المقاربة الأولى : سقوط بشار وتدويل قمع السلطة. لن يجادلني أحد في إن سقوط بشار الأسد بات أمراُ محتوماُ ومقدراُ، ليس فقط لأنه فقد الشرعية التي لم يمتلكها أصلاُ، وليس فقط لأنه أقترف أكبر مجازر تاريخية وسوف يدخل موسوعة غينس التي يستحقها بأمتياز، وليس فقط لأن الشعب السوري كله سوف يضحي بنفسه لإسقاطه، وليس فقط لأنه أمسى ndash; أضخم ndash; مهرج مسرحي إيمائي سينمائي مفسراتي مزوراتي معللاتي لما ما تحت الشعور وما يستبطن، وليس فقط لأنه أدرك في النهاية إن أيامه في سوريا أضحت تعد على الأصابع، وليس فقط إن إيران وحزب الله شرعتا تتحدثان عن مفهوم الفراغ السياسي مابعد سقوط السلطة السورية، وليس فقط لإن روسيا تحركت هي الأخرى ndash; كذباُ ونفاقاُ ولاتصدقوها حتى لو صدقت -، إنما لسبب بسيط وغبي هو إن السلطة السورية لاتعترف بوجود كارثة تحيق بها، وستعصف بها وتجتثها، لتقذف بها على قارعة رصيف تفوح منه رائحة الغدر والخيانة والجريمة والأشلاء المدخنة. إن هذه الإرادة البشعة للسلطة السورية التي لاتتعظ بمصير الإرادة المقيتة لمعمر القذافي، ولا بمصير الإرادة المستهجنة لعلي عبد الله صالح، تمادت في البطش والجبروت والتنكيل إلى درجة إن ليس أمامها سوى الإقدام على عقد صفقات بليدة التي كانت آخرها تلك الصفقة التي حاولت إيران إبرامها مع الإدارة السياسية الروسية وبتغطية من أردوغان نفسه بتسخين الأجواء أكثر مع دولة أسرائيل، ففي 23 من الشهر الفائت زار مسؤول إيراني استخباراتي رفيع المستوى روسيا وفي حوزته ظرف مكتوب عليه سري للغاية، وتضمن ثلاثة بنود محددة بدون مقدمة، البند الأول : لابد من بقاء بشار الأسد في سدة الحكم، مهما كانت الحيثيات، ومنحه ndash; زمن ndash; للقيام بالأصلاحات حتى لو كانت غير موجودة، وروسيا ينبغي أن تتمسك بأستعمال حق الفيتو ضد كل ورقة مقدمة من الغرب والولايات المتحدة الأميركية إلى الأمم المتحدة لإدانة سوريا ndash; السلطة السورية ndash; وعليها ( أي روسيا ) ألا ترضخ لإرادة الغرب الرأسمالية الأستعمارية، مهما كان حجم الضغط. البند الثاني : إن إيران وسوريا تلتزمان بدفع كل ما يترتب على ذلك من تكاليف أقتصادية والتعويض عن كل الأضرار الحاصلة، وسوف تمنحان لروسيا فرصة تاريخية في تقوية مركزها في الشرق الأوسط، وفي العالم. كما إن سوريا سوف تلتزم بشراء ترسانة الأسلحة الروسية بالأسعار التي تحددها، ووفق الشروط الخاصة بها. البند الثالث : ينبغي ألا يتدول الوضع السوري، ومنع ذلك بكل السبل.( الترجمة عن المصدر الفارسي ). ولقد أفاد المصدر شفهياُ إن روسيا أشترطت على إيران نفسها شرطاُ خاصاُ بها يتعلق ndash; على الأرجح وحسب المصدر ndash; بمساعدة روسيا في التخلص من السلاح القديم..
المقاربة الثانية : سقوط بشار والمشروع الفارسي. قبل شهر من هذا التاريخ طلب المرشد العام الإيراني علي خامنئي من شخصيتين بارزتين، إحداها أستخباراتية أمنية، والثانية أستشارية سياسية، بتقديم تقرير منفصل ndash; غير مشترك ndash; عن سؤالين مختلفين، السؤال الأول : ما هي حظوظ أمكانية بقاء بشار الأسد في الحكم. والسؤال الثاني : ما مصير إيران فيما إذا سقطت السلطة السورية. فيما يخص الشخصية الأستخباراتية فقد أكدت إن بشار الأسد لن ndash; يسقط ndash; عن الحكم أبداً، فلا الأوضاع الدولية ( ولا العربية ) مستعدة لخوض غمار معركة فاشلة، لإن معظم هذه الدول خائفة من مفهوم الديمقراطية، ومن إعادة التجربة العراقية التي أرهقت الجميع، ثم إن ( تركيا وروسيا ) مستعدتان لإذابة الحركة الأحتجاجية من خلال التركيز على مفهوم الأصلاحات والتأكيد على إن المعارضة هي التي ترفض الحوار مع السلطة، كما إن أسرائيل مستعدة للتفاهم في خلق حالة مصطنعة أفتعالية، لكنها تحذر من التمادي أو ما تسميه بالتصريحات الزائدة، لذلك لاخوف على مستقبل إيران في سوريا ومن ثم في المنطقة، لكن لا مستقبل لإيران من دون بشار الأسد. وفيما يخص الشخصية الأستشارية السياسية، فلقد أكدت إن التدخل الإيراني أمسى واضحاُ ومكشوفاُ، وعابت على الأنظمة الأستخباراتية الإيرانية سطحية تقديراتها في سحق الحركة الأحتجاجية في سوريا، لذلك لامناص من القيام بكل ndash; شيء ndash; ( حسب المصدر ) في سبيل بقاء بشار الأسد والألتفاف على مطالب الجماهير من خلال أصلاحات أولية، والتقرب من تيارات المعارضة. بل إنها أقترحت أن تقوم إيران بضمان تنفيذ بعض الأصلاحات، وأشتركت مع الشخصية الأولى في القول من إن على إيران أن ترحل من المنطقة برحيل بشار الأسد. ( وبكل صراحة وحسب الأتفاق الأدبي مع المصدر الأصلي، لا نستطيع الكشف عن كل محتويات هاتين الوثيقتين، كما أننا ومن جانبا لا نود ذلك لما يشكل ذلك خطورة في بعض المستويات، وكشف المستور الذي قد يسبب نتائج نحن لانبغيها ولا نرومها ).
المقاربة الثالثة : سقوط بشار ومسألة الديمقراطية. لقد كشف تقرير دولي أوربي إن أحد أبناء معمر القذافي، وأشرس شخصية أستخباراتية سورية، وأقوى شخصية أمنية إيرانية، سعت خلال الأشهر المنصرمة التأثير على الرأي السياسي في أوربا والولايات المتحدة الأميركية : إن المنطقة العربية ( الشرق الأوسط ) لم تختبر قط مفهوم الديمقراطية وهي لاتدرك بالأساس مقوماتها وأنها كانت وستبقى منطقة لاديمقراطية. لذا فإن أمامكم أيها الغرب أما أن ترضوا بهذه السلطات الحالية ( بشار، القذافي، علي عبد الله صالح )، وأما إن تواجهوا الإرهاب والجماعات السلفية. في الحال الأولى، لكم الجنة ورغيدها والنعيم وما لذ وما طاب. وفي الحال الثانية، لكم السعير وبئس المصير. وأعلموا أيها السادة إن هؤلاء الرؤساء ( بشار، القذافي، علي ) لن يتخلوا عن السلطة أطلاقاُ، ( وهم مستعدون لخوض أشرس معارك طاحنة حتى النهاية ولن تنتصروا فيها ونؤكد لكم ذلك ). وأوشكت الخطة أن تفلح لولا إن أحد أبرز شخصيات الإدارة ( ماوراء الكواليسية ) أتصل بمفكر أرجنتيني معروف وسأله السؤال المحدد التالي : ما مصير الشرق الأوسط؟ فأجاب : الديمقراطية.
من خلال هذه المقاربات الثلاثة، فليستعد الشعب السوري لمواجهة مصيره المخضب بالدماء، وليعلم إنه إن تراجع فقد أنتهى تاريخياُ، وينبغي عندئذ أن يهجر سوريا باحثاً عن لقمة عيش في أصقاع الله الشاسعة....
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات