قالت الحكومة الأردنية الحالية، بأنها جاءت من أجل إعداد لقانون جديد للانتخابات، والتحضير لانتخابات قادمة. وأنها لن تحكم أكثر من شهرين. ففي شهرين سوف تتم quot;طبخةquot; الانتخابات القادمة، والتحضير لهذه الانتخابات، التي ستأتي كما يشتهيها أهل (الحل والعقد)، والناس (اللي فوق). ولهذا تمّت اقالة الحكومة السابقة، وجيء بالحكومة الحالية. وإن لم تفعل هذه الحكومة ما تؤمر به، سوف يتم صرفها، والإتيان بحكومة جديدة. والشعب، هو الذي يدفع الثمن نقداً، وجهداً، ووقتاً، وضياع فرص، وضياع مستقبل، وزيادة عدد الفاسدين ndash; مع غلق ملفات الفساد- وانتشار الجرذان القاضمة في كل مكان. لأن المصائد تم تكسيرها، ولم يعد للمقاومة ومكافحة هذه الآفات أي أثر يُذكر.
فسلام على الفساد.
ولينعم الفاسدون.
وبذا أصبح الأردن quot;سداح مداحquot;، كما قال الراحل أحمد بهاء الدين. وسفينة تائهة ملأى بالجرذان، التي ما إن شارفت هذه السفينة على الغرق، حتى تقفز هذه الجرذان الى أقرب شاطيء.
أربع خطوات للإعاقة
قال المحلل السياسي الأردني، الدقيق، والموضوعي، لبيب قمحاوي في مقالة سابقة، وهو يحلل خطوات التراجع الفاضح، والمخزي، للنظام بخطوات أربع مهمة، على الشعب الأردني الحر، أن يقرأها، ويدرسها بعناية شديدة، ويضعها كـ (الحَلَق) في أُذنه، وهي:
1- استبدال حكومة تؤمن بالإصلاح، وتضعه على أجندة أعمالها بحكومة أخرى لا تؤمن بالإصلاح، ولا تريده، ولا تعترف به، ولا تضعه على أجندتها. وهكذا تم دفع الخصاونة إلى الاستقالة، واستبداله بالطراونة المعادي للإصلاح.
2- تعيين شخصية قوية متمرسة، ولا تؤمن بالإصلاح، على رأس الجهاز القضائي، وبإشارات واضحة، أن الجهاز القضائي هو الجهاز المسؤول عن معالجة ملفات الفساد. وهذا يعني : إما سيتم التخلص من quot;هيئة مكافحة الفسادquot;، على اعتبار أن مهامها هي من اختصاص القضاء ، أو سيتم تقليص دورها تمهيداً لتجميدها من ناحية عملية. وفي كلا الحالتين، فإن الهدف، هو إغلاق كل ملفات الفساد الكبير، وتحت كل المبررات الممكنة. وكتمهيد للسير في هذا الاتجاه، قام النظام بالإيحاء لهذا البرلمان العجيب، الغريب، المطعون في شرعيته، بالتصويت على إغلاق ملفات الفساد الكبير، ومن ثم تمَّ استخراج quot;فتوىquot; أعجب، وأغرب من قبل quot; المجلس العالي لتفسير الدستورquot;، بمنع البرلمان من إعادة فتح أي ملف، يتم التصويت على إغلاقه. وهذا ما يُسمى بالضبط quot;استغلال مؤسسات الدولة، لخدمة أهداف تخالف القانونquot;، وحماية الفساد والفاسدين الكبار، وبالتالي دفن ملفات الفساد الكبير، quot;وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.quot;
3- العمل على السيطرة، من الداخل؛ أي على المؤسسات التي أفرزتها عملية الإصلاح. وقد جاء تشكيل quot;الهيئة المستقلة للانتخاباتquot; من شخصيات تقليدية، وقريبة جداً من quot;الحكمquot;، ليعكس نوايا quot;الحكمquot;، في تهميش دور هذه المؤسسات، بغض النظر عن المهام المناطة بها نظرياً. كما أن فعالية هذه الهيئة تصبح منقوصة إذا كان عملها تحت مظلة quot;قانون انتخاب منزوع الدسمquot;. ونفس المصير قد ينتظر quot;المحكمة الدستورية quot;، بعد إقرار قانونها، والهدف واضح: مؤسسات نابعة عن مطالب الإصلاح، ولكنها بدون مخالب إصلاحية.
