على إثر مقالة تناولت فيها رمزاً الحالة السياسية الكردية الراهنة، والتي نُشرت في إيلاف في الاسبوع الماضي.. أدهشني حقاً ذلك السيل المنهمر من السباب والشتائم، ليس لشخصي وإنما للعرب والعروبة، بل والاسلام والمسلمين..
وهناك من تفاخر بآريته وزرداشتيته باعتباره العرق الأرقى من العرب، بل وهناك من رد بمقالةٍ في صفحة الآراء، وكلها كانت تدل على النظرة الدونية للعرب، وللتاريخ العربي، بل والاسلامي.. وتمادى البعض بالثناء على اسرائيل واعتبر أن الشعب اليهودي هو شهب الله المختار، وهناك من قال أنه يفضل اسرائيل على العرب.. ولا أخفي سراً عندما أقول أنه لا تنقصني الشجاعة الفكرية من التفنيد والرد على كل تلك التخرصات، وبالفعل شرعت في كتابة مقالةٍ، ولكن تبين لي بعد أن هدأت نفسي، أن ما كتبته إنما كان صادراً عن حالة انفعالية ربما تندرج ضمن دائرة المعارك التي لا تُجدى فائدة منها..
وبعد الهدوء والتريث كتبت هذه المقالة، التي أحاول فيها تأكيد الهوية.. وأقول للأخوة الأكراد أن لا يخلطوا بين السياسات القمعية واللاانسانية التي تعرض لها الأكراد من الحُكام الظلمة، وبين من يناصرونهم للحصول على حقهم في الحياة كمجتمع له هوية جديرة بالتقدير والاحترام..

* * *
تؤكد المأثورات التاريخية أن مفهوم الإنتماء أو الهوية قد ظهر لأول مرة في التاريخ عند السومريين، ومن ثم تبلور أكثر عند الساميين الذين هاجروا من شبه الجزيرة العربية إلى أطراف العالم القديم، وبخاصة بلاد ما بين النهرين.
وكثيراً ما يقترن مفهوم الهوية بالوطن أو باللغة أو بالأمة أو بالبقعة التاريخية التي ولد فيها الإنسان، ولكن التفسيرات الحديثة تؤكد أن مفهوم الهوية أصبح لا يقتصر على هذه الجوانب وحسب، وإنما أيضاً يشمل المشاعر والأحاسيس والعواطف، ولذلك إستُخدم تعبير الإنتماء بدلاً من الهوية.
وقضية الإنتماء التي صارت جزءاً من الشعور الإنساني العميق، وجزءاً من المفاخرة بالهوية، وجزءاً من الشعور بالإرتباط القومي والإثني والجغرافي، هي التي تعنينا في هذه السطور.
فمنذ أن ظهرت الأمة العربية ككيان مستقل بين أمم الأرض، أخذ الطابع القومي العربي ينمو باتجاه حضاري متين بدءاً من الدعوة الإسلامية التي وحدت العرب والمسلمين في أعظم دولة ظهرت في التاريخ، وانتهاءاً بالمرحلة الراهنة.
وأصبح العربي أينما حل ويحل يتفاخر بأنه وريث هذه الحضارة التي قدمت إلى البشرية ما استطاعت تقديمه مع الحضارات الأخرى في مجالات العلوم والفكر والأدب والثقافة وغير ذلك.
وبعد أن أصيبت الحضارة العربية والدولة العربية بهزاتٍ وهزات وتفتّت ملامحها إلى دول ودويلات، وصار العالم اليوم يتعامل معها من منطق الأقوى ومن منطق المسيطر ومن منطق الوصي على مقدراتها، فإن الهوية بدأت تواجه حالة من التراجع وعدم الإكتراث، بل واعتبرها البعض نوعاً من التبطر الذي فقد لمعانه بعد أن غزا العالم العامل الإقتصادي الكوني.
وإذا كانت الدول العربية، بل والقادة العرب لا يعيرون أي إهتمام لقضية الإنتماء أو الهوية بقدر ما يهتمون بسلطتهم وبكراسيهم وبالشلل والطواقم المحيطة بهم، فإن إسرائيل مثلاً مافتأت تبحث، بل وتعمل ليل نهار من أجل إبراز هوية الشعب اليهودي.. وتطالب العالم بأن يسميها رسمياً بالدولة اليهودية ndash; رغم إدعائها العلمانية - وهي تريد أن تصادر الهوية العربية الفلسطينية من فلسطيني 48.. إذن لماذا تضيع هويتنا من على مناضد قادتنا العرب لمجرد أنهم انزعجوا من نداءات الشارع العربي بالهوية العربية ndash; القومية ؟!!..
ولماذا يوافق قادتنا سراً وعلانيةً على تلبية مطالب الدول الكبرى بالتقارب مع إسرائيل؟!..
هل لأنهم يريدون السلام العادل والدائم القائم على رد الحقوق المهضومة؟!..
أم أنهم يريدون تلافي المخاطر التي تهدد كراسيهم لأنهم لم يفعلوا شيئاً لإسترجاع الهوية العربية؟!..
هذا سؤال أترك الاجابة عليه للنتائج التي ستتمخض عنها تحركات الربيع العربي.. ولكن علينا أن ندرك أهمية هويتنا التي تحدد (إما أن نكون.. أو لا نكون!!).. ولكن يبدو أنه بعد أن تبوأ محمد مرسي كرسي الرئاسة في مصر، والغنوشي عراباً للاسلام في تونس، والأحزاب الاسلامية المتناحرة في ليبيا، وتحركات الاسلام السياسي في مناطق متعددة في وطننا العربي.. لا ندري هل ستكون هويتنا العربية مختلطة بالأندونيسيين والباكستانيين وبنغلادش.. أم نبقى محافظين على هويتنا العربية؟!..