كان عصر يوم الخميس العراقي 8/9 يحمل معه خبر غاية في الحزن وغاية في الخطورة، ذلك هو خبر مقتل الاعلامي والمخرج العراقي هادي المهدي حيث وجد مقتولا في شقته وسط بغداد. غاية الحزن لان هادي كان انسانا طموحا يحب وطنه ويعبر عن ذلك بالطرق التي كان يراها مناسبة، وغاية الخطورة لان طريقة وزمان ومكان تنفيذ جريمة قتل هادي تحمل معها اكثر من سؤال واكبر من مجرد اتهامات طائشة بدأت توزعها هنا وهناك قنوات واعلام الموت العراقي منذ اللحظة الاولى لاعلان خبر مقتله، وهذه ليس سابقة بل هي تقليد دموي مسخ يتاجر بحياة ودماء العراقيين ويسخرها لاجندات سياسية واضحة المعالم لاي مراقب.

اخر مرة التقيت المغدور هادي المهدي كان في عام 2007 في كردستان العراق، وقد كان حيويا في كل شيء بافكاره ومفرادته وطموحاته وايضا طريقة تعبيره، واثناء حديثنا عبر لي اوارق كان يحملها بيديه وكانت عبارة عن ورقة ونصف الورقة مكتوب فيها افكار مميزة لبرنامج تلفزيوني ينتقد أداء مجلس النواب انذاك وايضا تقصير الاجهزة الحكومية في تقديم الخدمات للمواطن العراقي ناهيك عن الفساد والملفات الاخرى الشهيرة في العراق، وكان هادي رحمه الله يأمل بقوة ان تسمح له احدى القنوات الفضائية العراقية الداعمة للعراق الجديد بان يقدم هذا البرنامج وبشكل مباشر على الهواء، لانه لم يكن متحمس ان يقدم افكاره وبرنامجه في قنوات معادية للعراق حتى لاتحرف الامور عن مسارها الحقيقي. بعدها طلب مني نسخة من كتابي quot; جمهورية الكوارث quot; اعتذرت منه لاني لم اعد أملك نسخة معي فقدمت له عوضا عن ذلك مجموعتي الشعرية الاخيرة انذاك quot; وزارة النساء quot; فعلق بطريقته ومفرداته الخاصة والمحببة على عنوان المجموعة وضحكنا وافترقنا على أمل اللقاء القريب لكني اضطررت السفر الى لندن، حاملا معي صورة لشاب عراقي وطني طموح فنان ومخرج واعلامي اسمه هادي المهدي يحب المسرح الفني ومعه يحب مسرح الحياة و يريد الخير لاهله ووطنه، وقد رجع قبل فترة من اوربا ويأمل ان يساهم ببناء بلده ويعبر عن ذلك بطريقته الخاصة وبمهنية يجدها مناسبة لبناء فكر شعبي عراقي اولا.

مقتل هادي المهدي.. خسارة بكل المقايس الانسانية والدينية وخسارة للوسط الاعلامي والمسرحي في العراق، رغم اني على يقين انه لم يحصل على فرصته المناسبة لا في مجال الاعلام ولا الاخراج المسرحي وعلى يقين اقوى ماتت مع هادي الكثير من الطموحات والمشاريع المختلفة في هذا الاتجاه. ولكن لايمكن تصور ان تتحول جريمة قتل هادي المهدي الى تجارة رخيصة من بعض وسائل الاعلام لمحاولة النيل من الحكومة العراقية بل وأبعد من ذلك محاولة رخيصة للنيل من رئيس الحكومة السيد نوري المالكي واتهامه المباشر كما فعل احد المراسلين quot; الموتورين quot; في قناة فضائية مدفوعة الثمن تدعي حرصها على العراق والعراقيين.

الامور يجب ان تكون في نصابها الحقيقي، اولا هادي رحمه الله لم يكن يشكل خطرا كبيرا على الحكومة العراقية لامن بعيد ولامن قريب، ومشاركته في مظاهرات نصب الامة وسط بغداد او قيادته لتيار داخل هذه المظاهرة لم يكن يشكل اي نوع من انواع الخطر او حتى مجرد الازعاج، لان المظاهرة بدأت صغيرة الحجم منذ جمعتها الاولى قبل عدة اشهر ومع مرور الايام بدأت تدخل في طي النسيان، رغم ان الكثير من مطالب المتظاهرين هي حقوق دستورية وقانونية بل وشرعية. لكن أغلبية الجمهور العراقي كانت ومازالت ترى اعطاء فرصة زمنية كافية للحكومة لتحقيق وعودها، كما ان الكثير من العراقيين اخذهم الشك والريبة لتدخل بعض القوى السياسية الموجودة اصلا في البرلمان والحكومة في ادارة جانب من هذه المظاهرات، ففرغتها من محتوها الاصلي.وبصراحة اكبر فان الخروج بمظاهرة على الحكومة بل وشتم رئيس الحكومة ومعه رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان واي مسؤول او وزير عراقي لم تعد بطولة خارقة يتناقلها العراقيون، لان لاصدام حسين بيننا ولاحتى عزة الدوري، بل قانون ودستوري وقضاء.

من الواضح ان الذي قتل هادي كان يعي الزمان والمكان جيدا، فنفذ جريمته الارهابية يوم الخميس على أمل تشيعه ثاني يوم ويصادف الجمعة تحت نصب الامة، في محاولة لبث روح او نبض باحلام سياسية مريضة بدأت تزايد على مطالب المتظاهرين بحقوقهم الدستورية. أهل هادي واصدقائه وزملائه ومعارفه ومحبيه بكل تاكيد سوف يتابعون تفاصيل الجريمة مع الجهات المختصة، وقد تكتشف اسباب شخصية او عشائرية او اجتماعية او حتى سياسية من باب مثلا احراج الحكومة العراقية. لكن على الجميع ان يحترم حرمة الموت وينبذ هذه التجارة الرخيصة بارواح العراقيين ودمائهم وامالهم الانسانية. ورحم الله سبحانه وتعالى هادي المهدي الانسان وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وعائلته ومحبيه الصبر والسلوان.



[email protected]