين من أقصى الثورة إلى أقصاها، ومن أقصى المعارضة في الداخل إلى أقصاها في الخارج.

لكن سرعان ما تبخّر quot;المجلس السوري الإنتقاليquot; كحكاية، وسرعان ما تبخّر الرقم quot;94quot; الذي قيل أنه يساوي عدد أعضائه، لينقص بعد ساعات من إعلان quot;المجلس/ الحكايةquot; إلى حوالي الثلثين أو ربما أقل، وذلك بعد تبرئة الكثيرين ممن تمّ حشر أسماءهم في تشكيلته، من هكذا quot;حكايةٍquot;، قالوا أنهم لم يسمعوا بها قطّ، لا من قريب ولا من بعيد.

كثيرون(بينهم أعضاء في هيئة تنسيق أحزاب المعارضة الديمقراطية في سورية كفايز سارة، عارف دليلة، ميشيل كيلو، حسين العودات، عبد المجيد منجونة، برهان غليون، وآخرين، إضافةً إلى معارضين من خارج الهيئة كعلي العبد الله وياسين الحاج صالح ولؤي حسين) استغربوا من زج أسمائهم بهذه العجالة، في المجلس دون علمهم، مؤكدين أنهم لم يُستشاروا ولم يتصل بهم أحد قبل إعلان أسماء أعضاء المجلس الوطني الانتقالي.

الواضح من quot;لاعلمquot; الكثيرين ممن وردت أسماءهم في تشكيلة الهيئة التأسيسية للمجلس، هو أنه قد تمّ quot;سلقهquot; على عجل، كما هو عادة أهل المعارضات السورية ما بين إسطانبول وأنقرة، طيلة الأشهر الدموية الماضية.
والواضح أيضاً، هو أنّ دعاة تشكيل quot;حكومة ظلquot; أو quot;حكومة في المنفىquot; أو quot;مجلس انتقاليquot; في مؤتمرات إسطانبولية سابقة فشلت فشلاً ذريعاً، هم أنفسهم الذين يشكلون الآن، أس quot;المجلس الإنتقالي السوريquot; الجديد وأساسه. هؤلاء الذين كانوا قد خططوا في مؤتمرات سابقة(لا سيما قبيل المؤتمر الوطني للإنقاذ برئاسة المعارض السوري المعروف المحامي هيثم المالح) لهكذا مجالس أو حكومات quot;عاجلةquot;، وتراجعوا أو تنازلوا عنه تحت ضغط الداخل السوري الثائر، وأرجؤوا المشروع كما قالوا لخاطر عيون الثورة وأهلها في الداخل والخارج، هم أنفسهم الآن، الذين حملوا quot;المشروع النائمquot; على أكتافهم مجدداً، وأعلنوا على غفلةٍ من الثورة وأهلها ولادته القيصرية العاجلة.

وربما هذا هو السر المختفي وراء حقيقة وضع إسم الأكاديمي المعارض السوري البارز د. برهان غليون على رأس المجلس، أو تعيينه رئيساً له دون أن يكون له علمٍ بالحكاية. فالسبب المحتمل الكامن وراء هذه quot;الترقيةquot; أو منح الثقة بغليون(وهو يستحقها بالطبع) كما يبدو من جولات كرّ وفرّ المعارضات السورية ونقاشاتها بخصوص حاجة الثورة السورية لهكذا مجلسٍ إنتقالي الآن من عدمه، هو لأن غليون كان إلى جانب معارضين سوريين آخرين في quot;هيئة التنسيقquot; من أشد المعارضين لهكذا مبادرات عجولة غير ناضجة، من شأنها تخطف الثورة، وتخلق الفوضى والفرقة والشقاق بين المعارضات السورية، بدلاً من أن تنسق جهودها وتوحّد صفوفها، لا سيما وأنّ كل هذه المبادرات quot;المسلوقةquot; تركياً، هي مبادرات يسيطر عليها في مجملها، ويتحكم بتفاصيلها لونٌ سوريٌّ واحد، وهو لون الإخوان المسلمين؛ هذا اللون الذي لا يزال يصرّ على استبعاد كلّ تيار أو لون سوري آخر لا يريد quot;الإسلام حلاًquot; لسوريا القادمة.

لا شك أنّ الثورة السورية بحاجة إلى ممثل شرعي، أو ذراع سياسي يمثلها في المحافل الدولية، ليمهد الطريق أمام مرحلة إنتقالية كفيلة بنقل السلطة إلى أهلها، بما يتناسب مع مطالب الثورة في الإنتقال إلى سوريا حديثة ديمقراطية مدنية علمانية.
لكن ما يجري في الواقع، على مستوى هذا البعض quot;العاجلquot; من المعارضات السورية، الذي يحاول دائماً، quot;استباقquot; الثورة وخطف المبادرة منها، بدلاً من المشي وراءها، لا يفي بهذا الغرض، كما يبدو.

