قبل أن ندخل في متاهة أو مخاضة قائمة المرشحين للرئاسة المصرية، نحتاج لأن نحدد الملامح الرئيسية للرئيس المطلوب، وهذه نستنتجها من واقع الأهداف المرجوة، فالرئيس المناسب هو الأقدر على تحقيق ما نضعه نحن الشعب لأنفسنا من أهداف. . المشكلة أن الأهداف غير متفق عليها بين النخبة، والشعب ينتظر منهم أن تصبح حياته جديرة بأن تعاش، ومع ذلك فهو غير قادر على تمييز من هو قادر على تحقيق ذلك، ومن يتلاعبون بمشاعره الدينية العميقة والمحتقنة، بل وبدا سلوك الشعب المصري في الانتخابات النيابية كما لو ثور في حلبة مصارعة الثيران، يندفع نحو الراية الحمراء التي يلوح له بها المصارع ليذهب في الاتجاه الذي يريده فيتمكن من القضاء عليه، إذ راح خلف من يعدونه بتطبيق الشريعة الإسلامية، وأوهموه أن الإسلام على المحك أو في خطر، وأنهم رسله وجند الله لإعادة فتح مصر، فنسى الشعب أو تناسى في سبيل المقدس ما كان يتطلع إليه في الأساس من quot;عيش وحرية وكرامة إنسانيةquot;!!
إذا كان الهدف للبعض على الأقل هو نهوض مصر باقتصادها ونظمها السياسية والاجتماعية، فإن الطريق الواضح والمستقيم لابد وأن يكون هو التوافق مع المعايير والقيم العالمية التي تحدد شكل وطبيعة مكونات وعلاقات الدولة الحديثة، ويكون الرئيس الأقدر على قيادة البلاد لتحقيق هذا الهدف والسير بذات الطريق هو الأكثر اطلاعاً وانتماء لروح العصر وقيمه، وهذا يعني بداية الاستبعاد التام لمرشحي الإسلام السياسي، الذين لا نتهمهم وإنما هم بذاتهم يؤكدون لنا انتماءهم لأربعة عشر قرناً مضت، يريدون استرجاع قوانينها ونظمها السياسية وقيمها ومفاهيمها لنعيش بها نحن الآن في القرن الحادي والعشرين، ولا شك أنه يجب أن يلحق بهؤلاء المستبعدين السلفيون الناصريون والعروبيون والاشتراكيون، فجميع هؤلاء مصممون وفخورون بمفارقة العصر والعداء له، ويعدوننا بالسير في عكس اتجاهه، ذلك أن هذا من وجهة نظرهم هو ما يحقق لنا الاستقلال والكرامة والسيادة الوطنية!!
نأمل أن يدرك الجميع بداية بالشباب الثائر ثم من يتصدون للحديث باسمهم حرج الفترة التي يمر بها مصير بلادنا، فلا ننساق وراء الحماسة أو المزايدات، فنتحول إلى فيالق تهاجم كل من يتصدى للمساعدة على خروجنا من أوحال ما دخلنا إليه من مستنقعات. . فتجريح الرجال الشرفاء أمثال البرادعي وأحمد شفيق مثلاً لا يصب لغير مصلحة من يسيطرون على البلاد الآن، وهم أكثر خلق الله جهلاً وكذباً وخداعاً، فالبرادعي الذي يعد بحق أيقونة الثورة المصرية، وكانت وقفته الشجاعة رافضاً مجمل الوضع السياسي المصري في عز سطوة وهيمنة نظام مبارك، هذا الرجل لم يمكنه شباب ينتسب للثورة من الإدلاء بصوته في استفتاء التعديلات الدستورية، بعد أن اعتدوا عليه وهو الرجل الوقور المسن، وسمعنا في حقه اتهامات بالعمالة لأمريكا لمساعدتها على غزو العراق، وتشنيعاً بصور لابنته بلباس البحر باعتبارها جريمة أخلاقية، وغير هذا من شطحات بالحق أو بالباطل لن ينجو منها والأمر هكذا كائناً من كان.
