بعد نشر المقالتين الأخيرتين حول سياسة ومنهج دولة قطر في التعامل مع الملف السوري وبعض الملفات الإقليمية والدولية الأخرى ( هل سينتقم الإسرائيليون من دولة قطر ) و ( إلى البؤساء الذين يشتمون دولة قطر )... إنهالت علي الإتصالات الهاتفية و الإلكيترونية من بعض الأصدقاء و الزملاء و من كثير من الذين لا أعرفهم شخصيا ولم أتشرف بالتواصل معهم من قبل، وكانت مجمل أو غالبية تلك الإتصالات إما ( توبيخية )! أو ( متعجبة )!! مما أسموه ( إنقلابي العسكري المفاجيء )!! و الذي أنا شخصيا لا أعرف إن كنت فعلا قد قمت بإنقلاب سياسي و منهجي أم لا؟؟

الطريف أن أحد الزملاء الأعزاء وهو من نجوم بلاط صاحبة الجلالة و من الأقلام المعروفة و الشهيرة في الصحافة الخليجية والعربية قد إتصل بي سائلا عن الرقم المدرج في ( الشيك ) الذي أرسله القطريون لي؟ وهنأني أيضا على وصول ( شيكات ) الشيخ حمد بن جاسم لي!! وكان حديثه ليس من قبيل المداعبة والسخرية بل كان يحمل ملامحا جدية صارمة!! وطبعا لا أراني مضطرا أو مجبرا على كشف رقم العطايا القطرية من الشيكات لأن ذلك من إختصاص ( المخابرات الهندية ).

داود البصري

فيما أرسلت لي إحداهن رسالة تتعجب فيها من إنقلاب مواقفي؟؟ رغم أنني لم أكن يوما من الأيام تابعا لمعسكر معين و ملتزم به بعقد لكي يحلو البعض وصف ما أكتبه من مسائل و تعليقات بصفة الإنقلاب وقانا الله وإياكم من شروره و آثامه و خطاياه!.. طبعا لا حاجة لي للسباحة في عوالم التفي و النفي المضاد أو الخوض في أنهار ( الشيكات ) والبنوك فتلك أمور أنا بعيد عنها بعد أوسلو عن بوركينا فاسو، وأترك للضمائر الحية تقدير الموقف، ولكن يبدو أن البعض لا يستمرأ الكلمة الطيبة ولا يرتاح إلا للغة الشتائم و التسقيط، ولا يهدأ له بال إلا عبر نشر الغسيل الوسخ أو إختلاق غسيل وسخ!، موقفي يا جماعة الخير من دولة قطر هو موقف المتابع والمراقب من بعيد و من الضفة الأخرى، وهو موقف ملتزم بالثابت الدائم عندي و المعيار الأقوم في معالجة الأمور وهو الموقف القطري المشرف من الثورة الشعبية السورية العظمى، وهو موقف قيادي وريادي و تاريخي في دلالاته و تحولاته و إشكالياته و نتائجه، طبعا سترد علي الكتائب الإيرانية المقدسة وفيالق كتاب المخابرات السورية بأن دولة قطر ليست ديمقراطية فكيف نساند التغييرات الديمقراطية في العالم العربي؟

وهو منطق أعوج أثبتت الأيام خطله وسقمه لأنهم يريدون إشاعة كذبة رخيصة حول كون قطر مجرد ( مخلب قط إمبريالي صهيوني )!! رغم إن الموقف القطري من الثورة السورية يتقاطع تماما مع الموقفين الأمريكي المتردد و الإسرائيلي الرافض لسقوط بشار و المتضرر الأول من ذلك السقوط الذي سيحدث وإن رغمت أنوف أقوام؟، القطريون لا يصدرون الثورة، ولاينشرون الديمقراطية، وليست لهم أجندات تخريبية لأنهم إن عم الخراب فسيلحق بهم ذلك كما يلحق بالآخرين، ولكنها سياسات المصارحة والصدمة والصدق في التعامل مع المواقف بطريقة غير معهودة في ملفات العمل الدبلوماسي العربي الجامد المتخشب.

رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم ليس مجرد شخص بروتوكولي ودبلوماسي بل أنه سخص إقتحامي حقيقي ويتميز بصراحته المؤذية للبعض والمباشرة وينبغي أن لا تنسون بأن الشيخ حمد بن جاسم شخصيا كان آخر ( مرسول ) للرئيس العراقي السابق صدام حسين قبل أن تقتلعه رياح الحرب الأمريكية ( الصدمة والرعب ) وتحيل نظامه هشيما ثم ليعدمه الأمريكيون فيما بعد بالأيادي العراقية بعد إنتهاء المهمة.. لذلك فإن الشيخ حمد حينما يتكلم فإنه يعني مايقول ويدرك تماما أبعاد المواقف الإقليمية والدولية، وحديثه عن حرب الإبادة التي يشنها النظام السوري ضد شعبه ليس حديث خرافة بل أنه الحقيقة العارية و المصيبة الكبرى التي تورط النظام العربي الفاشل في ملفاتها نتيجة للفشل المفجع في إيقاف النظام السوري عن جرائمه التي تجاوزت بكثير جرائم المجرم الخالد والوالد حافظ أسد في حماة عام 1982، ففي الحقيقة إن موقف الشيخ حمد بن جاسم ومن خلفه السياسة القطرية برمتها قد قطعت كل خطوط العودة مع النظام السوري رغم أن بعض العرب يتبنون سياسة غامضة تجاه الملف السوري هي أشبه بموقف اهل الكوفة في العقد السادس من القرن الأول الهجري من ثورة الإمام الحسين (رض ) أي ( قلوبهم معه وسيوفهم عليه )!!، وهي القضية التي يعرفها النظام السوري جيدا ويلعب على إحداثياتها من خلال إستغلاله للوبيات الإيرانية النشطة المنتشرة في بعضا من دول الخليج العربي!!

وحيث خفت حدة وزخم الضغوط العربية على النظام السوري وتراجع لدرجة مخجلة اداء الجامعة العربية الذي إكتفى بالجهود الميتة للوسيط الدولي الفاشل و المبتسم على فشله السي الأخضر الإيراهيمي وهي في مجملها جهود قد أعطت أوقات ثمينة لنظام بشار في توسيع قاعدة إرهابه الدموي و محاولاته المجرمة لإستئصال الثورة وإبادة الثوار.. في مواقف قطر الواضحة و الشجاعة و المباشرة من الثورة السورية وسام شرف وعز وكرامة لن يقيم أهميتها سوى الأحرار، ولا يمتلك المرء أزاء إصرار القيادة في قطر على الإستمرار في دعم الشعب السوري الحر رغم كل حملات التشكيك العدوانية إلا أن يقف إجلالا وإحتراما لتلك المواقف التاريخية الشجاعة، فالرأي قبل شجاعة الشجعان... وستظل السياسة القطرية شوكة في عيون أهل المعسكر الإيراني الإرهابي، أما حملات التشكيك و البذاءات فهي متهافتة بالكامل...

[email protected]