في البدء:
قليلاً ما نعهد أن مقالاً كتبته صحيفة ما، أو رأياً أدلى به أحد الكتاب، قد أُخذ به بعين الإعتبار لدى أي جهة من الجهات المسؤولة في وطننا العربي!!..
اللهم إلا إذا كان المقصود بذلك إنزال عقوبة بتلك الصحيفة بسبب الموضوع أو الرأي اللذين لم يلقيا قبولاً لدى تلك الجهات!!..
ولم نعهد كذلك أن لدى الجهات المسؤولة في وطننا العربي أقساماً متخصصة لمتابعة ما يُكتب في الصحف من آراء ومقترحات للبحث في جدولها ومناقشتها، وبالتالي الأخذ بما جاء فيها مهما كانت طبيعة الموضوع المطروح وحساسيته!!.. اللهم إلا إذا فرض ذلك الموضوع نفسه، وأثار قضية لدى الرأي العام!!.. عندها يأخذ طريقه في ملفٍ خاص.. وغالباً ما يكون ذلك الملف قد أُعد من قبل جهات أمنية!!..
* * *
bull;ما أشرت إليه آنفاً ليس قاعدة عامة، فهناك كثير من الحالات الإستثنائية تتعلق بطبيعة الموضوع المطروح والظروف الموضوعية التي أدت إلى طرحه.. ولكن مع كل هذا وذاك، فسأُدلي بدلوي بتوجيه هذا الخطاب لقادة الأمة العربية.. سواءً نُظر إليه بعين الاعتبار أو تم تجاهله كالعادة، مثلما يتجاهلون آلاف الأطروحات التي يتقدم بها أبناء شعوبهم..
وبعد الإعتماد على الله أقول:
bull;سادتي الأكارم قادة الأمة العربية.. اسمحوا لي أن أختزل التاريخ وآتي بنتفٍ من وقائع بدأت منذ الأربعينيات، وتحديداً بعد ضياع فلسطين، وردود الفعل التي حدثت بعد قيام دولة إسرائيل، ونأتي بالبعض منها على سبيل الذكرى ليس إلا!!..
bull;تعرض العالم العربي إلى سلسلة من الإنقلابات العسكرية، قلبت حياتنا رأساً على عقب!!..
صار الناس في بلادنا يُقبلون على إعتناق فلسفات وإيديولوجيات ما أنزل الله بها من سلطان، ظانين أنها ستخرجهم من شرنقة ذلك الإختناق الذي أطبق على كل شرايين حياتهم..
bull;فأخذت التيارات الماركسية لها موقعاً في وسط مجتمعات ترفض تركيبتها الكيميائية الإمتزاج بروح تلك الفلسفات، نظراً للإعتقاد السائد بأنها تخالف جوهر الإيمان الذي جُبلوا عليه!!..
bull;أُطلقت الذقون، وتشكلت أحزاب ومنظمات ذات طبيعة دينية لكي يتصدوا لأصحاب الأيديولوجيات الجديدة ، بعد أن أصدروا الفتاوى بتكفيرها!!..
bull;ثم تتشكل منظمات لمجموعات من أُناسٍ يرون في أنفسهم أنهم وسطيون بين هؤلاء وأولئك، فتتكون حركات القوميين العرب المختلفة، وكلها تستمد مرجعيتها من ردود الفعل بسبب ضياع فلسطين.
bull;وكلما استمرت إسرائيل في إعتداءاتها وتوسعها، تلجأ الدول إلى الدعوة لعقد مؤتمرات قمم، مرة إسلامية، عُقد البعض منها في الأراضي المقدسة، وحضرها معظم قادة الدول الإسلامية، ومراتٍ أُخرى تعقد جلساتها في عواصم عربية وإسلامية مختلفة..
bull;وتشتد في الشارع العربي حالات التأزم والتوتر، ويحتد الخلاف في المؤتمرات، والمهرجانات، والنقابات، وفي داخل جدران الصروح الأكاديمية، والمنتديات، مما أدى إلى أن تمتد الأيدي لتطلق الرصاص على القادة، ورؤساء الوزارت، والوزراء، والسفراء، ومدراء مكاتب المنظمات، وتُنسف مباني الصحف وشركات الطيران، وتُختطف الطائرات، ويتجندلون مضرجين بدمائهم الصحفيون والكُتاب.. بل وصارت الخلافات تدبُّ ما بين جُلاس المقاهي!!..
bull;وأخذ رفاق الخندق الواحد في الوطن العربي، يصفي بعضهم البعض.. والأحزاب والجمعيات والمنظمات التي تشكلت على أثر ضياع فلسطين أخذت تواجه بعضها البعض.
فـالإخوان المسلمين، تفرعوا إلى جماعات مختلفة تكفير، وهجرة، سلفيون، جهاد، مهاجرون، حماس، حزب التحرير.. الخ..
وهؤلاء جميعاً لم يكتفوا بمواجهة أعدائهم التقليديين فحسب، وإنما كثيراً ما كانت مواجهاتهم فيما بينهم، ولا زالت هذه المواجهة مستعرة، والنموذج المصري الراهن ومن قبله الأفغاني، وغير ذلك.. أسطع مثال!!..
أما أصحاب الإيديولوجيات: كالشيوعيين العرب مثلاً، فقد إنقسموا إلى:
ماويين، تروتسكيين، لينين.. وبعضهم أصبح شيوعياً مسلماً، والبعض الآخر كشف قناعاً عن وجهٍ في غاية القبح والإنتهازية فأخذ يتنقل من شيوعي الى علماني الى ليبرالي، وإذا اقتضت الضرورة، إسلامي!!..
bull;وحركة القوميين العرب التي إنقسمت هي الأخرى إلى تكتلات تمحورت ما بين الماركسية والناصرية وبعضهم صار يقوم بممارسات الرجعية، مرتدياً قناعاً ndash; ليس سميكاً ndash; من الثورية!!..
bull;والبعثيون أصحاب الشعار ( أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة ) قد غدو في حالة من التمزق والتطاحن، وذُبحت قياداتها أكثر من مرة على أيدي الرفاق في تنظيماتهم القطرية.. أما على الصعيد القومي فإن العداء ما بين البعثيين والبعثيين جعلهم يقنبلون ويفجرون بين بلديهما اللذين يحكمان فيها، إذ بلغ العداء فيما بينهم أكثر من عداوتهم لمن إغتصب فلسطين!!..
bull;على صعيد الخلافات العربية العربية في كيفية تعاملها مع القضية الفلسطينية رسمياً، فإن الحديث قد يطول ويطول، وهو مُخزن وذكراه تُدمي القلوب.. يكفي أن نذكر أيلول، وتل الزعتر، وحرب بيروت، لترتسم في الأذهان صوراً هي في غاية البشاعة والتقزز!!..
bull;ناهيك عن الخلافات والمواجهات الدموية بين أبناء النكبة أنفسهم، فإن الحديث عن ذلك بلا حرج!!..
bull;وعندما قامت الثورة في إيران في أواخر السبعينات، إشرأبت أعناق الثوريين العرب نحو إيران بكل أطيافهم متغزلين بها، إذ كانوا يأملون منها أن تكون رافداً من الروافد التي تحقق لهم آمالهم، فمجدتها الأقلام، وارتفعت لتحيتها هتافات العرب، وتغزل بها كبار الشعراء.. فها هو أدونيس يُرحب بثورة إيران قائلاً:
أرضي العربية، رعدها يتعالى
صاعقاً خالقاً
وحريقاً
يرسم المشرق الجديد، ويستشرف الطريقا..
شعب إيران يكتب للشرق فاتحة الممكنات!!..
ولكن أين إيران أواخر السبعينات من إيران الراهنة؟!.. حيث انقلب الترحيب بها الى كراهية.. بل ومواجهة!!..
* * *
سادتي الأكارم: قادة الأمة العربية..