التهمة الطائرة المخيمة فوق رأس رجل مصري جدير بالاحترام مثل أحمد شفيق هو أنه من quot;فلول النظامquot;، والحقيقة أننا بعد عام ونصف من الثورة وحماسها واندفاعاتها وشعاراتها نحتاج ولو إلى القليل من التروي والتمعن فيما نلوك ونردد من شعارات ومفاهيم. . نحتاج لكي نستطيع تحديد quot;الفلولquot; بمعنى بقايا وأذيال الفساد الذي ثرنا عليه، أن نحدد أولاً ما هو quot;النظامquot; المقصود بالثورة، هل هو نظام الدولة المصرية بعامة، الذي أردنا إسقاطه فوق رؤوسنا لنغرق في فوضى بلا حدود، أم المقصود بالنظام هو تلك الدائرة الضيقة حول مبارك، والتي أفسدها وأفسدته، بجانب ما اعترى السلطات الثلاث والعلاقات بينها من عوار أدى إلى ديكتاتورية بغيضة؟!
رغم لا معقولية الفهم المتوسع لكلمة نظام، إلا أن ما يطلق في الساحة من شعارات، يتفق مع ما يضمره تيار الإسلام السياسي لمصر، وهو هدم المعبد كاملاً على رؤوسنا، لكي يتاح لهم بعدها إقامة خيمتهم البدوية المهلهلة، ووفق هذا التصور للنظام يكون الفلول هم كل من عمل بالدولة المصرية طوال الفترة الماضية، وبالتأكيد لن يبرأ تماماً من هذه التهمة غير الملتحين الذين يبيعون البخور والسواك والعطور نفاذة الرائحة على الأرصفة أمام المساجد!!
أما الفهم الموضوعي لكلمة quot;فلولquot;، وهو ما يجب أن يعيه كل ثائر وكل حريص على مستقبل البلاد، فهو يعني هؤلاء الذين أفسدوا الحياة السياسية المصرية، سواء كان الفساد مالياً أم سياسياً أم ثقافياً، ولا يشترط هنا مساهمة هذا quot;الفلوليquot; في السلطة، فما حدث في مصر أن جزءاً كبيراً من الفساد السياسي والثقافي قد مارسه الواقفون يصرخون على سلالم المعارضة، من جماعة الإخوان المسلمين وملحقاتها، وكذا العروبجية والناصريين واليساريين المجمدين أو المحنطين، هؤلاء الذين عملوا كطابور خامس لأمثال صدام حسين والقذافي، وباعوا أنفسهم لهم بدولارات قليلة أو كثيرة، كل هؤلاء هم بنيان النظام القديم الفاشل، والذين يقفون حائلاً بيننا وبين الوصول إلى مبتغانا في حداثة وتنمية ومواكبة لمسيرة العالم الحضارية.
من غير المتاح أن يتيسر لكل منا تصنيع رئيس خاص على مزاجه، فنحن الآن في مرحلة اختيار ومفاضلة بين المتواجدين في قائمة مرشحي الرئاسة، وليس أمامنا إلا العمل بمبدأ اختيار الأفضل أو الأقل سوء، مصحوباً بالذهاب لمن لديه فرصة أكبر حتى لا تهدر الأصوات لصالح واحد من هؤلاء الذين يتربصون بمستقبل الوطن. . هنا يبرز اسم أحمد شفيق منيراً ولامعاً، كرجل إنجازات ومقدرة، يمتلك شجاعة مقاتل وجسارة طيار وكفاءة مدير مقتدر.
