أعشق حرية التعبير التي أتيحت لي من خلال وجودي في الغرب. والتي وعلى مر السنين أثّرت وأثرت في تفكيري ونمّت فيّ روح المسؤولية عن الكلمة التي أقولها وأكتبها مما أجبرني على الموضوعية وتقصي الحقيقة لكي أنال المصداقية التي أتمناها..حرية التعبير هذه هي التي جعلتني أستوعب معنى التعددية في الآراء.. وبأن ليس هناك من رأي واحد ولا حقيقة مطلقة.. وأن كل رأي قابل للخطأ أو الصواب.. ولكن كل رأي مهما كان لا يقل أهمية عن الآخر..

في ظل إنتفاضات الشباب العربي.. احاول قدر إستطاعتي متابعة برامج التحليللات السياسية لما يدور في المنطقة العربية.. وأتابعها بشغف من محطة عربية إلى اخرى.. محاولة قدر إستطاعتي إستقصاء رؤية مستقبلية ولو محدودة لآثار هذه الإنتفاضات على مستقبل الإنسان العربي..

بالأمس وبالصدفة وحدها شاهدت جزءا من أخبار قناة ال بي بي سي العربية حول التكهنات على مصير القذافي وإلى أي من الدول الأفريقية سيلجأ.. والإحتمالات المرجحة حول لجوئه إلى النيجر..

تبعه تقرير من مواطنين من بوركينا ناسو حول ما رأيهم في حال حضور القذافي إلى دولتهم.. العينة كانت من خمسة رجال وإمرأتين.. أجمع أربعة منهم على الترحيب به لما قدّمه للنيجر من معونات سابقة ومساعدته في بناء البنية التحتية.. إضافة إلى ما سيجلبه لهم من أموال وذهب ستساعد الدولة.. كلهم كانوا سعداء بحضورة..ولم لا فالقذافي وزع ثروة ليبيا القومية من عائدات النفط وتصرف على أنها ملكه وعائلته وحده.. وترك الدولة الغنية تعيش بمستوى لا يتجاوز مستوى أية دولة من العالم الثالث.. ربما لإيمانه بالمساواة!

وربما لما يمتلكه من إلهام لما سيؤول إليه بحيث ترك الباب مفتوحا ليومه الأسود لكي يجد مكانا يأوى إليه بعد أن وزع ملايين الشعب الليبي على العديد من دول القارة الأفريقية
تعليق الرجل الخامس كان الأسوأ من وجهة نظري.. حين قال بأن القذافي رجل مسلم.. ولا يمكن لمسلم آخر أن لا ينصر أخاه.. بمعنى أنصر أخاك ظالما أو مظلوما... بغض النظر عن جرائمه ضد الإنسانية و وجرائمة على مواطنية وشعبه..

أما المرأتان.. فالأولى رفضت وجوده كليا.. لأنه سيجلب الحرب والدمار معه..وسيستعمل دولة النيجر كقاعدة لحربه على ليبيا.. المرأة الأخرى رفضت إستقباله لأنه معروف بأنه رجل مشاكل،، وسيدخل النيجر في حروب وربما مع دول أفريقية مجاورة أخرى..إضافة إلى أننا لا نريد قتل أبنائنا. الذين قد يندرجوا في مثل هذه الحروب طمعا في أي شكل من أشكال الوظائف حتى القتل..وتفضل أن تبقى فقيرة على أن يقتل إبنها..

وتنبهت فجأه إلى أنني ومن خلال متابعتي للتحليلات السياسية على معظم القنوات العربية.. لا أجد سوى ذكورا يتصدروا هذه التحليلات على أساس أنهم الأدرى والأعلم والأحرص على المستقبل.. بينما أثبتت وكما جاء في تعليق المرأتين السابق بأن المرأة أبعد نظرآ من الرجل..ربما لأنها أصدق في مشاعرها.. وأعتقد أن لديها حاسة سابعة هي حماية أبناءها..

سؤالي هو.. لماذا تبقى المرأة العربية مغيبة عن المشاركة السياسية.. إن تغييب المرأة عن هذه المشاركة في الإعلام العربي بعمد أو بدون عمد تؤكد عدم المساواة بين الرجل والمرأة.. حقيقة أن القنوات العربية ساهمت بجرأة وبحق في التأسيس لمبدأ حرية التعبير.. ولكن مسؤوليتها الأكبر هو إرساء قيمة المساواة من خلال حضور المرأة.. ومشاركتها السياسية في البرامج.. تشجيع المرأة على الثقة بنفسها وتمكينها حتى وإن كانت أقل شهرة أو أقل مكانة وظيفية من زميلها..

تغييبها لن يؤسس لمفهوم المساواة في الذهنية العربية كما أسس لحرية التعبير.. بل سيبقيها مجرد ديكور وغير فاعل في مجتمع يتعرض لهزات ستغير مصيره إما إلى النور أو إلى الظلمة.. والمرأة هي النور الذي سينير طريق المصير.. لما تملكة من بصر وبصيرة وحرص على الأمن والأمان..

الإنتفاضات العربية لن تنجح بتحقيق الثورة الحقيقية..والإنتقال بالمجتمعات العربية إلى الحرية والتعددية والديمقراطية بدون الترسيخ في الذهنية العربية لمبدأي المساواة والعدل.. وكلاهما مرتبطان بالمرأة وبحقوقها.. عدم مساهمة المرأة في هذه الندوات والتحليلات وعدم وجودها في كل البرامج لا أعتبره إلا مساهمة سلبية من الإعلام العربي لإبقاء الوضع على ما هو عليه..

ولكن وللحقيقة والموضوعية فقط. علي أن أعترف بأن البرنامج الوحيد الذي يتوخى مشاركة إمرأه في معظم حلقاته.. هو برنامج 7 أيام للمذيع عرفان عرب.. على قناة ال بي بي سي العربية.. والذي كثيرا ما شاهدت مشاركات نسائية في هذا البرنامج أجرأ وأقدر على تحليل الأخبار من أكبر الصحفيين العرب..

الطريق شاق وطويل.. وتبدأ من مشاركة المرأة والرجل سواء في البيت أم في العمل..والفضائيات هي المسؤولة الأولى عن ترسيخ البنية التحتية للديمقراطية..

باحثة وناشطة في حقوق الإنسان