لا أعتقد بأن هناك ممن لم يسمع بما تتعرض له اللاجئات السوريات في الأردن, وربما دول مجاورة أخرى, من إستغلال تحت غطاء الزواج الشرعي بحجة مساعدتهن على تجاوز الأزمة الحالية وفيهن القاصرات اللواتي لم يبلغن سن الرشد. لقد شاهدت برامج حوارية تلفزيونية عديدة تحدثت عن هذا الموضوع وكان هناك خطابان واضحان في كيفية النظر لهذه الظاهرة التي كشفت عن العقلية التي تفكر فيها نخبة من المجتمع الإسلامي في التعامل مع تلك القضية.

فالخطاب الأول يتحدث عن عملية إستغلال واسعة تتعرض لها تلك النسوة من خلال إستغلال ضروفهن الصعبة من أجل الزواج بهن بحجة مساعدتهن لتجاوز أزمتهن التي لم تستطع دول كبيرة حلها. فالزواج تحت غطاء شرعي من سورية جميلة بمهر بسيط وإستعداد للعيش تحت أي ضرف من أجل الخروج من مخيم اللاجئين هو حلم لرجال كثيرون جائوا من دول خليجية وغير خليجية بخيال مشبع بجمال وأناقة الممثلات السوريات اللواتي يظهرن في المسلسلات التي أكتسحت التلفزيونات العربية في العشر سنوات الأخيرة. هي رحلة للبحث عن اللذة بغطاء شرعي يريح الضمير بل ويحفزه لفعل ذلك كباب من أبواب الخير وغطاء ربما يكون قانونيا ً لتبرير الموقف أمام المجتمع ليتزوج رجل كبير في السن شابة في عمر السادسة عشر ليجعلها زوجة ثانية وهو صاحب الفضل في ذلك بإعتقاده.

عماد رسن
أما الخطاب الثاني فقد تبناه وحتى دافع عنه كل الشيوخ والمعممين الذي ظهروا في المقابلات التلفزيونية وهو ذلك البعد الإنساني في التطوع لإنقاذ تلك النسوة والثناء على ذلك الفعل لأنه بادرة للخير وتقديم المساعدة للخروج من مخيم اللاجئين من خلال توفير عيش كريم في المدينة. الأكثر من ذلك يصور ذلك فعل على أنه الطريقة المثلى للحفاظ على عفة وشرف وكرامة تلك اللاجئات اللاتي يمكن لهن أن يقعن في الخطيئة إذا ماساءت أحوالهن وفقدن الأمل حتى بلقمة العيش. ومادام الزواج شرعيا ً وقانونيا ً فما الداعي لإثارة الموضوع برمته, فقد يؤدي ذلك إلى تشويه صورة بعض المتدينين الذين يريدون تقديم المساعدة بهذا الشكل.
لا أريد أن أرجح الخطاب الأول على الثاني بطريقة سطحية تخلو من النقد الموضوعي, فلا أستطيع أن أشكك بأن عدد ممن أراد الزواج من لاجئات سوريات كان هدفه المساعدة فعلا ً, وإن كانت الطريقة بهذا الشكل, وأن عدد من اللاجئات أردن فعلا ً الزواج لأنقاذ أنفسهن من وضعهن المأساوي. لكني أريد في هذه السطور أن أستعرض طريقة التفكير للكثير من المتدينين ومن المعممين ومن الإسلاميين والخطاب الإسلامي بالتحديد الذي ينتهج هذا النهج البراغماتي في النظر إلى قضية إجتماعية ذات بعد إنساني.

علينا أن نسأل هذا السؤال البسيط: هل أن الدين الإسلامي بمنظومته الأخلاقية مبدئي في التعامل مع القضايا الاجتماعية أم أنه نفعي في جوهره يبحث عن الحلول بطريقة الغاية تبرر الوسيلة؟ فالطريقة النفعية (Utilitarism) تستند على مبدأ زيادة المكسب قدر الإمكان وتقليل الخسارة قدر الأمكان في السلوك الفردي والسلوك الجمعي وفي السياسة والإقتصاد, وهي لاتبتعد كثيرا ً التفكير البراغماتي الذي يضع النتيجة قبل السبب في تقييم الأمور. فحسب الطريقة النفعية يكون مبررا ً قتل فرد واحد من أجل الحفاظ على أرواح ألف شخص إذا كانت هذه الطريقة المثلى في الحفاظ على أولائك الألف. أما الطريقة المبدئية فهي لاتبرر قتل ذلك الفرد لأن الغاية لاتبرر الوسيلة والإنسان يبقى إنسان في ذاته إذ لايمكن له أن يصبح وسيلة على حد قول أمانؤيل كانت. لا أكاد أشك بأن المنظومة الأخلاقية الإسلامية هي مبدئية في تعاملها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وإن كانت تتعامل بنسبية في قضايا عملية عديدة, لكن هذا لاينفي الوضوح في أسبقية المبادئ الأخلاقية. وكما يذكر القرآن في قضية القتل: إنه من قتل نفسا ً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ً.

من هذا المنطلق لايمكن تبرير, وبأي شكل من الأشكال, إستغلال الدين كغطاء شرعي لإشباع لذة جنسية وتلبية رغبة بالإستحواذ على نساء وكأنهن سبايا بإستغلال ضروفهن الإنسانية الصعبة بعد أن تخلى عنهن القريب قبل الغريب. فلماذا لم يتحرك الواعز الديني والأخلاقي لدى الكثيرين عندما تعرضت ومازالت تتعرض له النساء في الصومال مثلا ً أو ما يحصل في دول فيها مناطق ساخنة وبلاد مصدرة للاجئين كما يحدث الآن في الأردن. لماذا لايزُوج الشباب السوري مثلا ً بنساء عربيات في الدول العربية لإنقاذهم من الوضع بدل الزواج من سوريات لنفس السبب؟

إذن, هذا هو الخطاب الإسلامي في التعامل مع قضية إجتماعية ذات بعد إنساني والأدهى من ذلك أن هذا الخطاب النفعي الذي يتبناه الكثير من المعممين أصبح الوسيلة المثلى والطريقة الطاغية في التعامل مع قضايا سياسية وإقتصادية وغير ذلك, وهو الخطاب المهيمين الآن على الساحة الإعلامية والذي يمكن من خلاله صياغة عقلية الشباب العربي والإسلامي في التعامل مع قضايا إنسانية ليصبح ماهو شاذ شيئ عادي ومقبول وجيد بحجة إنه شرعي, وكأن الدين عبارة عن منظومة تشريعية ليس فيها ضابط أخلاقي, ومثل على ذلك هو التعامل بإزودواجية تجاه مايحدث في العالم العربي من ثورات وإنتفاضات, فما هومسموح لشعب بفعله غير مسموح ومحرم على شعب آخر أن يفعله, أو إطلاق فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان كمضاجعة الوداع أو إرضاع الكبير, وآخرها عدم الدعاء لضحايا الإعصار الأخير الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية ليبدو المجتمع الإسلامي مجتمع خال من أي روح إنسانية.

[email protected]