تحتاج مصر إلى كفاءة أحمد شفيق، ولا يحتاج هو لمنصب في ظروف كارثية، فالرجل يعرض خدماته لإصلاح ما أفسدناه بحماقتنا، وسوء خياراتنا. . من الظلم تحميله مثلاً مسئولية موقعة الجمل، فقد تولى المسئولية اسمياً في ظروف مضطربة، ولا يعقل أن يذهب إليه مدبرو المؤامرة لأخذ إذنه قبل تنفيذها، كما لم يكن يملك بعد انهيار الداخلية قوات يمكن أن يأمر بتوجهها فورياً لوقف المهزلة. . إذا كان هناك مسؤول عن مهزلة ومجزرة موقعة الجمل بعد الجناة الأصليين فهم من سمحوا لراكبي الجمال والأحصنة بالمرور من بين صفوفهم كأنهم ذاهبون لاستعراض، ولا يستحون من الادعاء بحمايتهم للثورة، فيما هم منذ البداية وحتى الآن يلعبون معنا لعبة الموت!!
كل المرشحين للرئاسة يتحدثون الآن عن نهضة، وعلينا أن نسألهم من أين لك هذا؟. . من قال أنك قادر على تحويل الكلام الجميل المنمق إلى أفعال؟. . أحمد شفيق قدم سابقة أعماله وجدارته بصورة طبيعية على أرض الواقع. . فلندر ظهرورنا لفنجرية البق والكلامنجية في هذه الظروف السوداء، ونقف خلف الرجل الجدير بأن يتقدم صفوفنا. . أحمد شفيق تاريخه مع بلاده إنجازات حضارية مشهودة. . غيره تاريخهم إرهاب وتشكيل منظمات إرهابية وظلامية، أو شعارات حنجورية على الأرصفة، أو مواقف عنترية يخرجون منها مطأطأي الرؤوس، أو إمعات يتشعبطون في موكب رئاسة لا قبل لهم بها. . أحمد شفيق بالفعل رجل المرحلة الأكثر حرجاً طوال التاريخ المصري الحديث الذي بدأ مع بداية القرن التاسع عشر. . رجل صلب وقوي ومدير مشهود لنجاحه.
هل ينجح الشعب المصري في اختيار أحمد شفيق رئيساً؟
هل يستطيع الشعب المصري الإفلات من شباك مرشحين يدعون النيابة عن الإله، ونعرف جميعاً ارتزاقهم وعمالتهم لإمارة خليجية ميكروسكوبية الحجم تتصور في نفسها قدرة إمبراطورية، أو من تهاويم أشاوس العروبجية الذين نعرف عمالتهم وارتزاقهم من الجمهوريات العروبية الفاشية القذافوصدامية، ممن يبيعون الشعارات على أرصفة القاهرة ومقاهيها السياسية؟!!
لن أستطيع بالطبع أن أعود للمجازفة بأي قدر من حسن نية فيما نسميه quot;وعي الشعب المصريquot;، فاختيار عينة أحمد شفيق من الرجال والسير خلفهم يعني عدة أمور غير متوفرة في الشارع المصري وجماهيره. . يعني أن أهدافنا واضحة أمامنا، وهي المستقبل الحداثي لبلادنا وحياتنا، وأننا قد كففنا عن التطلع للماضي والحنين للعودة إلى ظلماته، كما يعني أننا قد وصلنا درجة من النضج الفكري بل والعقلي، كفيلة بأن ننحي جانباً هؤلاء الذين يتلاعبون بمشاعرنا الدينية، بما يبشر باقتراب الوقت الذي يضطر فيه هؤلاء للبحث عن عمل شريف يتكسبون منه قوتهم، بدلاً من احتراف الدجل والاحتيال باسم الإله، كما يعني بالتأكيد أن المصريين قد أقلعوا عن انتهاج التسول أو الفهلوة والأونطة توصلاً لأهدافهم ومراميهم في الحياة، وأنهم قد قرروا اللجوء للجد والكدح والعلم لإعادة ترتيب حياتهم. . نأمل أن نستكمل في يوم قريب أو بعيد هذه المقومات، لنكون مستحقين لأن يحكمنا رجل في مثل قدرات وشخصية أحمد شفيق!!
مصر- الإسكندرية
[email protected]