إنها فوبيا الإخوان..تجدها في وسائل الإعلام المصرية التي لا تزال تنتمي لعهد ما قبل الثورة، تجدها على ألسنة كتاب ومثقفين وفنانين..تجدها على لسان فريق من المواطنين المصريين البسطاء المغرر بهم وقد تأثروا بالدعاية السوداء ..حتى أن فريقاً فضل التصويت لأحمد شفيق-حسني مبارك بنسخته الجديدة-خوفاً من مستقبل متوهم..
هذه الدعاية السوداء تصور الإخوان وكأنهم قادمون من المريخ وأنهم قادمون لينسفوا المجتمع المصري من أصوله ويحولوا مصر إلى مصرستان ويفرضوا المظاهر الدينية ويفرضوا الحجاب على المرأة -وفي رواية أخرى النقاب-، ويحاربوا السياحة ويطردوا الاستثمارات، ويقيموا دولة المرشد، ويمارسوا الاستبداد الديني بحق مخالفيهم ، وربما يفجرون الأهرام وأبا الهول، وكأن هذا هو كل ما في جعبة الإخوان، وأنه ليس لديهم أية رؤية فيما يتعلق بنهضة مصر الاقتصادية والسياسية..
هذه الصورة السلبية التي يتعمد فريق من المنتسبين لطبقة المثقفين رسمها بسوء نية ويتلقفها فريق من المواطنين بحسن نية متنافية مع أبسط قواعد الموضوعية التي تقتضي أن تحاكم الناس إلى برامجهم وأقوالهم المسجلة وليس إلى أوهامنا وتصوراتنا وانطباعاتنا الذاتية عنهم..
من حيث المبدأ فالإخوان المسلمون هم جزء لا يتجزأ من المجتمع المصري ولهم قاعدتهم الشعبية المعتبرة، وبالتالي فإن الصدق في الحديث عن الديمقراطية يقتضي إشراكهم في العملية السياسية وأن يكون لهم ما لغيرهم من الحقوق وعليهم ما على غيرهم من الواجبات، لذا فإن ممارسة كل هذا القدر من الدعاية الحاقدة ضد الإخوان هو تنكر لشعارات الديمقراطية ..
من حقنا أن نختلف مع الإخوان وأن ننتقدهم نقداً علمياً موضوعياً لكن ليس من حقنا أن نفتري عليهم ونحيد عن المنهج العلمي في انتقادهم، أو أن نمارس وصايةً على الناس وأن نفترض أنهم غير راشدين ليقرروا بأنفسهم فهذا تنكر لإدعاءات الديمقراطية واحترام إرادة الشعوب، فالديمقراطية تعني أن يختار الشعب بحرية وأن يتحمل مسئولية اختياره، وإذا كان الإخوان بكل هذا القدر من السوء فإن الشعب هو الذي سيتحمل مسئولية اختياره، وسيكون قادراً على إسقاطهم إن تبين لهم خلاف ما انتخبهم من أجله..
ثم إن الغريب في أمر من ينتقد الإخوان أنه يحاكمهم لمستقبل لم يأت بعد، فهم لم يمارسوا الحكم حتى تظهر حسناتهم من سيئاتهم، بينما لا يحاكمون شفيق في أفعال قد سجلت عليه فهو أحد أهم أعمدة نظام مبارك وكان رئيس الحكومة أثناء موقعة الجمل، ومتورط في قضايا فساد.. ما لكم كيف تحكمون؟؟ أيهما أولى بأن نرفضه من ثار الشعب ضده وأسقطه..أم من جاء من صفوف المتظاهرين وأقل ما يقال في حقه بأنه لا ينتمي إلى النظام السابق!!
ربما يقول قائل: جربنا الإخوان في مجلس الشعب ولم يفعلوا شيئاً، وهو قول لا يصمد أمام التدقيق ، فمجلس الشعب لا يمتلك صلاحيات تنفيذيةً حتى نقرر إن كان فعل أو لم يفعل، وإذا أردت أن تحاسب إنساناً وجب أن تمنحه الصلاحيات حتى تكون محاسبتك عادلةً له، وقد رفض المجلس العسكري طلب الإخوان بإقالة حكومة الجنزوري وانتخاب حكومة منبثقة عن مجلس الشعب المنتخب، وأصر إصراراً عجيباً على التمسك بالجنزوري-ربما لتزوير الانتخابات الرئاسية لصالح شفيق-فهل يعقل بعد ذلك أن يحاسب الإخوان وهم لم يعطوا الفرصة؟؟
مثل الإخوان في مجلس الشعب كمثل حارس عمارة يقيده صاحب العمارة عن الحركة ويربط يديه ثم يحاسبه على سرقة العمارة!!.
في تفاصيل القضايا التي يثيرها خصوم الإخوان للتخويف من حكمهم فقد أرسل الإخوان رسائل تطمينيةً كافيةً حول احترامهم للحريات، وأكد على ذلك الدكتور محمد مرسي في برنامجه الانتخابي ومؤتمراته الصحفية بأن حقوق المرأة والأقباط مصانة، وأن السياحة هي عماد اقتصاد مصر، وأن حق التظاهر السلمي حق مكفول لا يمس بل ذهب أبعد من ذلك حين طالب الشعب المصري بتقويمه وإسقاطه إن حاد عن الطريق، ولا أدري ماذا تبقى للدكتور محمد مرسي حتى يرضى عنه خصومه، هل ينتحر ليثبت لهم صدقه..
وتبقى الضمانة الأكبر قبل هذه التطمينات هي الشارع المصري، فهو الذي سيمارس الرقابة على أي حاكم قادم ولن يسمح له بأن يتحول إلى فرعون جديد، وميدان التحرير سيظل قائماً، وإن لم يستقم الرئيس إيماناً فسيستقيم اضطراراً خشيةً من سطوة الشعب، لذا فإن الافتراض بأن الإخوان سيكممون الأفواه وسيستفردون بالساحة يغفل حقيقة الدور الفاعل الذي بات الشعب قادراً على ممارسته للضغط على الإخوان أو غيرهم..
المبالغة في التخويف من الإخوان وإثارة مسائل فرعية يصرف الأنظار عن القضية الأساسية التي يجدر بكل المخلصين أن يصبوا تركيزهم عليها وهي قضية نهضة مصر وتحولها نحو الديمقراطية والاستقرار-ليس استقرار شفيق بل الاستقرار المحقق لأهداف الثورة- والحقيقة أن برنامج الإخوان النظري على الأقل يفرد الثقل الأهم للحديث عن نهضة مصر مما يدلل على طبيعة توجهاتهم وعلى مدى الظلم الذي يمارس ضدهم حين يصورون وكأنه لا يوجد في جعبتهم سوى نشر مظاهر التدين وممارسة القمع والاستبداد الديني..
لقد سمى الإخوان مشروعهم بمشروع النهضة إيماناً منهم بطبيعة الهدف الذي ينبغي التركيز عليه في المرحلة القادمة، وفي تفاصيل هذا المشروع نجد تصورات تفصيليةً لخطط تنموية استغرق وضعها خمسة عشر عاماً تهدف للنهوض بمصر في كافة الأصعدة الاقتصادية والثقافية والسياسية والتربوية..
يتحدث برنامج النهضة عن تحويل مصر من كونها دولة مهيمنة إلى دولة مؤسسات، والتأكيد على الفصل بين السلطات، كما يتحدث عن إقرار آليات للرقابة الشعبية علي الأداء الحكومي بما يضمن مستوي أعلي من الشفافية والنزاهة، ويتحدث عن تطبيق مبدأ المشاركة لا المغالبة في تشكيل حكومة ائتلافية واسعة ممثلة للقوي السياسية الفاعلة في المجتمع المصري، أما في مجال الاقتصاد فيتحدث البرنامج عن التحول من اقتصاد ريعى الى اقتصاد قيمة مضافة في إطار مجتمع المعرفة والإنتاج ومن خلال مائة مشروع قومي (يفوق كل منهم المليار دولار) يضمن مضاعفة الناتج المحلى الإجمالي في خمس سنوات بمتوسط معدل نمو سنوى بين 6.5 % : 7%..
كما يتحدث مشروع النهضة عن دعم المشروعات الصغرى والمتوسطة بما يوفر مناخا ملائما للنهضة بهذه الشريحة من الاقتصاد وتفعيلها بالقدر الكافى من خلال تقديم الدعم الفنى اللازم لانتقاء وتطوير المشاريع واداراتها وتوفير برنامج تدريب وتأهيل للكوادر الإدارية والتقنية المطلوبة وتوفير الدراسات والأدوات المالية اللازمة والملائمة لحجم هذه المشروعات وتوفير الفرص التسويقية والمعارض الدائمة..
ما أردته من ذكر هذه المقتطفات من برنامج النهضة الذي يقوده الدكتور محمد مرسي هو أن أوجه دفة النقاش إلى معالي الأمور لا أن تشغلنا سفاسفها وكأن كل قضية مصر محصورة في بعض القضايا الثانوية..
ختاماً لا بد من الاستدراك بأنني لم أكن سعيداً بأن تنحصر خيارات الناخب المصري بين مرشح التنظيم ومرشح النظام، وكنت أود لو فاز في انتخابات الرئاسة شخصية وطنية محترمة تمثل الثورة ولا تنتمي لأي تنظيم مثل الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح حتى يكون ذلك شاهداً على نجاح الثورة في إعادة الاعتبار للقوى الشعبية الحرة، كما أشير بأنني لست متحمساً بأن يحكم الإخوان المسلمون مصر في هذه المرحلة العصيبة، ليس تقليلاً من كفاءتهم بل إشفاقاً عليهم بأن يوضعوا في الواجهة بينما هم لم يوطدوا أقدامهم في مؤسسات الدولة، ولا يزال الإعلام والعسكر وأجهزة مبارك الأمنية قائمةً ويمكن أن تقوم بدور تفشيلي لهم، لكن بما أن الخيارات صارت محصورةً بين مرشحين أحدهما يملك مشروعاً لنهضة مصر وهو أحد ضحايا العهد البائد الذي قامت الثورة ضده، وصنف بأنه أنجح برلماني على مستوى العالم عام 2005، والثاني لم يأت إلا من أجل أن يفشل الثورة فإنه لم يعد أمامي اختيار إلا أن أقول نعم وبكل قوة لمحمد مرسي، لأنه حتى الحياد في هذه الحالة لم يعد مقبولاً، وكما قال مارتن لوثر كينغ quot; إن أسوأ مكان في الجحيم مخصص لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرىquot;
حفظ الله مصر..
التعليقات