على هامش ما أقدمت عليه وزارة الاتصال المغربية من عرض لدفاتر تحملات الشركات المتعلقة بالاعلام العمومي.
الملاحظ أن:
* جميع المواطنين بمن فيهم العاملين بهذه المؤسسات غير راضين عن أدائه، بحيث لا يرقي الى تطلعات المواطنين وانتظاراتهم منه، لاسيما في ظل منافسة سرشة لوسائل اعلام خارجية تقدم مواد إعلامية بجودة عالية.
* لاتخلو مناسبة الا وينتقد فيها هذا القطاع انتقادا لاذعا، يتمحور حول بعده عن هموم المواطنين وانشغالاتهم الآنية، ومما يزيد في حدة هذا النقد هو اقتطاع ضربية من المواطن لفائدة هذا القطاع.
* اتفاق على ضرورة التغيير شكلا ومضمونا، لمواكبة العصر، والتحولات الجارية والمتسارعة في العالم في مجال الاعلام السمعي البصري.
* الغالبية من المتتبعين للشأن السياسي، وحتى الخصوم السياسيين منهم لحزب الوزير، يؤيدون حقه في ممارسة صلاحياته التي يخولها له الدستور الجديد.
هكذا، يتبين أن كثيرا من المواطنين يحدوهم الامل في تحديث المشهد الإعلامي بالبلد، ويعتبرون ذلك، فرصة تاريخية لتدشين إصلاح حقيقي، في ظل حكومة ائتلافية، منبثقة من صناديق الاقتراع.
لقد احتدم جدل واسع، لاسيما بعد خرجات إعلامية مستفزة لمسوؤلي بعض هذه المؤسسات الاعلامية العمومية، مفاذها: التحذيرمن أسلمة الاعلام، والمس بالتعدد اللغوي... الشيء الذي فهم منه رفضا ضمنيا لما جاء به وزير الاتصال.
لقد تم استقبال الملك -على إثر هذه الأزمة- للوزراء الثلاثة رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، ووزير الاتصال مصطفى الخلفي، ووزير الدولة عبدالله باها، حيث
صرح رئيس الحكومة بأن quot; دفاتر التحملات ليست قرآنا منزلاquot; الشيء الذي فهم منه أنه تجميد أو تعديل لدفاتر تحملات القنوات التلفزية، وحين سئل وزير الاتصال عما راج في الاستقبال الذي خصهم به الملك، كان جوابه: إنه ليس مخولا للحديث عما راج في هذا اللقاء...
الاسئلة التي تطرح في خضم هذا النقاش الدائر، ما هي أسباب رفض تغيير أو خلخلة ولو جزئيا هذا المرفق العمومي؟ لماذا هذا الاصرارعلى ألا تقرب يد العدالة والنتمية quot;الاسلاميquot; هذا القطاع ؟ ماذا يعني بقاء الوضع على ماهو عليه quot;الستاتيكوquot;؟
لقد قيل أن ثمة لوبيات ومافيات مستفيدة من هذا الوضع (ولقد صرح الوزير أثناء وصول الأزمة الى أوجها أنه سيكشف بعض جوانب الفساد في هذه المؤسسات الاعلامية) وهذا صحيح، لكن الجميع بما فيهم الوزير والحكومة والمتابعون للشأن السياسي الذين تحمسوا وتفاعلوا مع المبادرة كانوا في حلم؛ ونسوا أننا لسنا في وضع دولة انتقلت الى مرحلة الديمقراطية، لقد كانت الغالبية تنظر الى الاعلام العمومي والادوار التي يجب أن يضطلع بها ووظائفه، بنفس النظرة التي يقوم عليها الاعلام في الدول الديمقراطية، فكان قياسا مع وجود فارق كبير.
والحال أن المغرب على مشارف انتقال أو تحول ديمقراطي؛ من أدبيات هذا الانتقال، أولا تحرير الاعلام العمومي من الاستخدام الايديولوجي له من قبل الدولة؛ بمعنى ترسيم ووضع آليات استقلال الإعلام العمومي، ودمقرطة بنيته، أما الجوانب التدبيرية التي ركز عليه الوزير بشكل كبير، فتأتي في مرحلة لاحقة؛ بعد أن يرتفع منسوب الدمقرطة في هذا القطاع.
وتجدر الاشارة أن الديمقرطية لا تتجزأ ولا تختزل في استعارات شكلية منتقاة من الدول الديمقراطية، ونقلها لبلد ومجتمع تغيب فيه ممارسة التمقرط ndash; من الديمقراطية- في شتى مجالات الحياة اليومية، ولعل من أدبيات الانتقال الديمقراطي على غرار بعض دول أمريكا اللاتينية؛ البدء بدمقرطة الاعلام أولا، فبقاء الاعلام العمومي الرسمي في بلداننا العربية يراوح مكانه، ويعيد إنتاج التخلف، ويطبل ويزمر للخكومات، يعد مؤشرا على أن الاستبداد لازال قائما، والانتقال الى الديمقراطية بعيد المنال.
إن الاستبداد بالرأي العام وامتلاك الحقيقة؛ وعدم منح الفرصة للشعب لمعرفة الحقيقة والوعي بقضاياه ومصيره ومصالحه، وفضح الممارسات الفاسدة ...يعتبر-بنظرنا- ا جوهر المشكلة؛ أي مشكلة احتكار الدولة للاعلام العمومي، وما قيل بشأن هذه الدفاتر، وما انطوت عليه من أسلمة أوتديين للإعلام، عن طريق رفع الاذان في التلفزة( خاصة في القناة الثانية) ونقل وقائع صلاة الجمعة، مما يعد لدى هؤلاء تهديدا لقيم الحداثة..وهذه ادعاءات غير مقنعة. لكن الخشية كانت من هامش الحرية، المتوقع أن يكون من تلك المقترجات المتضمنة في هذه الدفاتر(بعض البرامج الحوارية مثلا) بالرغم أن هذا المشروع الاصلاحي للاعلام الرسمي، من جهة سوف لن يحل المشكل البنيوي لهذا القطاع، ومن جهة أخرى لن يحقق هدف -كما صرح الوزيز في أحد حواراته- إعادة الاعتبار للسياسة في المجتمع المغربي، بقدرما قد يوفر لربما -هذا التغيير-من مساهمة ndash;ولوجزئية- في إنضاج وعي غير متحكم فيه يتشكل في غفلة عن صناع القرار الاستراتيجي للبلاد.