مقدمة: هل تحررَ العراق بعد عام 2003 ؟ وهل تجاوز مرحلة التقيئ الفكري من أطراف الأرهاب ؟ يستجيب قادة العراق وأهله وممثليه في مجلس النواب لهذا التسائل بأجابات فلسفية وأجتماعية ودينية وسياسية مختلفة لأدوار ومسميات وأشخاص ترجع بنا الى شخصيات الثورة العربية الكبرى عام 1916 ، بل ومنذ ظهور رسالة الأسلام . وطبيعي أنه سؤال في غاية التعقيد والغموض و ليس في أستطاعتي أو في أستطاعة أحد تقديم أجابة وافية لمغزى الحرية والتحرر، لأنه كمنَ يسأل في تسمية الله اليهود بشعب الله المختار ومناقشة الخرافات الدينية كظهور المهدي .
في تاريخ الفكر السياسي الأنساني للعالم . لم تكن الثورة العربية الكبرى (1916) أكثر من وعود أستعمارية للمنطقة العربية . الحركة المسلحة التي دعت إليها الجمعيات العربية السرية وشيوخ العشائر في المشرق العربي ضد الحكم العثماني وأعلنها الشريف حسين بن علي أمير مكة في يوليو تموز 1916 ، ثبتت عسكرة مصالح الغرب الأوروبي ثم الأمريكي ووقع العالم العربي وثرواته تحت الحماية والأنتداب والتبعية مع أندحار الدولة العثمانية عام 1918.

وهنا يقع الفهم العراقي الثقافي الحالي لتبادل الأدوار والمسميات السياسية والدستورية والتقيئ الفكري الزمني منذ ثورة العشرين والأنقلابات العسكرية في عصر الأستقلال (وهي العبارة المفضلة للبعض بعد الحرب الأولى والثانية وأتفاقيات سايكس بيكو وفرساي وعهود الأنتداب) الى عصر الردة الحالي بتحريض العشائر بأسم الأسلام للتستر على الأرهاب الأسلامي القاعدي والسلفي وتأييد قُطاع الطرق ، حيثُ يتبارى ويتصارع قادة العراق اليوم وممثليهم quot;كل حسب فهمه وثقافته quot; في تفسير ماحدث ويحدث والحديث عن خطوات التحررالغامض وتحليل الحرية وحلِّ رموزها وطلامسها وفهم ألغازها الصعبة. فالخطوات الغير مفهومة التي تتخذها الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا من جهة في التعامل هي خطوات مرنة مفهومة لهم تماماً وتخدم مصالحهم الدولية مع شعوب ودول أطلقوا عليها دول العالم التالث . خطوات سياسية معبرة تماماً عن مصالح لاتتغير ، تحميها قواعد عسكرية وأساطيل بحرية ولكن هذه المصالح ديناميكية مدروسة ومفهومة لواقع كل دولة عربية وطبيعة الحاكم وأتباعه وكما يتطلبه المشهد وبكل بساطة لايهمها أن كانت : دولة محافظة ، دكتاتورية ، ديمقراطية ،أشتراكية ، ديمقراطية عشائرية ، أو نظام تسلط عسكري.

أنه أمر مازال قادة العراق يمتهنون مناقشته بأفلاطونية والدخول في دوامة المسميات وألآدوار لمن سيظهر على الساحة الدولية دون أعتبار لقيمة الأنسان الذي نبذ العنصرية.
وتبهرني وتغيضني في نفس الوقت عبارات التمييز الغربية بين العالم المتحضر والعالم العربي والأسلامي الثالث المتخلف المتوحش وثوارته الربيعية على الأنظمة . ويبدو أن الدول الكبرى هي وحدها التي تأذن للدول وتصنفها لدخول نادي العالم المتحضر وقبول ثوراتهم وتحررهم من عدمه ، بعبارات مضللة لكنها مقبولة في حكومات الدول المسيحية الغربية وكذلك في الفكر العربي المعاصر . ونرى بموجب ذلك أن ساسة العراق والدول العربية مقتنعون بأن دخول العالم المتحضر هو الأنتماء والأرتماء قلباً وفكراً في أحضان هذه الدول دون حساب مصلحة دولهم وحاجات شعوبهم أولآً.

