يبدو لكل مراقب كردي لاعمال الكابينة السادسة لحكومة اقليم كردستان برئاسة برهم صالح انها لم تحقق انجازا كبيرا ولم يحمل برامج عمل جادة لمعالجة الأزمات التي يعاني منها المواطنون في الاقليم خاصة الطبقة الفقيرة منهم الذين يعانون من مشاكل اقتصادية ومعيشية كبيرة، والسبب في ذلك إن السلطة التنفيذية لم تأخذ على عاتقها بجدية إيجاد حلول ميدانية وعملية جذرية لمجابهة الأزمات المستفحلة ومعالجة المشاكل بشفافية وواقعية لأن أساس تشكيل البرلمان والحكومة يستند الى تمثيل حزبي اعتمادا على محاصصة الشراكة في الحكم وفقا للاتفاقية الاستراتيجية بين الحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني التي خرجت الى الوجود نتيجة اتفاق البارزاني والطالباني على اقتسام السلطة في الاقليم، وقد استغل البارزاني الاتفاقية لتمرير خططها لتقوية حزبه ودوره في السيطرة على كردستان وموارده الاقتصادية والتجارية حتى بات الكيان الكردستاني مركبا من سلطنات اقطاعية للمسؤولين اعادت العبودية والاستبداد من جحورها في القرون الوسطى الى الواقع الراهن الكردستاني في ظل رئاسة البرزاني.
المهم في الأمر ان برهم صالح بدأ صعودا سريعا غير موزون في السابق وبدأ نجمه بالهبوط والغروب من المشهد السياسي للسلطات الرئاسية في الاقليم، والمعروف عن هذا السياسي الصاعد دون نضال يوم واحد في الجبال ضد نظام صدام حسين فانه لا يتمتع بشعبية ولا برصيد حزبي مثل زعماء الكرد البارزاني والطالباني وكوسرت رسول علي ونوشيروان مصطفى، وقد وصل الى هرم قيادة الاتحاد الوطني من خلال تبنيه من قبل الطالباني لاسباب خاصة به لمواجهة نائبيه مصطفى ورسول قبل سقوط نظام البعث، وتم ترشيحه لرئاسة حكومة الاقليم دون مبررات موضوعية واختير على اساس انه رجل دولة وتكنوقراط من الطراز الاول ولم يدرك الكرد في حينه انه كان فاشلا خلال ممارسته واداء عمله في الحكومة الاتحادية كنائب لرئيس مجلس الوزارء والدليل على ذلك انه لم يتبنى تمرير قانون النفط والغاز لصالح الاكراد ولم يقدم على اي خطوة لحل المشاكل العالقة بين بغداد واربيل ويقال انه عمل ضد الكرد في العاصمة الاتحادية اكثر مما عمل لصالحهم.
من هذا المنطلق نجد ضرورة عرض النواحي الايجابية والسلبية لمسيرة هذا الرجل الذي جمع فئة غير كفوءة من المستشارين الخاملين وغير المؤهلين والكوادر في مجلس الوزراء لادارة الحكومة من مكتبه الخاص، وبهذه الكوادر غير الكفوءة فشل صالح في ادارة حكومته، والمصيبة الكبرى انه جعل من الحضور المستوحش للراسمالية الجشعة احد السمات البارزة لولايته الرئاسية للسلطة التنفيذية امتدادا من الحكومات السابقة، ولهذا نجد ان برهم صالح لم يكن بالمستوى المطلوب بالرغم من بذله لأقصى جهد ليكون محل ثقة البرزاني والطالباني للاستمرار في النصف الثاني من ولايته.
لهذا وبعد كشف اختيار نيجيرفان البرزاني صهر رئيس اقليم كردستان للنصف الثاني من رئاسة الحكومة حسب الاعلام الكردي سقطت ورقة التوت من برهم صالح لتثبيت نفسه في واقع المشهد السياسي الكردي وبات قريبا للخروج من المعادلة التركيبية للقيادة الكردستانية، ولكن بالرغم من فشله فانه يعتبر من افضل من قاد حكومات اقليم كردستان بعد كوسرت رسول.
استنادا الى هذه الرؤية نجد ضرورة سرد الاعمال الايجابية والسلبيات التي لاصقت عباءة برهم صالح كثقوب سوداء في حكومته مما دفع بأدائها ان تتسم بدرجة من الفشل.