في ظروف هي في غاية الصعوبة والحرج، والهياج الجماهيري يغلي في الشوارع العربية، ومسلسل الخلافات مابرح يزداد يوماً بعد آخر، بينما نتنياهو يسير بخطىً متغطرسة نحو تحقيق أهدافه وهو المُذِّل لكرامتنا كأمة عربية إسلامية!!..
bull;ليت أنكم تضعون نصب أعينكم القليل القليل من بعض ما جئنا عليه من تلك اللمحات التاريخية الخاطفة التي مزقت الأمة العربية، وأهدرت الكثير من طاقات العرب المادية والمعنوية، وأن تنظروا بعين الإعتبار إلى النتائج التي أسفرت عنها سنوات ما يزيد عن نصف قرنٍ من ضياع فلسطين وغيرها، نتمنى عليكم أن تخرجوا بموقفٍ موحدٍ تواجهون به البيت الأبيض!!.. نعم البيت الأبيض!!..
فأنتم سادتي الأكارم تعرفون جيداً أن واشنطن هي عاصمة يتحدد فيها القرار الأول والأخير في تحديد خطوط السياسة الإسرائيلية، ولا أظن أن نتنياهو يملك هناك رصيداً من الود والإحترام مثلما يملك البعض منكم!!.. حيث أن ما بين أمريكا والعالم العربي من القواسم المشتركة في شتى المجالات الاقتصادية، وتبادل المصالح، ما يمكنكم من أن تكون لكم الكلمة الطولى لدى هذا البيت الأبيض!!..
bull;فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد إقتنعت ndash; أو هكذا يبدو ndash; بأهمية السلام بالنسبة لواحدة من أهم مناطق التوتر في العالم، فإن جزءاً أساسياً من عقدة التسوية السلمية لابد أن يصبح في أيديكم أنتم.. وبمقدوركم إذا أردتم ndash; مجتمعين ndash; أن تُملوا شروطكم، إذا أردتم!!..
bull;وإذا كانت الأمم المتحدة قد أدركت منذ أمدٍ ليس بقليل بأن إحدى معضلات الحل الناجز والشامل تكمن في إذعان إسرائيل للتسليم بقراراتها، فأظن أن الكرة الآن في ملعبكم لجعل الولايات المتحدة تخطو خطوات أبعد بإتجاهكم وليس بإتجاه إسرائيل، هذا إذا كانت أمريكا صادقة في زعمها!!.. وإذا لم تكن صادقة فبمقدوركم ndash; إذا اتحدتم ndash; أن تجعلوها تُذعن لتطبيق القرارات الدولية!!.. لأن المطالب العربية القائمة على تطبيق وإحترام القانون الدولي قد أصبحت مقنعة لأغلب دول العالم، بما فيها الدول الغربية الحليفة للولايات المتحدة ولإسرائيل أيضاً!!..
* * *
bull;سادتي الأكارم: قادة الدول العربية:
لقد بات المواطن العربي يخشى أن تكون السياسة الإسرائيلية التي إستطاعت أن ترغم العرب تدريجياً على القبول ببشاعة سياسة الأمر الواقع الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه، ستزداد توسعاً، بيد أن قادتنا يجتمعون، ويجتمعون، دون أن تكون هناك نتائج غير البيانات التي سرعان ما يتم نسيانها، وتعود الحياة إلى عهد ما كانت عليه قبل إنعقاد مؤتمر القمة.. وكأن شيئاً لم يكن، ويعيد التاريخ ndash; الذي أشرنا إلى ومضات منه ndash; يعيد نفسه، ونعيش في دوامة من التمزق والتشرذم، ربما تكون أشد فوراناً من تلك النماذج التي جئنا عليها.. وما الربيع العربي عنكم ببعيد.. فناره لازالت مستعرة.. وأرجو ألا يتصور البعض منكم: أن فورات الربيع العربي لا علاقة لها بذلك التراكم الذي ذكرنا نتفاً منه!!.. إنه صلب الموضوع!!..
bull;سادتي الأفاضل: قادة الأمة العربية..
يُدرك الشارع العربي بسبب التجارب التي مرَّ بها، والنتائج التي استخلصها من مؤتمرات قمم سابقة، أنه ليست هناك وصفة سحرية من الممكن أن تخرجوا بها من هذه المآزق المتفاقمة، رغم أنكم كثيراً ما تؤكدون على وحدة المصير!!..
