يوم الأربعاء 14 ايلول 2011 أخبرني طبيب الأسنان بإحتمال إصابتي بسرطان الفم، وطلب مني أخذ (( خزعة )) للتأكد، الحقيقة هو لم يرد اخباري مباشرة، أنا بادرته حينما طلب مني الخزعة متسائلا : هل يوجد عندي سرطان ؟.. اجابني : دعنا ننتظر نتيجة التحليل.

علما أنا مصاب بمرض السكر، وكنت أخاف من حصول سرطان البروستات لأن والدي توفى بسببه، فكرة الموت لاتخفيني كثيرا، مايرعبني بقسوة احتمالات عذابات المرض، شكرت الله تعالى انني أعيش في الولايات المتحدة الاميركية اذ ستكون معاناتي مع المرض سهلة، وسأحضى بفرصة موت مريح قياسا لو كنت أعيش في بلدي الأصلي العراق.

لحظة إخباري بالأمر من قبل الطبيب كانت مشاعري باردة.. دائما ردود أفعالي تحتاج الى بعض الوقت، واثناء جلوسي في العيادة رحت أمزح مع الطبيبة المساعدة وأحدثها عن التنجيم والأبراج، وزودتني بتاريخ ميلادها لتحليل خارطتها الفلكية، هل كانت مطمئنة لعدم وجود خطر على صحتي.. أم ارادت استغلال ماتبقى من حياتي لمصلحتها الشخصية ؟

خرجت من عيادة الطبيب، وأنا في غاية الشوق للعودة السريعة الى شقتي لسماع أغنيتي المفضلة التي أخذت تتردد أصداؤها في داخلي، هذه الايام أستعيد ذكرياتي مع المطرب الرائع حسين البصري صاحب الصوت الخرافي المغموس بوجع العراق الأزلي، ومن المؤسف ان هذا الفنان مظلوم اعلاميا!

وفور عودتي الى الشقة بدأت أغنية حسين البصري تصدح : (( يمتى تعود ))، على شجن الأغنية رحت أتجول على صفحات الأنترنت لقراءة المزيد من المعلومات عن سرطان الفم، كان بعضها مؤلما خصوصا فيما يتعلق بصعوبات تناول الطعام، واجراء جراحة لإزالة جزء من الفك وتعديلة، والبعض الآخر كان يدعو الى التفاؤل اذ من الممكن ان تكون الأورام حميدة وسهل علاجها.

ثم التفت الى البريد الألكتروني ووجدت إحدى الصديقات تستغرب من تذكيرها بحادث حصل لها قبل مدة طويلة، فأجبتها : لاتستغربي، فأنا أتذكر حتى لون الجاكيت البني الذي كنت تلبسينه حينما رأيتك أول مرة قبل عشر سنوات، بالمناسبة أنا لست دون جوان ولاأتباهى بعلاقاتي النسائية لأنها كلها علاقات فاشلة، وقد أكون أحد أكبر التعساء مع المرأة رغم حبي لها وفهمي لطبيعتها، وحتى تنجح علاقة الصداقة مع المرأة - وليس الحب - يحتاج الرجل الى توفر هذه الشروط الثلاثة أو أحدها وهي :

- المال.

- المنصب والمكانة الإجتماعية.

- الحظ السعيد.

وبما أني لاأملك ولاشرطا واحدا منها. فكنت دائما تعيسا في علاقتي مع النساء، وأكرر هذه الشروط تخص الصداقة والمغامرات، أما علاقة الحب، فأمرها غامض ولغز لايُفسر.. لماذا وكيف تبدأ، ومتى وكيف تنتهي بالنجاح أو الفشل.

سألتُ نفسي : لماذا لاأبكي من وقع الصدمة بحكم طبيعتي العاطفية وسرعة نزول دموعي على أبسط مشهد درامي في التلفزيون أو السينما ؟.. ووجدتني لاأملك جوابا أو تفسيرا كافيا، ربما السبب يعود الى انني لست نرجسيا مغرما بنفسي، اضافة الى اني أعيش حالة عدم رضا عن ذاتي ونقد يومي صارم لها، صدقوا أو لاتصدقوا : بكائي دائما من أجل الآخرين.

حاولت التفكير بالموت، إكتشفت عدم وجود شيء مهم يشدني ويدفعني الى التمسك بالبقاء في الحياة، لازوجة، ولاأطفال، ولاأحلام كبرى... عشت طوال عمري قدريا زاهدا لاأريد شيئا من الدنيا، بقي عندي حلم واحد فقط يلح عليّ وهو قراءة كتاب من أربعة أجزاء أرجو ان احصل عليه مستقبلا، و لحين انتظار نتيجة التحليل فإن الوقت يتسع للتأملات الفلسفية والدينية حول فكرة الموت التي عاشت معي في كل لحظة من حياتي بدافع إلتزامي الديني، و إهتمامي المبكر بالفلسفة الوجودية ثم لاحقا الإهتمام بعقيدة تناسخ الأرواح.

طبعا لايمكن منع الشامتين من الفرح بهذا الخبر، فالشامت شخص عدواني يتغذى على سماع مآسي الناس لإشباع حاجة روحه الخبيثة للتشفي، أما أصحاب النوايا الطيبة، فأقول لهم : شكرا لنواياكم، وكل الأقوال والحكم عن التوبة وطلب الرحمة والشفاء.. أعرفها جيدا ولاداعي لتذكيري بها، بل أنا أذكركم ان معظم الانبياء توفوا نتيجة المرض ولم ينفعهم الدعاء وطلب الشفاء!

[email protected]