فلا يمرّ مؤتمر لهؤلاء إلا ونرى خلافات حقيقية تحوم حوله، سواء في الداخل أو في الخارج.
هؤلاء لا يعقدون العزم على أية مبادرة بدون أن يكون لهم فيها سيطرة شبه كاملة على كلّ صغيرة وكبيرة فيها.
هم، لا يسيرون خلف أية مبادرة سورية، بل على الآخرين أن يمشوا خلفهم، وخلف مبادراتهم الكثيرة ومجالسهم المفصلة تفصيلاً آيديولوجياً مبيناً.
هؤلاء، معارضون وطنيون، لا غبار على وطنيتهم، يريدون سوريا بدون أدنى أيّ شك، لكنهم يريدونها quot;سوريا مسلوقةquot; في مطبخ تركي؛ quot;سوريا دينيةquot; أو قريبة منها، بدلاً من quot;سوريا علمانية مدنيةquot;؛ سوريا تُحكم بقوانين سماوية، بدلاً من أن تحكمها قوانين وضعية.

quot;المجلس الإنتقالي السوريquot; هو حكاية أخرى ستضاف إلى أرشيف quot;حكاياتquot; هذا البعض السوري المعارض.
quot;الإنتقالي السوريquot;، quot;حكاية فاشلةquot; بإمتياز، كما تقول الثورة السورية، ليس لأننا لا نريد لهذا المجلس النجاح والخروج على الحكاية، وإنما لأن المجلس ولد فاشلاً، أو هكذا تقول بيانات مجالس وهيئات المعارضات السورية quot;المضادةquot;، في داخل الثورة وخارجها.
فبعد ولادة هذا المجلس وquot;انتقاله العاجلquot; إلى الفضائيات، خرجت بيانات عاجلة مضادة تعلن تبرئتها منه ومن تشكيلته الإنتقالية quot;العاجلةquot;. فهذا بيانٌ من quot;الهيئة السورية العامة للثورةquot; يتفاجأ بالمجلس ويتهمه بquot;تلفيق الأسماء بدون علم أصحابهاquot;، ومحاولة لquot;تشتيت الجهود وزرع الخلافquot;، معلناً تبرئة quot;الهيئةquot; منه. وهذا بيانٌ ثانٍ من quot;الهيئة الوطنية لمؤتمر الإنقاذquot;، تقول فيه بأنها quot;تفاجأت بالمجلسquot; وتعلن quot;رفضها لهذا الإسلوب في الإعلان سواء لجهة عدم اعتماده الحد الأدنى من المعايير الديمقراطية، أو لجهة منطق الفرض والإقصاءquot;. quot;المجلس الوطني السوريquot;، قال هو الآخر في بيان له بأن quot;لا علاقة له بهذا المجلس الإنتقالي لا من قريب ولا من بعيدquot;.
بيانات أخرى صدرت من شخصيات وطنية سورية، مثل محمد عبد المجيد منجونة وعبدالحكيم بشار وندى الخش ودانيال سعود ورديف مصطفى، إلى جانب آخرين كثيرين، تبرئوا فيها من quot;الإنتقالي السوريquot; العاجل، معلنين انسحابهم quot;العاجلquot; منه، لأن القائمين عليه أعلنوا المجلس بدون مشورتهم وأخذ آرائهم، أو بالأحرى لأنهم quot;طبخوا الطبخة في مطبخ سريquot; من دون علمهم.

تلك هي quot;حكايةquot; المجلس الإنتقالي السوري quot;العاجلquot; الذي ولد quot;عاجلاًquot; ليموت على عجل.
وتلك هي حكاية المستعجلين القائمين عليه وعلى أخوانه، الذين لا شغل لهم على ما يبدو، في إسطانبول وأنقرة وما بينهما، سوى التسابق على عقد مؤتمرات quot;كيفيةquot;، quot;رجعيةquot;(مقارنةً مع تقدمية الثورة السورية)، وتشكيل هيئات وحكومات ومجالس نسمع فيها quot;جعجعة كثيرةquot; من دون أن نرى طحيناً.
تلك هي بعض حكاية quot;الفشلquot; السوري quot;العاجلquot; وquot;المستعجلquot;، الذي إسمه quot;معارضةquot;.

فهل ستخرج المعارضات السورية من فشلها المزمن، وتدخل كلها في قادم مؤتمراتها ومجالسها وهيئاتها، quot;معارضة سورية واحدة موحدةquot;، لتنجح سوريا؟

[email protected]