اختارت حكومة الإسلاميين في تونس أن تحتفل بعيد ميلادها الأول بإثارة قضية جديدة، ستدعم سلسلة القضايا التي ما فتئت تفجرها في وجه الرأي العام المصدوم، الواحدة تلو أخرى منذ تسلمها مهامها أواخر شهر ديسمبر من السنة الماضية، فقد أدهش قرارها دعم استيراد ما بين عشرين إلى ثلاثين ألف عربة quot;تكتكquot; الجميع نخبا و عامة، و حول هذه quot;الوسيلةquot; الشرق آسيوية إلى حديث الساعة في بلد غارق إلى أذنيه في بحر من الكوميديا السوداء لا دليل على أن نهايتها قريبة.
لقد بحثت شخصيا عن أفضل توصيف لعمل الحكومة طيلة السنة الحالية المشرفة على خاتمتها، فلم أجد أفضل من هذا الاشتقاق الممكن الذي أسعفتنا به عبقرية أهل الحكم الجدد في آخر قضاياهم المثيرة. إنها quot;حكومة التكتكquot; حقا، فهي بدل أن تسير بالبلاد على أربع عجلات اختارت السير بها على ثلاثة فقط، عرجاء لا تسر أحدا، و هي بدل أن تدفع بعجلة التنمية للدوران بأعلى سرعة ممكنة فضلت إبطاء دوران العجلة إلى حده الأدنى، فكان quot;التكتكquot; خير قدوة للحكومة المدهشة بدل قطار الصين السريع الذي دشن مؤخرا، و مترو الجزائر العاصمة أو ترمواي الدار البيضاء اللذين باهت بهما البلدان الجاران قبل أسابيع قليلة الأصدقاء و الأعداء.
و يتفق مجال التفكير quot;التكتكيquot; للحكومة التونسية الراهنة برأيي مع كفاءة أغلب أعضائها الموقرين، ففي نهاية الأمر يمكن أن يعتبر quot;التكتكquot; مرحلة متقدمة لعقل quot;ماضويquot; يجد مرجعيته الفكرية و السياسية في قرون تالية خلت، حيث تبقى وسيلة النقل المذكورة وسيلة ذات محرك عصري يعتمد على الطاقة المولدة من النفط مادة لصنع الحركة، و هي تاريخيا متقدمة على وسائل النقل المجرورة بالحيوانات أو حتى تلك البخارية العاملة بالفحم الحجري، لكن لا أحد بمقدوره الجزم بأن نتاج مثل هذا النمط من التفكير يمكن أن يلقى ترحيبا في مجتمع يعد الأعرق في نطاقه العربي الإسلامي من جهة اهتمامه بالتحديث و مجاراة طموحه لواقع الحال في أوربا الجارة القريبة المتقدمة منذ بدايات القرن التاسع عشر.
و لا أحد يعلم في حقيقة الأمر كيف تفتقت ذهنية الحكومة عن فكرة quot;التكتكquot; الرائعة هذه، في ظل امتلاء خزينة جل الوزراء بآلاف المشاريع الإنمائية و الاقتصادية الواعدة، القائمة في مجملها على الاستفادة من آخر تطورات العلوم و التقنيات، و المعطلة لأسباب بيروقراطية و حزبية و إيديولوجية و إدارية، و التي كان بالمقدور لو كانت الهمة عالية و النية صافية أن تمكن مئات المستثمرين الجدد من الولوج إلى سوق البلاد و عشرات الآلاف من الشباب المعطلين إلى الدخول في سوق العمل.
و قد أظهرت قضية quot;التكتكquot; فضلا عن مزاياها السابقة المذكورة، مزية أخرى لحكومة الإسلاميين غير المسبوقة أو الأقوى من نوعها في التاريخ التونسي كما عبر أحد أعضائها الميامين، فبعد أن بشر الوزراء و المسؤولون بمجيء الآلة العجيبة، فأثاروا بذلك حنق و غضب أصحاب سيارات quot;التاكسيquot; في العاصمة و ضواحيها، سارع الناطقون باسم الحكومة إلى تكذيب أو تصحيح أو توضيح الخبر بأن قالوا أن التكتك سيجلب للمناطق الداخلية، أي تلك المناطق الريفية الوعرة المستعصية أحيانا حتى على الدواب، و ليستمر المشككون في إبداء ظنون السوء و النكات في ظل حكم حقق أرقاما قياسية في نفي أو تصحيح أو تكذيب أو توضيح الأخبار الصادرة عن مصادره أصلا، في حالة ارتباك و تضارب و استهانة بهيبة الدولة غير مسبوقة.
و لا يبالغ المتابع لإنجازات حكم quot;التكتكquot; التونسي هذا، إذا قال بأن عامة التونسيين يتملكهم شعور بأن ثورتهم كانت quot;ثورة تكتكيةquot; في زمن quot;الفورة الرقميةquot;، و بأن حكامهم من الطينة quot;التكتكيةquot; بدل الطينة الثورية التقدمية التي كان يجب أن يكونوا عليها، و بأن أحزابهم quot;تكتكيةquot; إما لأن محركاتها محدودة التفكير و الكفاءة و السرعة أو لأن عدد أعضائها في غالب الأمر لا يتجاوز عدد ركاب quot;التكتكquot; فكم من حزب تونسي لا يعرف التونسيون سوى رئيسه المصر على الركوب وحده، و بأن نخبهم quot;تكتكيةquot; من كثرة انهماكها فيquot;التكتكةquot;(من التكتيك) و صراعات الديكة و المؤامرات و الدسائس على حساب المصلحة العامة.
* كاتب و إعلامي تونسي