في الآونة الأخيرة كُثرت الكتابات حول مبدأ حق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا، وأثيرت مواضيع أخرى كثيرة ومنوعة من قبل النخب المثقفة والكتاب الكبارالذين لهم باع طويل في الصحافة والإعلام، معظم هذه الكتابات تدور عن الثورة السورية وعن مرحلة ما بعد الاسد وأغلبها تساند ثورة الشعب السوري ضد نظام الديكتاتوري القاتل. ان الموضوع الذي أحدث جدلاً ونقاشا حاداً بين المعارضين العرب والكرد هو حق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا في حين تمر سوريا بلحظات حرجة من تاريخها س والشعب السوري يمر في أحلك الظروف القاسية نتيجة استخدام النظام المجرم الاسلحة المتطورة والفتاكة القاتلة ضده، وأمام أعين العالم هناك شعب يتعرض لابادة جماعية كما يحصل الآن في حمص في باباعمرو وحي الانشاءات والخالدية، وقد سلك النظام السوري الحل الأمني منذ اليوم الأول للثورة وحتى الآن لكي ينهي ثورة الحرية .لكن الشعب السوري قرر عدم التراجع وهو مصر أن ينال حريته.
وبالرغم من وقوف دول مثل روسيا والصين إلى جانب القتلة واستخدامها الفيتو في مجلس الأمن ضد ارادة المجتمع الدولي لانقاذ الشعب السوري من أشرس ديكتاتورية في هذا العصر، فان الثورة السورية ستنتصر ولكن الثمن سيكون باهظاً، لذلك من حق الشعب السوري أن يفكر في سوريا ما بعد الأسد: هل ستكون سوريا ديمقراطية تعددية برلمانية، أم سوريا فيدرالية، أم سوريا لامركزية كما طرحها المجلس الوطني الكردي، أم ستكون سوريا اسلامية؟ أسئلة وجيهة تٌطرح على النخب المثقفة وعلى المعارضة السورية على وجه الخصوص الاجابة عنها .
ومحاولتي المتواضعة للكتابة عن هذا الموضوع ما هي الا مساهمة في اغناء مسألة حق تقرير المصير، فحق تقرير المصير هو حق كل مجتمع ذو هوية جماعية متميزة، مثل شعب أو مجموعة عرقية وغيرها، وذلك بتحديد طموحاته السياسية وتبني النطاق السياسي المفضل عليه من أجل تحقيق هذه الطموحات وإدارة حياة المجتمع اليومية، وهذا دون تدخل خارجي أو قهر من قبل شعوب أو منظمات أجنبية.
وكان مبدأ حق تقرير المصير من أسس معاهدة quot;فيرسايquot; التي وقعت عليها الدول المتقاتلة في الحرب العالمية الأولى، والتي أمرت بتأسيس دول جديدة في أوروبا بعد انهيار الإمبراطورية النمساوية المجرية والقيصرية الألمانية، وشاعت الفكرة أن المجتمع الذي يحق له تقرير المصير هو مجموعة الناس الناطقين بلغة واحدة وذوي ثقافة مشتركة والعائشين في منطقة معينة ذات حدود واضحة. وكذلك شاعت الفكرة أن ممارسة حق تقرير المصير تتم عن طريق إقامة دول أمة أو مناطق حكم ذاتي .فإذا عاش في منطقة ما مجموعة أناس ذات لغة وثقافة مشتركة يمكن اعتبارها قوماً أو شعباً ويمكن إعلان المنطقة دولة مستقلة أو محافظة ذات حكم ذاتي في إطار دولة فيدرالية.
وحق تقرير المصير للشعوب، هو من المبادئ الأساسية في القانون الدولي، وهذا الحق مضمون لكل الشعوب على أساس المساواة بين الناس. لقد أكد هذا الحق ميثاق الأمم المتحدة في مادته: (55) حيث ورد (رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمه ودية بين الامم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها..).
كما أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على حق تقرير المصير حيث ورد في المادة (1) الفقرة (1) مايلي: ( لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير، ولها, استنادا إلى هذا الحق، أن تقرر بحرية كيانها السياسي وأن تواصل نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ).
وهذا ينطبق على الشعب الكردي الذي يعيش على أرضه التاريخية وله لغة واحدة وثقافة مشتركة ويعتبر قوماً لذلك يحق له أن يقرر مصيره بنفسه وهذا ما قرره المجلس الوطني الكردي في مؤتمره في القامشلي وتم التأكيد على مبدأ حق تقرير المصير في مؤتمر أربيل للجالية الكردية في الخارج والذي انعقد في 28-29 كانون الأول 2012 .
ومن المهم القول بان هذا الحق ليس هبة من أحد يمنحنا أياه، وأن تخوفات المعارضة السورية ليست في مكانها والمعارضة التي تدعي بأنها ديمقراطية وتناضل من أجل سوريا ديمقراطية عليها أن تقر بهذه الحقوق، وخاصة أن الأكراد في سوريا عانوا مظالم كثيرة فعلى المعارضة السورية والمعارضين أن لا يكونوا عروبين وبعثيين مثل نظام بشار وزبانيته. وبدون الاعتراف بحقوق الآخرين لن يستقر الوضع في سوريا والكرد ليسوا انفصاليين كم يدعي العروبيون والبعثيون بل هم وطنيون وتربطهم روابط قوية مع أخوتهم العرب وبقية الاقليات والمذاهب الاخرى. وهم مع سوريا قوية موحدة وجميلة بفسيفسائها المتنوع العربي والكردي( المسلم والايزيدي) والاشوري والدرزي والاسماعلي وبقية الطوائف والمذاهب الأخرى.
التعليقات