في مدارسنا، تمَّ تعليمنا مسميات وطنية بعد سقوط الأرض المقدسة بيد الصهيونية العالمية وخلق أسرائيل عام 1948 ، ومن هذه التسميات ( ألاراضي السليبة أو الأراضي المغتصبة أو الكيان الصهيوني ، أو الدولة اللقيطة أسرائيل وووو) وهي مسميات تشفي غليل المخلصين والمُحبين منا وتنعش صدور سياسينا وحكامنا وعشائر الرقص البدوي عند الحديث عن أرض فلسطين والتغني بتحريرها ، مع أن هذه المسميات لم تُسهّل العمل الحقيقي لتحرير أي قطعة من أرض فلسطين . في قواميس السياسية البريطانية عبارة (العالم المتحضر) التي أستخدمها تشرتشل في الحرب العالمية الثانية ومؤخراً أعاد توني بلير وجورج بوش أستخدامها لتبرير شرعية قرارات التفويض الدولية لأزالة أنظمة سياسية معادية وفرض المقاطعة الأقتصادية و التكثيف من تهمة خطورة اسلحة الدمار الشامل في حوزة دول تقع في محيط مصالحها .
لنعد الى أهل لعراق الآن ونسألهم من جديد . هل تحرّرَ العراق من العبودية والأستغلال والحكم الدكتاتوري؟ وعندما نتفحص قائمة الأسماء والأطراف المشاركة في حكم الدولة لا نجد أكثر من أسهامها في الضرر الأستراتيجي المباشر للعراق ومصالحه الأقليمية والدولية. ويكاد يتقيئ الأنسان للمسميات والأدوار التي تُسوّقُ لأبناء العشائر رغم كثرة المثقفين في العراق . اللقاءات السرية والعاجلة بين أطراف الصراع العراقي على السلطة والنفوذ لم تتوج بنتائج مفهومة بعد 9 سنوات من الضرر العام ، وأستعمالهم للمسميات اللغوية المستحدثة وبيعها للعبيد منا ، (يسترخي) بعدها السادة الكرام لأسابيع ثم يعودون بعدها لتكرار مصطلح تخديري جديد وشن حملة على خصومهم وأتهامهم بعدم التحضر والهمجية والوحشية والعمالة والشوفينية والدكتاتورية وعبارات غربية مستقاة من قواميس الحضارة والتمدن الأوربية لتؤدي غرضها المقصود.

وتبرز أخطاء القائمة العراقية وممثليها في القمة ( وتليها كتل سياسية أخرى ) وتراها تقف ضد القضاء والعدالة حالما يتم القبض على متهمين بالأرهاب بل بعد ساعات أو أيام من التحقيق معهم ليصبح الأرهاب مسألة تراضي وأرضاء خواطر وقطع طرق دولية بتحريض الجمهور العشائري على رمي ثقلهم وكأنها ليست مسألة قضائية وسبيل لمقاضاة المتهمين ومعرفة دوافعهم ومحرضيهم وأوكارهم ومصادر تجهيزهم ، ويتسابق صقور الفضائيات في أبداء أرائهم قبل أن ينطق القضاء كلمته لأثبات براءة البريء والقصاص من المتهم.

فهل الأرهاب مسألة سياسية أم قضائية ، أم هو فوضى التشهير بأشخاص يحاربونه ؟ وهل ينبغي التستر على الأرهاب والقتل اليومي لأن المتهم المشار أليه من المليشيات أو فرق الحماية الشيعية أو السنية أو الكردية؟

إن أشد ما يؤلم الإنسان أرتكاب العالم الغربي الجرائم تلو الجرائم وتُسوّق من أشخاص لايقيمون وزناً للعدالة وأشد ألماً أن يرتكب عراقيي السياسة جرائم بمسميات سُوقية يستغلون فيها أبناء العشائر و الناس البسطاء بأفكار بدائية كما كانت تُسوّقُ للاجداد في ثورة العشرين ومأسي العراق بعدها.

في عالم يبتهج بأعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة ، يبكي عالمنا العربي وينتحب بضياع فرص الأستقرار والأمان ، فعسى أن يتحرّر العراق من لوثة الأرهاب وكفا الله المؤمنين شر القتال.

كاتب وباحث سياسي