كعادته في كل مرة عندما يكلف بتشكيل حكومة جديدة يقوم نيجيرفان بارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني بزيارات روتينية الى معاقل المعارضة الكردية والاجتماع بزعمائها يدعوهم فيها الى الانضمام الى حكومته الجديدة ، على الرغم من معرفته المسبقة برفض المعارضة لدعوته من دون تنفيذ شروطهاquot;الاصلاحيةquot;المعروفة التي طالما رفضها الحزبان الحاكمان ورفضتها الحكومات الكردية السابقة واعتبرتها شروطا تعجيزية وغير واقعية ولايمكن تطبيقها في ارض الواقع ، ومن هذه الشروط ؛أن تتحرر المؤسسات الحكومية ومن ضمنها وزارة الداخلية وقوات الشرطة والبيشمركة من الهيمنة الحزبية والشخصية المباشرة للحزبين الحاكمين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني ، ويعاد بناؤها ثانية على اساس وطني من غير التدخل الحزبي في شؤونها وكذلك وضع رقابة شديدة على المنافذ الحدوديةquot;الكماركquot;والعقود النفطية المبرمة مع الشركات الكبرى العالمية وكشف الاموال المستحصلة منها وكذلك عرض ميزانية الاقليم على البرلمان الكردستاني واناطة توزيعها بلجان مستقلة وبصورة شفافة ، ..واخيرا وليس اخرا اعطاء الوزارات الحكومية صلاحيات كاملة لادارة مؤسساتها ودوائرها المعنية دون وصاية من قبل الحزبين الحاكمين..
هذه المطالب quot;الصعبةquot;التي تضعها المعارضة الكردية دائما بوجه اي تشكيلة وزارية مرفوضة جملة وتفصيلا من قبل الحزبين الحاكمين ، لانها تعني لهما التخلي عن اهم سلطتين ظلا يحكمان من خلالهما الشؤون الادارية للاقليم طوال السنوات العشرين الماضية وهما المال والجيش ، وهذا لن يحدث ابدا ولو ظلا يديران البلاد من دون معارضة الى يوم الدين ..
ولكن لماذا يقوم بارزاني بهذه الخطوة السياسية الذكية الى حدما رغم معرفته بانه لا يصل مع المعارضة الى نتيجة تذكر ؟ ربما يريد بذلك ان يرمي الكرة في ملعب المعارضة و يظهر نفسه امام الرأي العام الكردي وامام العالم الحر انه ديمقراطي متمرس ، يسعى الى اشراك قوى المعارضة في حكومته المقبلة ولايستفرد بالحكم ، ولكنها اي المعارضة تأبى ان تتحمل المسؤولية القومية وتواجه الحالة السياسية الراهنة بواقعية ..
المشكلة التي تواجه العملية السياسية في الاقليم دائما ان السلطة في واد والمعارضة في واد اخر ، كليهما لديهما اجندة سياسية رافضة للاخر ، بمعنى انهما لا يجتمعان ولا يتحاوران الا ولديهما رفض مسبق لما يقدمه الاخر ، وكأن الخيوط كلها مقطوعة بينهما ، كليهما يبحث عن مصالحه الخاصة ، الحكومة تريد ان تتخذ من المعارضة ديكورا لتجميل تشكيلاتها الوزارية ، والمعارضة تثقل الحكومة بشروط قاسية تعرف مسبقا انها تعني الموت البطيء للسلطة الحاكمة المتمثلة بالحزبين الرئيسين ، تريد ان quot;تصلحquot;المؤسسات الحكومية وتقضي علي الفساد فيها دون ان تدخلها و تشارك فيها ؟! ولكي تنأى بنفسها عن تحمل مسؤولية الفساد الاداري والثقافي والاقتصادي المستشري في المؤسسات الحكومية على نطاق واسع ، فارتضت ان تعترض وتنتقد اعمال الحكومة خارج اسوارها بصورتها السلبيةquot;التغني خارج السربquot;، وهذا الموقف يعتبر من اهم مثالب القوى المعارضة بكافة مشاربها ، مشكلتها انها ترى نفسها وكأنها في احدى الدول المتقدمة دورها ينحصر في متابعة اعمال الحكومة ومعارضتها في مجلس النواب ولكنها لاتدري ان الحكومات في هذه الدول بلغت اعلى درجات الكمال الديمقراطي ، تضع المصلحة الوطنية العليا quot;لاالحزبيةquot;دائما امام انظارها ، تشكل مع القوى المعارضة الوطنية جبهة واحدة متناغمة من اجل مصلحة البلاد وان لم تدخلا في حكومة واحدة فكليهما يكملان الاخر ، ولكن عندنا الصورة تختلف ؛ المعارضة لاتتنازل عن مطالبها قيد انملة ولا تبدي اي مرونة اومساومة عليها وكأنها نصوص مقدسة لايمكن المساس بها ( بمجرد ان سمع بعض النواب من حركة التغيير المعارضة quot;احدى اهم واكبر القوى المعارضة quot;في البرلمان الكردستانيquot;طراطيش كلامquot;عن خروج زعمائها عن الخط العام للحركة وابداء بعض التنازلات السياسية لصالح العملية السياسية ، قدموا استقالاتهم فورا من الحزب غير آسفين عليه !quot;،
وهذه العقلية التي تعتبر ان السلطة مفسدة من اولها الى اخرها والعمل معهاquot;رجس من عمل الشيطان quot; لايمكن ان تبني بلدا ولاتصلح مجتمعا ، ولا حتى تخلق معارضة ايجابية بل تزيد من الاحتقانات السياسية وتخلف من ورائها صراعات بيزنطية لاطائل من ورائها .. المطلوب من حكومة نيجيرفان بارزاني القادمة ان تبادر الى فتح صفحة جديدة مع المعارضة والبدء بتحقيق بعض من مطالبها في اجراء اصلاح اداري في المؤسسات تمهيدا لمشاركتها الجادة في حكومة شراكة وطنية حقيقية ...
- آخر تحديث :
التعليقات