وأهم الايجابيات التي برزت في فترة رئاسة صالح هي : تحديد واعلان الحصة الشهرية المخصصة للحزبين الحاكمين من ميزانية الاقليم بعد ان كانت مجهولا ومحسوبا من الاسرار الكبيرة للسلطة في كردستان، وتبني برنامج quot;الطاقات التعليمية الشابةquot; لخريجي الجامعات من الشباب للحصول على الشهادات العليا في الخارج على حساب الميزانية، وتقديم سلف الزواج بالرغم من تعقيد اجرائاتها الروتينية المعقدة للشباب الكردستاني بغية تسهيل الزواج وتشكيل الحياة الاسرية، وتبني برنامج تقديم القروض الميسرة بمبالغ قليلة للمشاريع الصغيرة المعدة من قبل خريجي الكليات والمعاهد العاطلين عن العمل، وتقديم القروض الصغيرة لغرض بناء السكن من خلال صندوق حكومي ولو ان المبالغ المخصصة من الميزانية قليلة جدا لهذا الغرض، وتقديم القروض الميسرة للقطاع الزراعي لغرض تنمية الواقع الانتاجي للزراعة والثروة الحيوانية في الاقليم ولو ان اجرائاتها معقدة وميزانية الصندق ضئيلة مقارنة بالحاجة الفعلية، وتنزيل الصلاحيات الادارية والمالية من المراجع والاعلى الى ما دون لتفعيل دور الدوائر والمؤسسات الحكومية.
أما أهم السلبيات فهي: غياب الخطط الحكومية الفعالة لحلحلة الأزمات الحياتية للمواطنين مما تسببت في ارتفاع رهيب بالأسعار بالعقارات والايجارات وغلاء في أسعار المواد الغذائية ومستلزمات المعيشة لعدم قدرة الغالبية العظمى من أبناء الشعب على تحمل الأعباء المتزايدة للأسعار التي تشهدها الأسواق بارتفاعات جنونية، وغياب البرامج لتقليل أعباء البطالة المتزايدة وبرنامج الحكومة لتعيين 25 الف مواطن في الوظائف الحكومية لا تقدر على معالجة مسالة البطالة بل تزيدها سوءا بسبب الفساد، وسوء توزيع الثروة من أهم السلبيات حيث نجد ان الاقلية المتسلطة في الحكم من المسؤولين والتجار تصيبهم ثروات بالمليارات ومئات الملايين من الدولارت بينما افراد الطبقة الفقيرة لم تصيبهم دولار واحد، وتكرار تجربة اختيار الشخصيات الوزارية لاعتبارات حزبية ومحاصصة مراكز القوى كما هو معمول بها في العراق، وارساء المصالح الشخصية والحزبية على الحسابات الوطنية، وعدم اختيار شخصيات تتسم بالوطنية وبالقدرة العالية على تنفيذ أعباء المرحلة التي يمر بها الاقليم، والسيطرة الحزبية على الحكومة بحسابات غير وطنية دون مراعاة المصلحة العليا للشعب.
باختصار هذه هي الايجابيات والسلبيات التي تتراءى لنا مشاهدتها من بعيد في العباءة الحكومية لبرهم صالح، وانطلاقا من هذه المشاهدة فإن الواقع الذي نعيشه المليء بمظاهر الخلل والأزمات الخانقة والمعترف بها من قبل الجميع يفرض على القيادة الكردستانية ان تستخدم اقصى درجات الحكمة والتعقل لادارة المرحلة الراهنة، وبذل جهود استثنائية للخروج من المرحلة التي تمر بها المنطقة، ولا شك ان هذا العرض المطروح برؤية عراقية كردية وواقعية مستخلصة من المعايشة الحقيقية لواقعنا الحياتي.
ونأمل أن يتحول النصف الثاني من رئاسة حكومة اقليم كوردستان الى فترة عمل حقيقي من خلال برامج وطنية بغية أيجاد الحلول المناسبة للمشاكل والازمات لتأمين حياة آمنة لائقة وكريمة لكل ابناء الشعب الكوردستاني، وان غدا لناظره قريب.
كاتب صحفي ndash; اقليم كردستان
[email protected]
التعليقات