ولكن وحدة المصير هذه لا تتجاوز حدود البيان الذي ستأخذ مكانها فيه، لأن بعض الدول العربية ترى أن عليها أن تعمل على تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى، وهذه المصالح لا يمكن أن تتحقق إلا بالصلح والتطبيع مع من إغتصبوا أراضينا، وقتلوا وشردوا شعبنا، ولازالوا مستمرين في إنتهاك حرماتنا ومقدساتنا!!.. مثلما كان يرى السادات، والملك حسين، ووقعت بنفس المأزق منظمة التحرير الفلسطينية، ودول أخرى لم تجهر ولكنها مرتبطة باسرائيل بشكل أو بآخر!!..
فهم يرون أن الإعتراف يإسرائيل صار أمراً واقعاً، وأدخلوا في ريع السواد الأعظم من شعوبهم بأن عليهم أن يسلِّموا بهذا الأمر الواقع، مما جعل تلك الشعوب توجه بعضها البعض، ما بين مؤيد للتطبيع ورافض له.. ولكن بعد الربيع العربي فإن المعادلة في هذا المضمار سوف تتجه بوصلتها نحو ما يُجهض كل تلك الأطروحات، ويعيد النظر فيها!!..
bull;والبعض الآخر.. من المنظمات الاسلامية صارت تدعوا إلى تصفية إسرائيل، وأخذت تجيش لها الجيوش هنا وهناك والكل يعلم أن هذه الدعوة ما هي إلا شكل من أشكال العبث الذي صار إرهاباً عالمياً، وامتد إلى مناطق كبيرة في العالم العربي والإسلامي.. بل والدولي!!..
وهناك من يراوغ ويلعب على كل الحبال!!.. وهناك!!.. وهناك!!.. ولا نريد الدخول في تفاصيل التناقضات في التزايد فذلك يقودنا إلى متاهات لا حصر لها ولا نهاية!!..
bull;سادتي الأكارم: قادة الأمة العربية..
أرجو ألا تكون صحيحة تلك النغمة التي ترددها القيادات الأمريكية والأوروبية، وفحواها: ( أن القادة العرب غير متفقين على إحلال سلام حقيقي في الشرق الأوسط، وأن البعض منهم يريد لهذه التناقضات أن تكون مستمرة، لأنها تبرر وجوده في دفة الحكم!! )
هذا ما ألمح إليه البيت الأبيض وقادة أوروبا.. وجاء على ذكره أكثر من قائد أمريكي وأوروبي في مذكراتهم!!.. ولا أظننا سنأخذ بمثل هذه الأقاويل.. لأننا إعتدنا عليها منهم، ولأنها تدق الأسافين بين الشعوب وقادتها!!..
* * *
bull;وأخيراً سادتي الأفاضل: هناك موضوع إيران؟؟؟!!..
إنه كارثة مدمرة، قد يدرك البعض منكم مدى خطورتها، وبالتالي عليه أن يجد السبيل الأسلم للتعامل معها..
وما نتمناه بهذا الصدد ndash; موضوع إيران ndash; هو أن تكون لكم أجندتكم الخاصة بكم في كيفية التعامل مع هذا الملف، فهو لا يقل عن الملف السوري، إن لم يكن أشد منه خطورةً.. فإيران قنبلة موقوتة ومدمرة!!.. وقياداتها المتشعبة التي تحكمها نزعات تاريخية تحمل في طياتها العصبية القومية، والاجتهادات الفقهية التي تحكمها الحالة الغيبية، كولاية الفقيه، حيث أن المرشد فيها يحكم باسم الامام الغائب إلى أن يظهر!!.. ناهيك عن ردود الفعل بسبب الضغوط الدولية في مواجهة مشروع إيران النووي!!..
bull;سادتي الأكارم: قادة الأمة العربية..
عندما نقول يجب أن تكون لكم ( أجندتكم ) الخاصة في التعامل مع إيران، نقصد الإبتعاد وعدم التسليم للأجندات الأخرى التي تسعى لإشعال المنطقة برمتها، بما يتوافق والأهداف التي تعرفونها أنتم قبل غيركم.. فأجندتكم في التعامل مع إيران لابد أن تتوافق مع مصالح شعوبكم قبل أي شيء آخر!!..
اللهم إني بلغت!!..
- آخر تحديث :
التعليقات