كان الحوار يدور حول الديموقراطية، وقيلت فيه أشياء كثيرة في ما كتبه توماس جيفرسون وهو من أوائل الرؤساء الأمريكيين، ومن رجالات القانون : (يولد الناس متساوون في الحقوق والواجبات.. الخ)..
bull;قال أحد المحاورين : اسمعوا يا إخوان، إن الناس ليسوا متساوين.. فلا ندع أي إنسان يلقي في روعنا أنهم متساوون.. فالذين يقولون إن الناس متساوون يجهلون عمّن يتحدثون!!..
انظروا لأجسامكم وأحجامكم، هل ترون المساواة قد تحققت بينكم في الوضع البيولوجي والفيزيولوجي؟!.. ناهيك عن التفاوت في قدراتكم الذهنية؟!..
هل وجدتم من خلال خبرتكم وتجاربكم الشخصية أن الناس متساوون في القدرات والذكاء والامكانات الذهنية والتشابه في البنية الجسدية؟!..
إن كل فرد يختلف عن أي فرد آخر.. وإن توماس جيفرسون عندما يقول : إن الناس خلقوا متساوين، إنما لكي يشيع هذا الزعم الذي لا وجود له على أرضية الواقع!!..
bull;فرد أحدهم محتداً : إنك لا تدري ماذا تقول!!.. الناس متساوون بالفعل، وأنا أتفق إتفاقاً كاملاً مع جيفرسون.. إن مساواة الجنس الإنساني هي ركيزة الديموقراطية، وليس من حق أي إنسان أن يعتقد في نفسه أنه أفضل من غيره، أو أنه صاحب حق مباح في التمتع بمزايا لا تتاح لغيره، فتكافؤ الفرص أمر مقرر مستوجب لكل انسان، ويجب ألا يعاني أي إنسان من التفرقة أو التمييز لسببٍ عرقي أو عقائدي أو حتى بيولوجي!!..
فانبرى إليه المتحدث الآخر وبحدةٍ أيضاً : أكرر مرة أخرى أن الناس ليسوا متساوين!!.. حتى الكتب السماوية قالت إن الناس درجات، وإن معظم الناس ليس عندهم نفس الذكاء لكي يتساووا في التصويت في حالات الديموقراطية.. وإن الفساد عمَّ بسبب هذه الديموقراطية التي تساوي بين الناس.. انظر ماذا فعلت هذه الديموقراطية في مصر والكويت؟!.. إذ جعلت من البُسطاء ممن لم يجتهدوا في الحياة بغير عادة العبادة، وليس العبادة.. هم الأغلبية التي تتحكم بمصائر الناس!!..
* * *
bull;وعلى هذه الوتيرة تمضي المناقشة بين الرجلين..
والكلمة المفصل بينهم هي (متساويين).. وبعبارة أُخرى فإنه لا يمكن أن يقوم جدال فيما يتعلق بالناس أهم متساوون أم لا؟!.. إذا كان أحدهما يعني شيئاً بكلمة (متساوين) والآخر يعني شيئاً مختلفاً، فَلنرجع الى بعض مما قالاه لنتأكد :
bull;أحدهم يقول : أن الناس ليسوا متساوين!!.. وقد قصد بـ متساوين هذه : المساواة في الحجم والشكل والقوى العقلية والجسمية والمواهب.. وما إلى ذلك.
والمناقش الآخر يقصد أنه ينبغي تهيئة نفس الفرص لكل الناس، وأن يعامل الناس معاملة مساواة من العدالة أمام القانون..
لذلك لم تكن هناك نقطة إلتقاء مشترك يتقابل عندها عقلا المتحاورين، لأنهما كانا يفكران في شيئين مختلفين!!.. على الرغم من أن كلاً منهما كان مُحقاً في قوله!!..
ففي الواقع هناك فروق جسيمة وفروق أُخرى بين الناس كما كان يُفكر الأول، أما الثاني فكان محقاً في قوله بوجوب توفر نفس الفرص لجميع الناس.. ولو رجعنا إلى فقرة جيفرسون والتي إحتوت عليها جميع الدساتير في العالم، فهي تقول :
quot; إن الناس خُلقوا متساوين!!.. quot; وأن الله قد وهبهم حقوقاً معينة لا تُنتزع.. وإن من بين تلك الحقوق حق الحياة وحق الحرية وحق نُشدان السعادة!!..
ولكن المتحاورين العرب لا يدركون، بل ولا يريدون أن يدركوا حجم المأساة التي يعيشها الانسان العربي، فتبتدع هذه المماحكات لتغرق في حوارات الطرشان السفسطائية، ولستُ بحاجة لتأكيد هذه الحقيقة.. فلنقرأ أي مقالة من المقالات التي تحملها هذه الشاشة، ولنلقي نظرةً على التعليقات عليها لنرى حجم الاختلافات بين المتحاورين العرب!!.. وهذا حقهم الديموقراطي، ولكن هناك من يتجاوز الحدود الديموقراطية الى العبثية، والعصبية، والطائفية، والعرقية، والعنصرية التي أصبحت تُغرق حياتنا المعاصرة!!..
* * *
تذييل :
يتفاخر الاخوان المسلمين والحركة الاسلامية في مصر بكل أطيافها بأن الذي جاء بهم هو الصندوق، أي الديموقراطية.. وهنا لابد من الاشارة الى الآتي :
إن الخميني عندما كان يدعو الشعب الايراني الى صلاة القدس تخرج له الملايين لتشارك في صلاة القدس، هذه الملايين التي تتجاوز العشرة أحياناً، قلة قليلة منهم من يعرف المعنى الحقيقي لموضوع القدس، أو من هم قادة فلسطين!!.. ولكن لأن الدعوة قد جاءت من رجل العمامة (الخميمي) فاستجابت هذه الجماهير من البسطاء لدعوته!!.. وهكذا هي الحال في مصر التي يتفاخر من يجلسون على سدتها الآن أن الصندوق قد جاء بهم، لأن البسطاء وهم يُشكلون الأغلبية في المدن الصغيرة والقرى، يلتزمون بالذهاب الى العبادات يومياً، ويستمعون الى الخطباء الذين يبشرونهم بالجنة، والحور العين، وأنهار العسل والخمر واللبن، وغير ذلك من المغريات التي سيحظون بها لو صوتوا للاخوان المسلمين أو السلفين وغيرهم!!..
من هنا أصبحت الأغلبية هي التي جاءت بالاخوان لكي يحكموا أعرق حضارة في التاريخ!!..