حسب ما تشير اليه تقارير الصحافة الكردية فان فترة النصف الأول لرئاسة برهم صالح لحكومة اقليم كردستان على وشك الانتهاء وان الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرزاني يتهيأ لاعادة المنصب اليه حسب الاتفاق الاستراتيجي بينه وبين الاتحاد الوطني لعدم قبوله باستمرار صالح للنضف الثاني من رئاسة مجلس الوزراء، وحسب المعلومات الصحفية فان حزب البرزاني رشح نائب رئيسه نيجيرفان البرزاني أو روز نوري شاويس نائب رئيس الوزراء العراقي لاستلام رئاسة الحكومة في كردستان.

ولكن لضرورات سياسية فان استمرار هذا النهج في ادارة حكومة الاقليم لا يحمل منافع استراتيجية مستقبلية للكرد لان الاصلاح ما زال بعيدا عن التحقيق وثم ان استمرار الحزبين الحاكمين في السلطة لا تبعث على الطمأنينة لانهما يرقدان فوق جبال وعواصف عاتية من الفساد وسوء ادارة الحكومة واستغلال السلطة، ويرتكزان على بطانة كبيرة فاسدة من المسؤولين في الحزب والحكومة والبرلمان.

والمؤلم لكل مواطن غيور، وفي ظل رئاسة الحزبين للاقليم وحكومته وبرلمانه طوال عقد من الزمن ترسخت في كردستان رأسمالية مستبدة ومستعبدة وطاغية وهالكة وناسفة لكل اعتبار اخلاقي وانساني على حساب الشعب من قبل أقلية مارقة من أصحاب السلطة والثروة المنهوبة.

ولهذا فان الحكمة تقتضي من باب المنطق والعقل ابعاد الحزبين عن رئاسة الحكومة في الفترة المقبلة لوقف نزيف الفساد المستمر والبدء بخطوات جريئة لارساء برنامج اصلاحي حقيقي فعال بعيدا عن الحزبين المصابين بامراض مزمنة للاحتكار واستغلال السلطة والاستيلاء غير الشرعي على ثروات الشعب وممتلكات دولة الاقليم، وهذا لا يعني ان الفساد المستشري في بغداد يقل حجما ومساحة عن ما هو في كردستان بل على العكس يمكن تمثيل فساد الاقليم بقطرة من بحر فساد الحكومة الاتحادية لانه يفوق الخيال ويتجاوز كل تصور فائق لعقل الانسان وهو أكبر فساد في تاريخ العالم المعاصر.

ولا يخفى ان رئيسي الحزبين الحاكمين في كردستان كثيرا ما وعدا باجراء الاصلاح منذ سنوات ولكن الوعود بقيت حبرا على الورق لان الهدف من ورائها كان مجرد للاستهلاك المحلي لذا لم يبق اي ثقة للمواطن الكردي بتلك الوعود الخاوية، ولكن بروز حركة التغيير قبل سنتين وكسبها لربع المقاعد النيابية في برلمان كردستان غيرت المعادلة السياسية وتمكنت من احراج الحزبين ورئيسيهما الطالباني والبرزاني بعدم جديتهما في اجراء الاصلاح، وجلوس حزبي السلطة مع المعارضة الكردستانية بقيادة نوشيروان مصطفى في مباحثات متواصلة ومتقطعة للاتفاق على برنامج للاصلاح دليل على قوة الموقع السياسي والشعبي لحركة مصطفى والمعارضة.

لهذا وبغية طرح رؤية واقعية لمعالجة الامور في الاقليم، نطرح مبادرة سياسية امام مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان وكوسرت رسول علي نائب الامين العام للاتحاد الوطني لامتلاكهما رؤية مشتركة لحاضر ومستقبل كردستان، ولاحداث تغيير جدي في العملية السياسية الجارية، ولاختبار الحزبين الحاكمين بالرضوخ لضرورات متطلبات مرحلة التغييرات والثورات والاحتجاجات والانتفاضات التي تمر بها المنطقة والعراق والاقليم، والمبادرة تتضمن تكليف القيادي نوشيروان مصطفى او احد القيادات المؤهلة في حركة التغيير برئاسة الحكومة في النصف الثاني المتبقي من الفترة القانونية لحين اجراء الدورة الانتخابية البرلمانية المقبلة.

والرؤية السياسية التي تدفعنا الى طرح هذه المبادرة بحيادية وموضوعية تتضمن الاسباب الموجبة التالية:
1.الحق النيابي لحركة التغيير في برلمان كردستان لامتلاكها 25 مقعدا نيابيا وهو استحقاق انتخابي وقانوني يمنح الحق لتجاوز ما اتفق عليه بين الحزبين الحاكمين في الاتفاق الاستراتيجي.
2.دفع الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني الى تقديم بادرة سياسية متسمة بالتقدير والاعتبار الوطني لصالح الشعب واختبار قدرة المعارضة على تقديم مؤهلاتها وامكانياتها في ادارة الحكومة في مرحلة استحقاقية حرجة تسيرها السلطة والمعارضة.
3.تشكيل حكومة وفاق وطني بين حزبي السلطة وحركة التغيير واحزاب المعارضة المشاركة في البرلمان، الاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية، وشخصيات مستقلة مقتدرة، وعلى ان تعمل الحكومة على اساس نهج وطني مستقل وتكنوقراطي بعيدا عن اي تأثيرات حزبية.
4.التهيئة لمتطلبات المرحلة المقبلة لحين اجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة والتي تتطلب الاعداد الجيد والنزيه لانتخابات مجلس المحافظات بعيدا عن التدخلات المخفية للحزبين الحاكمين في الانتخابات.
5.تفرغ حزبي الطالباني والبرزاني في الفترة المقبلة لمعالجة القضايا المصيرية للاقليم مع الحكومة الاتحادية في بغداد حول المادة 140 الدستورية وقضية كركوك والمناطق المستقطة من كردستان ومسائل البيشمركة والنفط والغاز والاحصاء السكاني والميزانية وتفعيل دور الشراكة للكرد في العاصمة وغيرها من القضايا العالقة بين بغداد واربيل.
6.اعداد واطلاق خطة خماسية استراتيجية وطنية بتوافق جميع الاحزاب الكردية للتمهيد لاعلان دولة quot;جمهورية كوردستان الديمقراطيةquot; والاستفادة من أجواء التغييرات والثورات التي تسود الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وبعد اعادة كركوك والمناطق المستقطعة الى الاقليم.
7.تشكيل الهيئات المستقلة للنزاهة والكسب غير المشروع ومجلس الخدمة ومفوضية الانتخابات وهيئات اخرى في الاقليم بعيدا عن تدخلات الحزبين الحاكمين، واستحداث منصب مفتش عام في كل وزارة ومؤسسة حكومية مرتبط بهيئة النزاهة لضمان الشفافية ومراقبة تنفيذ الامور المالية والادارية والحسابية وفق سياقاتها القانونية.
8.تقييم وتقوية الاداء في تشكيلات مؤسسات دولة الاقليم واعتماد مبدأ التغيير في المواقع والمناصب بإجراء عمليات نقل واستبدال بين المُدراء العامين والمدراء، واستحداث مواقع بصلاحيات نافذة للمُفتشين العموميين في الوزارات، ومراجعة أداء الوزراء والمُدراء العامين والمدراء والتشكيلات المهمة وفي حال عدم قدرتهم من أداء العمل بكفاءة ونزاهة يتم إعفاؤهم من مناصبهم.
9.تفعيل الدور النقابي والمهني والطوعي والجماهيري للنقابات والجمعيات والنوادي ومنظمات المجتمع المدني بعيدا عن الاتفاقات الحزبية وضمان الشفافية والاستقلالية التامة لهذه المكونات المجتمعية لتفعيل دورها داخل المنظومة الديمقراطية.
10.وضع برنامج حكومي فعال لمجابهة الراسمالية الجشعة المتصفة بفرعنة مطلقة فرضت على كردستان منذ عقد من الزمن من قبل اقلية مارقة من اصحاب السلطة والثروة غير المشروعة والتي بدأت تنخر من القدرات المالية لابناء الشعب خاصة في مجال العقارات والسكن والاراضي الزراعية، ولو استمرت هذه الاقلية المارقة في سلطتها وسيطرتها وقوتها الاقتصادية والمالية لأزالت كل أمل باهت للطبقة الفقيرة بضمان عيش بسيط في الاقليم.

بايجاز هذه هي الاسباب الموجبة لبيان الرؤية السياسية المطروحة من وراء طرح هذه المبادرة امام الرئيس البرزاني وكوسرت رسول علي لتكليف القيادي نوشيروان مصطفى رئيس حركة التغيير اواحد قياداتها المؤهلة لرئاسة الحكومة في فترتها المتبقية لتحقيق توازن وتوافق عملي في العملية السياسية الجارية في كردستان، ولا شك ان تبني هذه المبادرة من قبل القيادة السياسية الكردية ستشكل خطوة بناءة لتقوية النظام الديمقراطي في الاقليم والذي يعترضه بعض العوائق والتعثرات الخانقة وهو بحاجة الى مبادرات جادة لازالة تلك العوائق من امام المسيرة الديمقراطية.

ونأمل ان لا تفسر هذه المبادرة خارج سياقها الحيادي والموضوعي والمطروحة من وجهة نظر عراقية كردية لصالح التجربة الفيدرالية للكرد في العراق الجديد، ونأمل ان تقف الضغوطات والتهديدات والمحاربة التي تعترض حياتنا ووجودنا في كردستان نتيجة طرحنا لآراء سياسية ومبادرات وأفكار لا ترتاح لها بعض الأطراف الحزبية والحكومية، وفي الختام لا يمكننا الا ان نستعين بقول الله تعالى quot; فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِquot;.

كاتب صحفي
[email protected]