4- نشاط ملكي محموم، وشبه يومي، لإعادة التواصل مع العشائر، والمخيمات، والتجمعات السكانية الأخرى، لتجديد الولاء للعرش، وتجنيده في مجابهة الدعوات للإصلاح، ومكافحة الفساد، وإعادة صياغة الرأي العام، كي ينسجم مع جهود إعادة تفسير الإصلاح الدستوري على quot;الطريقة الملكيةquot;. وقد رافق هذه الحملة التركيز على مفاهيم مثل: الولاء للحكم أولاً، مع أن الولاء للوطن، هو الأساس، وهو الأشمل. وكذلك التركيز على quot;الأمن والاستقرار أولاًquot;، وكأن هنالك تناقضاً بين الإصلاح، ومكافحة الفساد، وبين الأمن والاستقرار. إن خلط المفاهيم والتلاعب بها، هو أحد سمات هذه الخطوة، والتي تهدف إلى ضمان تجنيد أكبر عدد من المواطنين وراء النهج الجديد للإصلاح ، كما يراه الحكم.
quot;طبخةquot; الانتخابات الفاسدة
أعلنت الحكومة الأردنية الحالية، أن quot;قانون الانتخاباتquot; الجديد الذي يجري طبخه الآن بسرعة، ليس من شأن الشعب الأردني، وممثلية من التيار الديني والتقدمي والوطني، ولكنه من شأن نواب البرلمان فقط. والنواب (في الجيب)، إذن فالقانون سيكون (في الجيب) تبعاً لذلك. وهكذا ستتم quot;الطبخةquot; الفاسدة للانتخابات، وسيلعن التاريخ غداً، كل الطهاة والعاملين في المطبخ الملكي على هذه (العَملَة) الفضيحة.
أما من قشَّر بصل هذه الطبخة، ومن قلاه، ومن سلق اللحم الفاسد، وقطّع (البندورة) فسيحاسبهم أحرار الأردن، فإن لم يكونوا أحرار اليوم، فأحرار الغد، وبعد غد، من أجيال الأحرار القادمة.
فمثل هذا، كان يمكن أن يمرَّ مرَّ الكرام، في القرن الماضي.
ومثل هذا، كان يمكن أن يمرَّ مرَّ الكرام، عندما كانت الأميّة الأردنية، تتعدى نسبة 70%.
ومثل هذا، كان يمكن أن يمرَّ مرَّ الكرام، في الشتاء العربي القارص، لا في quot;الربيع العربيquot;، الذي أزهرت رياحين الحرية فيه في تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، واليمن، والبحرين.
أما اليوم فلا.
وألف لا.
ما لجرح بميت إيلام!
لقد أصابت قوى المعارضة الأردنية ndash; كل القوى ndash; حين قررت مقاطعة الحوار مع الحكومة. فالحوار مع هكذا حكومة غير مجدٍ، ما دامت لا تسمع لصوت الشعب. وتساءل الكاتب الأردني (فهد الخيطان) في مقاله quot; الديوان والمخابرات وقانون الانتخاباتquot;:
لماذا تضيع الأحزاب والمؤسسات الأهلية وقتها في اجتماعات مع الحكومة لا طائل منها
ولكن الخيطان اقترح، كمن يهذي في كابوس ثقيل، فقال بأن:
quot;يتولى الديوان الملكي والمخابرات العامة، وهما الطرفان المعنيان بالأمر - كما يعرف الجميع- الدعوة إلى تنظيم لقاء عاجل، وليوم واحد، لممثلي أبرز التيارات السياسية والاجتماعية في البلاد للتوافق على صيغة محددة للنظام الانتخابي، يجري الدفع بها إلى البرلمان لإقرارها.quot;
صح النوم!
ولا أدري، إن كان الخيطان يصرخ في واد، أو ينفخ في رماد. أو كان نائماً، وتعرّض لكابوس ثقيل.
فقد طُبخت quot;الطبخة.
فهل طويت صفحة الحراك الشعبي الأردني؟
لا.
فما زال في الشعب الأردني قلبٌ ينبض، وعقلٌ يفكر، وذراعٌ تعمل!
السلام عليكم.
التعليقات