قبل بضعة أيام، شاهدت من على شاشة التلفزيون محاربين ملتحين من الجيش السوري الحر وهم يتصايحون : الله أكبر.. الله أكبر، بعد كل رشقة من الرصاص. وشاهدت قبلها مسلحي الجيش السوري الحر يتجولون بين الخرائب التى خلفها القصف االوحشي من طائرات بشار وكأنها تقصف أعداء لا مواطنين. والذى يحير هو أن الثوار يعرفون جيدا ان البعثيين المجرمين الذين يحكمونهم لا يترددون بقصف الأماكن التى يعتصمون بها حتى وان كانت من بيوت الله أو مدارس الأطفال او المستشفيات، فلماذا لا يكفون عن الاعتصام بها؟ لقد غادر سورية حتى الآن حوالى نصف المليون من الناس يعيشون عيشة يرثى لها فى معسكرات فى بلدان الجوار. إن التدمير المرعب الذى نشاهده فى كل يوم من على شاشات التلفزيون ينذر بخطر ماحق يهدد حياة السوريين. بالاضافة الى القتل والجراح سيفتك بهم الجوع والعطش والأوبئة، وبعد أن ينتهى القتال ndash;ولا بد ان ينتهى بطريقة او بأخرى- فكيف سيعاد تعمير البلد؟ ومن أين ستأتى الأموال اللازمة لإعادة إعماره؟ وإذا كان هناك دول مانحة ستكون لها شروطها. خَبَرنا مثل هذه المآسى فى العراق ولكن وارداتنا من النفط تساعد على إعادة إعمارما خرب. أما القتلى فسيكونون مجرد إحصائيات تنشر فى الصحف، والمعوقون والأرامل واليتامى سيشكلون عبئا ثقيلا باهضا على الحكومة الجديدة وسيحتاجون الى مستشفيات وأطباء وممرضات وأدوية وأجهزة طبية، وكلها تتطلب أموالا طائلة.

وخلال أيام العيد حصلت تفجيرات كثيرة فى العراق ايضا وسقط العديد من القتلى والجرحى، وكما يحصل فى سورية فإن القتلة المجرمون فى العراق يكبرون عندما يفجرون مفخخاتهم فتتطاير أشلاء الموتى، ويتبادلون التهانى بنجاحهم فى قتل البريئين ومن بينهم الأطفال والنساء والشيوخ، وبذلك تنضم أعداد جديدة من الأرامل واليتامى والمعوقين والمصابين بالرجات العصبية الى من سبقوهم. وكالعادة وعلى اثر كل تفجير تنطلق أبواق النشاز من القائمة العراقية والإقليم لتلقى اللوم على الحكومة، بينما يسود الاعتقاد فى إشتراك بعض المتنفذين فى القائمة العراقية فى الأعمال الارهابية كما ثبت من محاكمة وتجريم الإرهابي طارق الهاشمي.

عاطف العزي

المحير فى هذه الأعمال الإرهابية هو أن من يقومون بها يدّعون بأنهم مسلمون مجاهدون!! تُرى متى كان الإسلام يبيح قتل البريئين؟ أليس القتلى فى الأسواق والمساجد والمدارس هم من النفس التى حرم الله قتلها أم أنهم يقرأون قرآنا غير القرآن الذى يقرأه سائر المسلمون؟ هل أن لهم نبيا غير المصطفى يحثهم على قتل المسالمين وتخريب بيوتهم فضلا عن تخريب بيوت الله التى أذن الله بأن ترفع ويذكر فيها اسمه؟

الإرهابيون لا دين ولا اخلاق لهم يمتهنون القتل ويتنقلون من دولة لأخرى وحيثما يشعرون بأن هناك شعبا ثائرا يريد التخلص من حكامه الطغاة، فيخترقون صفوف الثوار ويصادرون ثورتهم، يمولهم الموسرون من دول الخليج الذين يعتبرون عملهم هذا جهادا بحسب الآية 88 من سورة التوبة : لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وآيات كثيرة غيرها تُقدم الجهاد بالأموال على الجهاد بالأنفس، فيضمنون ndash;كما يعتقدون- الجنة لقاء ما يدفعوه من الأموال. الإسلام دين سلام، وكثيرة هى الآيات التى تحض على السلام، منها الآية 61 من سورة الأنفال تقرأ : وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ. وقد نزلت الآية على الرسول الكريم فى اثناء القتال مع الكفار، بينما الإرهابيون يقتلون البريئين المسلمين وغير المسلمين. وفى عهد الخليفة أبى بكر الصديق أرسل الحملة التى كان أعدها الرسول بقيادة أسامة بن زيد لصد هجمات الروم على حدود شبه الجزيرة العربية فى سورية حيث قال لهم : لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا ولا امرأة ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بعيرquot;، قال لهم ذلك وهو يحاربون المشركين، ولكننا نجد الإرهابيين قد فعلوا كل هذا وأكثر فى الدولتين المسلمتين العراق وسورية.

إمتنعت الحكومة العراقية ndash;وهى محقة فى ذلك- عن التدخل فى فى النزاع السوري وحاولت بكل الوسائل منع وصول الأسلحة الى الطرفين عن طريق العراق. فثارت ثائرة القائمة العراقية وأنصارها وطلبت من الحكومة الوقوف الى جانب المعارضين متناسين انهم هاجموا رئيس الوزراء قبل حوالى السنتين لانتقاده الحكومة السورية والطاغية بشار وطالبته بتوثيق العلاقات مع سوريا البعثية.
الجار الطيب الذى يسمع عن نزاع فى بيت جاره لا يرسل لهم سلاحا، بل يحاول أن يصلح بين المتنازعين أو لايتدخل مطلقا. إن من يغذون الإرهاب فى العراق هم أنفسهم الذين يغذونه فى سورية الجريحة، حيث رفعوا راية الطائفية اللعينة وسرقوا الثورة السورية التى هى بالأصل قامت للقضاء على حكم البعث المجرم ورئيسه السفاح.

وانا أكتب هذه الكلمات قرأت ما نشرته ايلاف نقلا عن صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; بأن مئات المقاتلين من العراقيين السنة يذهبون الى سوريا لدعم الثوار، وان شيعة العراق انضموا للقتال الى الجانب الحكومي حيث يسافرون اولا الى طهران التى تجهزهم وترسلهم للقتال. أشك كثيرا فى صحة الخبر وهوعلى الأغلب من تلفيق الصحيفة الأمريكية، لأنه إن صح فان ساحة القتال فى سورية سوف تتوسع وتشمل جميع دول الجوار وهذا ليس فى صالح أحد مطلقا بما فى ذلك أمريكا واسرائيل، لأن أمريكا ستصبح فى وضع إقتصادي سيء بسبب انقطاع شريان النفط العربي عنها فتتدخل فعليا فى الحرب وتتبعها روسيا والصين من الجانب الثاني مما يعنى حربا عالمية ثالثة والتى ستكون آخر الحروب. ومهما يكن من أمر فان الحكومة العراقية مطالبة بإحكام السيطرة على الحدود مع كل دول الجوار بدون استثناء، والسعي فى تشريع قوانين قاسية رادعة لكل عراقي يقاتل فى سورية بغض النظر عن الجهة التى يقاتلها.