في تسعينيات القرن الماضي ظغت السياسة على كل شيء في العراق حتى تحول المثقف الى هتاف باسم السلطة او منزو في ركن من الصمت او هارب بجلده يرجو النجاة.
ولم يتغير المشهد كثيرا بعد عام 2003 عام التغيير الكبير في العراق حيث ظل كتبة التقارير الامنية من مثقفين عراقيين يواصلون مهنتهم في ابتداع كل جديد في عالم النيل من الاخر وان اختلفت وجهة التقارير نحو مواقع نت او صحف تنشر بلا رقابة من ضمير.

ولعل الكتاب الجديد الذي صدر العراق مؤخرا يشكل صدمة بما يحتويه من وثائق ادانة ويفضح طريقة تتبع مخابرات نظام صدام لكل عراقي ينشط في الخارج.
فقد صدر عن منشورات بابل كتاب الشاعر العراقي علي الشلاه quot;أسئلة المأساة.. كربلاء في الأدب العربي الحديثquot; في طبعة ثالثة تحمل وثائق لم تنشر سابقا تضم تقارير استخباراتية كان يرسل مثقفون عراقيون وموظفون لجهاز المخابرات في بغداد. ومعظمها يدور حول مضوع الكتاب الذي هو في الأصل رسالة ماجستير قدمت لجامعة اليرموك الأردنية بين عامي 1992_1995 بإشراف الدكتور خليل الشيخ.

الوثائق التي انفردت بها هذه الطبعة وضعت في فصل مضاف سمي quot;قصة الكتاب_وثائق زمن مضىquot; حيث احتوت على وثائق مهمة صادرة من مخابرات النظام السابق تعكس تتبعا للرسالة منذ تسجيلها عنواناً وحتى مناقشتها ومن قبل أجهزة متعددة، بدء ً بدوائر الأمن والمخابرات وانتهاءً بوزارة الخارجية عبر توصيف للمؤلف جاء فيه quot;شكلت كتابة هذا الكتاب بوصفه رسالة ماجستير قدمت إلى جامعة اليرموك الأردنية بين عامي 1992-1995 ونوقشت عام 1996م علامة بارزة في مسيرتي الثقافية و الاكادمية والسياسية كما شكلت عاملا مضافا من عوامل اختلافي مع النظام الدكتاتوري السابق حينها، حيث عدها النظام وأجهزته كافة عملا عدوانيا من قبلي تجاههم يستوجب مراقبتي واستدراجي واعتقالي ثم عرضي على محاكمهم الصورية بتهمة التهجم على رئيس النظام شخصيا والأغرب من ذلك أن يقوم مكتب وزير الخارجية نفسه بمخاطبة الجهات الأمنية لملاحقة الرسالة وكاتبها وذلك كله يعكس حساسية موضوعة كربلاء وخطورتها على الطغاة جميعا على مدى التاريخ فلماذا يخاف دكتاتور مدجج بكل وسائل القهر والعسكريتاريا بمواجهة شعب اعزل إلا من حبه المأساوي للحسين و كربلائه ولماذا تعد كربلاء مؤشرا على العداوة للنظام إلا إذا كان ذلك النظام يعد نفسه من أعداء الحسين ومنتمٍ ولو عن بعد إلى معسكر القتلة وذلك مما يؤكد النتائج التي توصلت إليها الرسالة من أن الحسين سيظل منفتحا على الزمان ويختار القادمون مواقفهم من صراع الخير والشر قياسا بموقفهم من كربلاء ولعل مما يؤكد أهمية ما تقدم ان نضيف إلى هذا الكتاب (الرسالة) عددا من الوثائق الخطيرة التي عثر عليها في ملف خاص بدائرة المخابرات العراقية بعد عام 2003 وتؤشر تتبعا دقيقا للرسالة منذ تسجيلها عنوانا مع ملاحظة أن عددا من كتبة التقارير قد حرفوا في عنوانها حتى تكون مستفزة للنظام بشكل اكبر وبذا يكون عنوان الرسالة اثر الشعر الشيعي في الشعر العراقي بدلا من كربلاء في الشعر العربي الحديث حتى يؤكد أولئك المخبرون أهمية معلوماتهم وخطورة الرسالة وبعضهم أدباء ينتمون إلى حرفة الحرف المقدسة في حين أطلق بعضهم على الرسالة اسم فصلها الأول (كربلاء من التاريخ إلى الأسطورة) مما يعكس تعدد الأشخاص والأزمان في تتبعهم لكتابهاquot;.

