الرجال مواقف تسطرها سجلات التاريخ في الأزمان الصعبة و في الإنعطافات التاريخية و المصيرية ، وأزاء شلال الدماء السورية وتفنن نظام القتلة السوري في منهجة القمع و مأسسة القتل و شرعنة الإبادة الشاملة ضد الجنس البشري ، يبرز الموقف التاريخي و المسؤول لرئيس الوزراء القطري وقطب الدبلوماسية القطرية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بإعتباره الموقف العربي الأنصع و الأبلغ بيانا و الأكثر تأثيرا عبر تحركاته التي لا تعرف الهوادة للدفاع عن الشعب السوري و لمناشدة الضمير العالمي التحرك لإنقاذ مايمكن إنقاذه وحقن نزيف الدماء و كف يد نظام القتلة السوري عن الإبادة و التقتيل الشامل ، لقد مر عام كامل على المعضلة السورية بعد إنفجار الثورة الشعبية وذهل العالم بأسره لهول القمع السلطوي ولحجم آلة القتل السورية التي بدأت في البداية من خلال المؤسسة الإستخبارية بعد أحداث درعا المعروفة في العام الماضي و التي تطورت لتندلع شرارة الثورة الشاملة في كل أنحاء و أرجاء الوطن السوري ، لقد ذهل العالم بأسره لأنه لم يكن يتوقع أن يثور الشعب السوري بتلك الدرجة بعد سنوات من الصمت و إنتظار الفرصة التاريخية التي عجلت في إنطلاقة مسيرتها أحداث الثورتين التونسية و المصرية و إنهيار قلاع الطواغيت هناك و من ثم إمتداد الحالة الثورية العربية لتقتلع أحد حلفاء النظام السوري التاريخيين وهو نظام العقيد الأخضر الذي كان وساد ثم باد ! ، السوريون بصبرهم التاريخي و بشجاعتهم المعروفة عبر التاريخ ليسوا بأقل شأنا من الشعوب الحرة الأخرى بل أنهم قد علموا العالم في مناسبات سابقة معنى الشجاعة و الحرية و الكرامة في معاركهم ضد الإحتلال العثماني و تضحياتهم الرهيبة و القاسية و الدموية ضد طغمة العنصريين الترك من أهل الإتحاد و الترقي ، وكان السوريون المادة الأساس للثورة العربية الكبرى التي إقتلعت الإحتلال العثماني ثم كانت صولاتهم في ميسلون ضد الإحتلال الفرنسي وبرغم الهزيمة العسكرية المرة لعدم تكافؤ القوى عام 1920 إلا أن قائد الجيش ووزير دفاع الحكومة الفيصلية الشهيد يوسف العظمة طرز ملاحم الكرامة و الفداء التي إستمرت في ثوار الشام وهم يدكون صروح الإحتلال الفرنسي في الغوطة الدمشقية وبقية المدن السورية الأخرى في حوران أو جبل العرب أو حلب وحمص وحماة المجد و الشهادة ، لقد كان تاريخ القرن العشرين المنصرم تاريخا للفداء السوري ، كما كان العقد الأول من القرن الحادي و العشرين منطلقا لعقد تحرري سوري جديد تتخلص فيه سوريا العظيمة من أوحال حكم المماليك الجدد ببشاعاتهم الإرهابية و بتحالفاتهم السقيمة و المجرمة مع شياطين الصفويين في إيران و ببيعهم العروبة الحقة بأبخس الأثمان ، لقد وقف العالم على أقدامه وهو يتابع مذهولا مسيرة الثورة الشعبية السورية الخالدة الجديدة التي أربكت كل الحسابات وكانت بحق عروسة لثورات الشرق القديم ، وهنا تضاربت المصالح و التناقضات وحيث فاجأت تلك الثورة الشعبية بزخمها غير العادي كل حسابات المخططين الدوليين لسيناريوهات و ملفات إدارة الأزمات و المشاكل الدولية و الإقليمية و أفرزت واقعا ثوريا جديدا يعيشه السوريون ويفرض بالتالي أحكامه التي لا تعرف النقض أو التراجع وهي ترحيل النظام القائم لمزبلة التاريخ مهما كانت النتائج و غلا الثمن فلا شيء أثمن من الجرية وقد سبق لأحمد شوقي أن قالها بحق السوريين في قصيدته الشهيرة ( وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق )!.. وهنا تفاوتت المواقف الدولية و الإقليمية و العربية من الثورة السورية حيث ناصبها البعض العداء كحزب الشيطان في لبنان أو لمجاميع عملاء النظام الإيراني في العراق أو لبقايا أنظمة القمع و العسكر و النهب و التسلط ، فيما وقف البعض الآخر حائرا مترددا و مذهولا لايعرف ماهي الخطوة القادمة و لا الطريق للخروج من الورطة بأقل الأثمان و الخسائر ، وحده كان موقف دولة قطر وبقية دول الخليج العربي وفي طليعتها السعودية و الكويت موقفا تاريخيا و إنسانيا و متميزا في الإحساس بمعاناة الشعب السوري وفي الوقوف الحاسم و الصريح معه ضد جلاديه و في الإنتصار لقيم الحق و الحرية و العدالة ، كما كان موقف رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم موقفا تاريخيا صلبا جلب له سخط الكثيرين و شتائم الحاقدين و بذاءات المجرمين و لكنه ظل على موقفه التاريخي و الثابت ليحمل هموم الشعب السوري من أوسلو وحتى بكين مرورا بالقاهرة و إستانبول و الدوحة و كل مكان تطأه أقدام الدبلوماسية القطرية التي إثبتت إنتماءها لقضايا العرب القومية العادلةو لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير ، لقد تحول الشيخ حمد في تحركاته الماراثونية ليكون ماليء الدنيا و شاغل الناس ، وليسجل أسمه في سجل و سفر الدبلوماسية العربية و الدولية بإعتباره واحدا من صناع السلام العالمي من خلال عمله الدؤوب لملاحقة و متابعة القتلة و حصارهم دبلوماسيا و مطاردتهم دوليا ، وبصرف النظر عن أية إعتبارات أخرى لا يسع الأحرار في العالم إلا أن يرفعوا قبعاتهم إحتراما و تقديرا لمواقف الشيخ حمد بن جاسم الصلبة و التي ستتوج في النهاية بالنصر المؤكد و المؤزر على بقايا الفاشست في بلاد الشام ، وسيكون إسم الشيخ حمد أحد العلامات الفرقة في تاريخ الحرية السورية ، فبوركت جهود الأحرار في رد ظلم الظالمين ، وفي العمل الدؤوب من أجل نصرة الحق و الخير و الإنسانية ، وتحية من الأعماق لمواقف دولة قطر الحرة و لأميرها و رئيس وزرائها و لكل الشيوخ و القيادات الحرة في مجلس التعاون الخليجي الذين يساهمون اليوم أبدع مساهمة في صياغة عقد الحرية الإقليمي..