من سلفيي تونس الى يمينيي فرنسا، ومن طالبان أفغانستان الى شاس اسرائيل، ومن قاعدة مالي الى ليجا نورد الإيطالية... أصوليات دينية وآيديولوجيات يمينية تصنعان التاريخ،.. تاريخ جديد تصوغه جماعات التطرف وحركات الرعب المتسلحة بعقائد التفوق والمتوهمة باحتكار الحقيقة واللاعبة على تناقضات التنوع والمدفوعة بتضارب المصالح،.. إنه تسونامي متنام يهدد بضرب بنى المجتمعات والدول ويتوعد برسم خارطة جديدة لصراع الحضارات ولأسس العلاقات الدولية.

لم يبدأ تاريخ التطرف من 11 سبتمبر 2001، فهو ليس فعلاً إرهابياً معزولاً يشتغل خارج إطار التاريخ بل هو نتاج تاريخ تراكمي يختلط فيها الديني بالآيديولوجي بالإقتصادي بالسياسي بالمجتمعي، ومن السذاجة تفسير (غزوة مانهاتن) على أنها تعبير عن صدام الحضارات المتناشزة، فالأصوليات المتطرفة تهدد حضاراتها قبل الحضارات المغايرة، كما لا يمكن اعتبار الأصوليات الإسلاموية مصدر الخطر الوحيد الذي يهدد العالم بالفوضى أو الموت المجاني، فهناك أصوليات دينية وسياسية مسيحية ويهودية وبوذية..الخ منذرة بموجات تطرف وهجمات موت لمن يخاف مقدسها ومصالحها ورؤيتها للعالم. سبق إرهاب 11 سبتمبر إرهاب أوكلاهوما، ففي 19 إبريل عام 1995 قام تيموثي ماكفي -وهو شاب أبيض من المليشيات المسيحية المتطرفة- بعمل ارهابي نوعي أدى الى سقوط 168 ضحية وأكثر من 500 جريح حين فجر مبنى إدارياً بمدينة أوكلاهوما جنوبي الولايات المتحدة الأميركية، وكانت رسالته بـ: (لقد توصلت إلى قرار باتخاذ وضع الهجوم للحد من سوء استغلال الحكومة للسلطة، إذ فشل الآخرون في وقف القوة المتغطرسة التي تعربد بلا حدود، إنه تمرد أصولي على فلسفة الدولة.

وفي يوم السبت المصادف 23/7/ 2011 أفاق الرأي العام النرويجي والعالمي على مجزرة رهيبة ارتكبها اليميني المتطرف اندريس بهرينغ بريفيك أسفرت عن عشرات الضحايا في الحي الحكومي بأوسلو وفي جزيرة أوتويا المجاورة للعاصمة النرويجية أوسلو.

حسين درويش العادلي

لقد لخص بريفيك ثورته الإرهابية بمدونة (إعلان أوربي للإستقلال) التي تقع في 1500 صفحة والتي يقول فيها: (أساس المشكلات التي تعاني منها أوروبا يكمن في فقدان ثقتنا بحضارتنا أو بالأحرى بقوميتنا، فمعظم الأوروبيين ما زالوا يخافون من العقائد السياسية ذات الطابع القومي معتقدين ان اعتناق هذه العقائد سيؤدي الى ظهور هتلر جديد وإلى اندلاع حرب كونية جديدة. إن هذا الخوف غير المبرر من العقائد القومية يمنعنا من اجهاض انتحارنا الوطني والحضاري بسبب الاستعمار الاسلامي المتنامي. لن نتمكن من دحر الأسلمة ومنع الاستعمار الاسلامي لأوربا الغربية إلا إذا أزلنا أولاً كل العقائد السياسية التي تنادي بها الماركسية والحركات الداعية الى تعدد الحضارات)، إنه تمرد يميني على أفكار اليسار وفلسفات التعايش وتكامل الحضارات،..

إنه خطر لم تسلم منه ديانة أو دولة أو أمة، خطر آخذ بالتعاظم ليهدد السلام والتعايش والأمن العالمي.

الخطير في المسألة أنَّ الحركات المتطرفة الدينية واليمينية لم تعد خارج أسوار السلطة، لقد حققت وستحقق هذه الحركات مكاسب جديدة باختراق أو امتلاك السلطة في أكثر من دولة منذرة بتصاعد صراع الثقافات وصدام الحضارات وصولاً لتغيير مسار التاريخ.

شرقاً وغرباً، يشهد العالم تنامي سلطة الأصوليات الدينية من الكاثوليكيين التقليديين في فرنسا الى اليمين الديني الأمريكي الى المتزمتين اليهود الإسرائيليين الى الحركات السلفية الإسلامية، وأيضاً، فإنّ العديد من قوى اليمين السياسي الجديد استطاعت اختراق السلطة في أكثر من دولة كحزب الديمقراطيين في السويد، وحزب رابطة الشمال' ليجا نورد' بزعامة أومبيرتو بوسي في إيطاليا، وحزب' جوبيك' اليميني المجري، والجبهة الوطنية الفرنسية، والأحزاب اليمينية اليوم ممثلة في حكومات وبرلمانات إيطاليا والنمسا وبلغاريا والدنمارك والمجر ولاتفيا وسلوفاكيا.

شرقياً، هناك أكثر من بؤرة دينية منتجة للتطرف، ويكفي أن نشير الى أن في بنكلادش وحدها أكثر من 67 ألف مدرسة سلفية منتجة للتطرف، لقد لعب تحالف الآيديولوجيا والنفط والمصالح لعبته في إنتاج حركات أصولية سلفية متطرفة اخترقت الدولة إن لم تكن أسقطتها في دائرة تأثيرها الإيديولوجي والسياسي، والتخوف الآن قائم من اختراق حركات التطرف الديني لثورات المنطقة (الربيع العربي)، لتعيد إنتاجها على أساس من شموليات نافية للتعددية أو على أساس من دويلات مذهبية متزمتة تدخل المنطقة في أتون صدامات دينية مذهبية لا تعرف حدا.

تحتاج الإنسانية لحمايتها من زحف التطرف الى إعادة إنتاج التشريعات الوطنية والأممية وإعادة هيكلة المؤسسات الدولية وإعادة ترتيب التحالفات العالمية وضمان إلزام الدول بما يعزز من قيم المواطنة والديمقراطية والتعايش والسلام والأمن العالمي.

[email protected]