وقد نالت بعض الاقلام من سيرة الشاعر الشخصية مما أدى إلى التضييق على حرية أفراد عائلته في محاولة للتأثير والكف عن الكتابة في هذا الموضوع.
يقول الشاعر علي الشلاه انه وضع في هذه الطبعة من الكتاب عددا قليلا من تلك الوثائق quot;لان هدفي الأساس هو توكيد أهمية البحث لا أي هدف أخر ولذا ارتأيت بعد تفكير عميق حذف أسماء كتبة التقارير والاكتفاء بنصوصها وكما وردت في الوثائق الأصلية حتى لا يصبح الحديث عن الأشخاص شاغلا عن التفكير في الأطروحة الفكرية والأدبية لكربلاء الحسين، وربما أعانني هذا الأمر على الإجابة على سؤال طالما وجه إلي من زملاء عدة بعضهم ينتمي إلى المدرسة الفكرية ذاتها وهو لماذا تكتب عن كربلاء؟quot;.
ويجيب الشلاه على تساؤل حول موضوع الكتاب: أليس في عالم الأدب والفكر مئات المواضيع التي لم يتناولها باحث وبوسعي أن اكتب فيها؟

يقول: ان الإجابة عن هذا التساؤل تعكس بالنسبة لي وجهات نظر مرتبكة لا ترى في الأمور المختلف عليها معلما مهما من المعالم التي يجب ان تدرس بعمق وبعيدا عن اللغة الهامشية أو الشتائمية حتى لا يصبح تجنبها باعثا من بواعث زيادة الاحتقان فيها بل ان فك الإسار الطائفي عنها ودراستها بوصفها موضوعا فكريا أو أدبيا وتتبع أثارها الوجدانية في حركة المجتمع سيسهم إلى حد بعيد في تطوير مجتمعات تقبل بعضها كما تقبل الآراء التي يحملها الآخرون من أبنائها ولا تشكل هذه الأفكار السامية مجالا من مجالات التفرقة والانقسام وهنا أركز على ان وضوح الرؤية ينبغي ان يكون هدفا بحد ذاته في دراساتنا وأبحاثنا لاسيما في الإطار الأكاديمي وان طرح الشخصيات والأفكار والنصوص المختلف عليها بمنهج موضوعي يؤدي في كثير من الأحيان إلى تحولها من مؤشر لجهة أو طائفة إلى موضوع إسلامي وإنساني عام يجد الجميع حصة لهم فيه بعدهم بشرا أحرارا لهم موقفهم من صراع الخير والشر مثلما لهم قدرتهم على التعاطي مع النصوص الأدبية والجمالية المبدعة.

لقد توقفت الدراسات الأدبية والنقدية العربية المعاصرة كثيرا أمام الأساطير اليونانية والرومانية كما درست عددا كبيرا من حضارات وادي الرافدين ووادي النيل والحضارات الصينية والهندية وسائر الحضارات القديمة ولم يؤخذ الأمر بوصفه مؤشرا سلفيا أو اطروحات هامشية ينبغي عدم التركيز عليها عدت هذه الأساطير وتوظيفها مؤشرا فاعلا على قدرة المبدع وتمكنه من أدوات الكتابة المبدعة فلماذا عندما نقترب من كربلاء وهي الحدث التاريخي الإسلامي المأساوي الأكبر والذي ترقى بعض النصوص والمسرحيات التي تناولته إلى إبعاد ملحمية لم يألفها الأدب العربي يكون هذا التناول مؤشرا سلفيا مستهجنا لدى بعضنا إنني أتفهم ان يخاف الطغاة والحكومات والسلطات من الحسين و كربلائه بعدهما راية المستضعفين والثائرين والمهمشين وأصحاب الحق المدفوعين عن حقهم ودعاة التغيير لكنني لا افهم أبدا هذا التواطؤ الأكاديمي في بلدان عديدة من عالمنا العربي والإسلامي مع هذه الرؤيا السلطوية إلا إذا كانت الطائفية باعثا رئيسا من بواعث الرفض والقبول وتحديد الموضوعات في الجامعات العربيةquot;.

اذا كان موضوع الكتاب يقترب من الديني أكثر من الثقافي فان الوثائق المرفقة به تشكل ادانة واضحة لعدد من المثقفين الذي تحولوا لكتاب تقارير ومازالوا بهدف تسيقط الاخر والنيل منه لاسباب شخصية وطائفية.

يذكر ان الطبعة الأولى للكتاب قد صدرت عام 1996 والثانية في ملحق جريدة الصباح كتاب الشهادة عام 2009 في ذكرى العاشر من محرم الحرام.
يقع الكتاب_الرسالة في 208 صفحة من القطع المتوسط موزعة على أربعة فصول هي :-
الفصل الأول.. كربلاء من التاريخ إلى الأسطورة
الفصل الثاني.. كربلاء من قصيدة الرثاء التقليدية إلى الأفاق الرمزية
الفصل الثالث..كربلاء في الشعر العربي الحديث
الفصل الرابع.. كربلاء في المسرح الشعري

من وثائق الكتاب: